شباب مصر، بثورة 52 يناير، أعادوا لمصر شبابها. عبروا ببراءتهم ونبلهم وإخلاصهم لقيم العدالة والحرية والكرامة، من ضمير شعبهم.. وبتضحياتهم بأرواحهم الغالية أثاروا إعجاب وعطف واحتضان الجميع لهم. وهم، بثورتهم النبيلة الحضارية، وضعوا خريطة طريق تطوير مصر، لتصبح - فعلا وليس بالشعارات المزيفة -دولة عصرية.. مدنية.. ديمقراطية، وأول علامة في هذا الطريق هي انهاء حالة المبالاة، والاستخفاف، بل والسير في الاتجاه المعاكس من جانب الحكام.. وعدم الاكتراث بالشأن العام، وتدني الأماني والمطالب، والتنازل عن الحقوق، وترك الأمور في أيدي غير المؤهلين والمؤتمنين، لقاء الفتات.. هذه الحالة من التخلف المتبادل أفرزت كل التشوهات البشعة التي صارت وكأنها عيوب خلقية التصقت بنا، وصارت جزءا لا يتجزأ من كياننا.. زادت مشاكلنا وتفاقمت حتي صارت مزيجا بين المأساة والملهاة. عشنا في مشكلة لا مثيل لها في الدنيا اسمها الزبالة.. حتي قال كاتبنا الساخر العبقري أحمد رجب إنه بعد عقد اتفاقية التأخي بين مدينة الجيزة ومدينة »...« الألمانية.. فوجيء سكان المدينة الألمانية بانتشار الزبالة في شوارعهم. واقترحت زميلتي عفاف يحيي أن نصدر زبالتنا الي الدول التي تحولها الي طاقة. يحدث ذلك بينما العالم كله انتهي من أن الزبالة، والصرف الصحي، مواد ضارة.. وحولها الي مواد نافعة. المدهش أننا قلنا للمسئولين مرارا وتكرارا إنه تمت تجارب عملية وبسيطة، كتلك التي نفذها الدكتور أحمد جويلي في دمياط.. وقدم علماؤنا الحلول تلو الحلول.. لكن أبدا.. فهم لا يسمعون أحدا.. إنها اللامبالاة، وعدم عمل حساب لأي حساب. مشكلة الزيادة السكانية نتحدث عنها منذ خمسين سنة. قال العلماء، وقلنا معهم، انه لا حل الا بالتعليم، وتخفيف -علي الأقل- حالة الفقر، لكنهم لم يكترثوا، وظلوا يفعلون نفس الشيء الوهمي.. فتفاقمت أكثر المشكلة، وأصبحت مشكلة إسكان التهمت أكثر من مليون ونصف مليون فدان من أجود أراضينا الزراعية.. وزادت أزمة الغذاء.. إنها اللامبالاة. وهكذا.. وهكذا.. ولن أعدد، فالكل يعرف.. كل مناحي الحياة، وتزوير منهجي لارادة الناس.. وعدم وجود تنظيمات تمثيلية حقيقية تعبر عنهم.. عدم اكتراث جماهيري بالشأن العام، فضلا عن العمل السياسي. لكن.. ها هي ثورة شباب 52 يناير، تقلب الوضع.. أو علي الأصح »تعدله« الشباب، الذي يوصف خطأ بأنه »غير حسيس«.. مارس السياسة في أعلي درجاتها.. وحول لا مبالاة المسئولين الي اهتمام بالغ من الرئيس الي كل الجهاز التنفيذي الي القوات المسلحة.. الي الاحزاب والجمعيات.. علي أن أهم ما فعله هؤلاء الشبان النبلاء هو أنهم شدوا اهتمام أهاليهم -الذين هم كل شعب مصر- الي الاهتمام الشديد بالسياسة.. فالكل، شيباً وشبانا نساء وأطفالاً.. أصبح يتابع لحظة.. بلحظة.. ما يجري.. وأصبح له رأي. وبفضل هذه الصحوة، استعاد الشعب حيويته.. وأخرج أحسن ما عنده: لا جرائم، الا ما يرتكبه البلطجية واللصوص الذين اطلقتهم الأيدي الخفية الشريرة، وواجههم الشعب، بمبادرات عفوية، سرعان ما انتظمت، بلجان شعبية، وقف فيها اللواء والطبيب مع البواب والصنايعي، يحمون بيوتهم واحياءهم وينظمون المرور.. والتبرع بالدم الذي كان ناقصا، ففاض، والمستشفيات والاطباء الذين كانوا محل شكوي.. صاروا يتطوعون بشهامة لاسعاف المصابين. ياله من فضل عظيم لشباب مصر.. جدير بمصر.. وبشعب مصر.