إن أولويات سياسات القطن يجب أن تركز علي مفهوم قومي لدعم الميزان التجاري وزيادة الصادرات وكسب أسواق جديدة جاء قرار مجلس الوزراء في اجتماعه الاخير الاسبوع الماضي بالسماح باستيراد الاقطان هذا العام بمثابة الصدمة الكهربائية لقلب الحكومة الذي كاد أن يتوقف بسبب قرار وزير الزراعة د. صلاح هلال بحظر استيراد الاقطان والذي قوبل باعتراضات شديدة من داخل الحكومة نفسها حيث وصفه وزير الصناعة والتجارة منير فخري عبد النور بأنه قرار جائر وظالم ويهدد مستقبل الصناعة الوطنية.. فلقد تلاحقت الاحداث في دنيا الصناعة وعالم رجال الاعمال والمستثمرين وتتجاوز قدرة العقل علي الاستيعاب فضلا عن التصديق بالامر الذي يصيب المرء بخليط من الدهشة والذهول ويسرب إليه شعورا قويا بالجزع والخوف من المستقبل. فلقد جاء قرار وزير الزراعة بدون التنسيق بين الاطراف المعنية ويخالف قواعد التجارة الداخلية والخارجية ويؤثر علي الاستثمارات. السؤال الذي يتبادر إلي الذهن ماذا يعني ذلك كله؟ انه غياب التنسيق الحكومي وإن قل.. ورغم اقتناعي بوجهات النظر للمعترضين الا انه كان يجب ان يوضع في الاعتبار الصالح العام والحفاظ علي الميزات النسبية لصناعة الغزل والنسيج حيث كان محمد علي باشا اول من ادخل زراعة القطن إلي مصر في النصف الاول من القرن ال19 وبدأت صناعة الاقطان عام 1916 وكانت مصر من الدول المصدرة للقطن طويل التيلة ولها سمعة عالمية. حيث كان يكتب EGPTIAN COTTON علي اية اقمشة او ملبوسات في الدول الاوروبية وامريكا وهذا كان بمثابة علامة الجودة والتميز في كل دول العالم وشهادة موثوق بها لاتقبل الجدل او النقاش. لقد قامت في مصر قلاع صناعية ضخمة اعتماد ا علي القطن المصري لتعظيم القيمة المضافة وتصديره مصنعا بدلا من الخام واخذت شركات مثل المحلة الكبري وكفر الدوار وحلوان وكابو والكثير من المصانع العاملة في صناعة الغزل والنسيج والملابس الجاهزة شهرة عالمية وكانت افضل دعاية للصناعة الوطنية في الاسواق الدولية. ومع صدور قرار فتح استيراد الاقطان الاجنبية في التسعينيات خاصة قطن البيما الأمريكية تراجع اعتماد مصانعنا علي القطن المصري نظرا لأن الحكومة الأمريكية وضعت في استراتيجيتها منذ اوائل الستينيات ان تتحول مصر إلي دولة مستوردة للقطن مثل القمح.. وقامت الحكومة الامريكية بدعم مزارعيها مما جعل القطن يقل سعره عن القطن المصري بحوالي 35٪ وانصرف فلاحونا عن زراعة القطن الي زراعة الكانتلوب والفراولة واللب وشاعت بين المزارعين مقولة «ملعون أبو سجرته» طبعا هنا يقصدون القطن المصري وتحولت زراعته من التسويق إلي التخزين وبهذا اصبح قطننا لا يجد من يشتريه. من الملاحظات المهمة في هذا الصدد ان قرار مجلس الوزراء صحح الامور ويجب التوسع في زراعة الأقطان فائقة الطول بالتوازي مع خطة الصناعة الوطنية للاعتماد علي تصنيع الملابس القطنية الراقية المخصصة للتصدير مع مراعاة أن تكون زراعة القطن بنظام التعاقدمع المزارعين أي ضمان التسويق قبل الزراعة وفي نفس الوقت فانه لابد من وضع استراتيجية بعيدة المدي لعودة اعتماد مصانعنا علي الاقطان قصيرة ومتوسطة التيلة مع اتخاذ اجراءات وقائية لمواجهة الدعم الذي تقدمه الحكومة الأمريكية الذي يرقي الي مرتبة سياسات الاغراق في حالة تصدير القطن الامريكي لمصر. المطلوب التنسيق بين الوزارات وفك الاشتباكات تحقيقا للصالح العام وحماية للمستقبل.. اللهم بلغت اللهم فاشهد.