أكثر ما يحزننا ويفزعنا الآن ما نراه من اشتباكات بالغة العنف بين مصريين معارضين للنظام، وبين مصريين مؤيدين له. الدماء التي سالت، والعظام التي تكسّرت، لمئات المصابين هي دماء وعظام مصريين اختلفت مواقفهم حول كيفية إعادة الأمن والاستقرار لوطنهم وشعبهم. كان أروع ما في انتفاضة الشباب المصري منذ يوم25يناير الماضي و حتي أمس الأول أنها مسيرات وتظاهرات سلمية، حرص المشاركون فيها علي سخونة هتافاتهم، وصراحة شعاراتهم، وشرعية معظم مطالبهم في استرداد حقوقهم المحرومين منها. وقفنا كلنا و مانزال إلي جانب شبابنا الذين خرجوا من تلقاء أنفسهم إلي شوارع القاهرة وغيرها من المدن المصرية بعد أن امتلأت قلوبهم بالأسي واليأس في أي شيء وكل شيء. منهم من حاول البحث عن حياة مختلفة في أي بلد قريب منهم أو بعيد عنهم. منهم من سقط فريسة لعصابات غير آدمية تقاضت مالاً كثيرا،لا يعلم إلاّ الله كيف عثروا عليه، مقابل تهريبهم عبر البحار إلي شواطيء أي بلد يسمح بقبولهم أو تسللوا داخله في غفلة من حراس حدوده، ولقي معظمهم مصيراً مفجعاً ودامياً. معظم المراكب العتيقة غرقت، بمن تحملهم من أغلي شبابنا، قبل وصولها إلي قرب شاطيء، ومنهم من نجح في الوصول والتسلل والإقامة في البلاد الغربية لحين القبض عليهم وجمعهم داخل السجون توطئة لإعادتهم إلي ما هربوا منه.. ليزداد عجزهم ويأسهم من العثور علي فرص عمل تنقذهم من البطالة والحرمان من حقهم في حياة طبيعية، مثل غيرهم ممن يعرفونهم أو يسمعون عنهم. شباب فقد ثقته فيما يسمعه، ويقرأه، بألسنة رموز الأحزاب السياسية والجماعات الدينية والمنظمات الجهادية من برامج وحلول يخططون لتنفيذها لإجبار الحكومات المتعاقبة علي مدي نصف القرن الماضي فلم يجدوا من هؤلاء الرموز برنامجاً أو حلاً واحداً مما قالوا وتعهدوا به. مع العجز التام لأحزاب المعارضة الشرعية، وجماعات الإظلام والإرهاب غير الشرعية، لحث الحكومات علي القيام بأهم واجباتها في توفير العدل وفرص المعيشة الآدمية لقطاعات عريضة من الشعب، لم يجد شبابنا سوي الابتعاد عن تلك الأحزاب والجماعات بنفس ابتعادهم عن الحزب الحاكم وحكوماته، وقرر الاعتماد علي نفسه في المطالبة بحقوقه والإصرار علي نيلها طوعاً أو إجباراً. خرج الشباب الواعي بحقوقه و واجباته إلي الشوارع معلياً صوته، ورافعاً أنبل شعاراته، ومطالباً بإحداث تغييرات عاجلة، واتخاذ قرارات طال غيابها، ومصراً علي تنفيذها مهما كانت التضحيات ومرور الأيام. كانت الصورة رائعة لقيت الإعجاب والتقدير لشباب »ميدان التحرير«، الذي تحرّك من تلقاء نفسه وبلا أدني مساندة، أو دعم، أو تدبير، من أية جهة حزبية شرعية أو محظورة. وجاء الرد بدوره إيجابياً، من خلال سلسلة القرارات التي أمر بها الرئيس حسني مبارك تلبي تباعاً مطالب الشباب التي وصفها رئيس الجمهورية بأنها شرعية، وواجبة التنفيذ.. وهو ما أكده نائب الرئيس عمر سليمان وما يلتزم به رئيس الحكومة الجديده: أحمد شفيق. ما حققه شباب مصر خلال أيام معدودة، لم تستطع كل أحزابنا الشرعية، وكل الجماعات والخلايا غير الشرعية، تحقيق 1٪ منه علي مدي العقود العديدة الماضية، وهو ما وجدت فيه هذه الأحزاب وتلك الخلايا السرية فرصة عمرها للطفو علي سطح الأحداث ليس فقط بإعلان تأييدها للانتفاضة الشبابية، وإنما الأغرب إنها سارعت بالقفز عليها، والتحدث باسمها، والمطالبة بما لم يسع إليه وانتفض الشباب من أجل تحقيقه بأسلوب حضاري يضع أمن المواطنين واستقرار الوطن فوق أي اعتبار! مدت الدولة يدها لجميع القوي السياسية وكان الأفضل أن تقصرها علي ممثلي شباب ميدان التحرير للتحاور حول كل القضايا والتعديلات والتغييرات المطروحة حول مائدة الحوار، ففوجئنا بمن قفزوا علي الانتفاضة الشبابية يرفضون الدعوة، و يفرضون شروطاً مسبقة، ويطالبون بتنازلات فورية تهدف أساساً إلي سحب الدعوة ورفض الحوار الذي رحب به الكثير من الحكماء المحايدين الذين لا يقلقهم سوي الحرص علي استقرار الوطن وأمن المواطنين. .. والحديث يتواصل .