هو قيمة غالية وقامة عالية في بلادنا.. وهو استاذ الاساتذة حقا وصدقا.. فهو رئيس مجمع اللغة العربية المعروف بمجمع الخالدين.. كما انه رئيس المجمع العلمي المصري في آن واحد.. ولم يسبقه في هذا الشرف الرفيع المزدوج الا الدكتور طه حسين.. ان هذا العظيم الذي يتسنم الان صهوتي القمتين معا قمة العلم وقمة اللغة يعكس بديهية غابت عنا من فرط بساطتها.. فلا علم بغير لغة مضبوطة تترجم عن اكتشافاته.. وتوجز في بلاغة محسوبة القوانين الناشئة عن نظرياته والقواعد الحاكمة لتطبيقاته.. كما انه لا لغة بغير علم ضابط لنحوها وصرفها وتقنيات اسلوبها وطرائق تعبيرها. ان العلم واللغة وجهان لعملة واحدة هي عملة الوعي الانساني التي تتداولها العقول والوجدانات ايضا. إن سيرة استاذ الاساتذة الدكتور محمود حافظ شيخ المجمعين هي اختزال بليغ لمسيرة النبوغ في وطننا الحبيب علي مدار ما يقترب من قرن من الزمان.. فلقد تخرج في كلية العلوم جامعة القاهرة عام 5391 حيث كانت تسمي حينذاك جامعة فؤاد الاول.. وعين معيدا بها حيث حصل علي درجة الماجستير فدرجة الدكتوراه في علوم الحشرات عام 0491 فكان أول مصري يحصل علي هذه الدرجة العلمية من جامعة القاهرة وبعد ذلك واصل ابحاثه في مجال تخصصه في انجلترا لسنوات طويلة.. وفي عام 3591 اصبح استاذا لكراسي علم الحشرات ورئيسا للقسم.. ثم وكيلا للكلية فوكيلا للمجلس الاعلي للبحث العلمي.. فوكيلا لوزارة البحث العلمي حتي عام 7691 حيث عاد الي كليته ليستأنف ابحاثه. ويقود اكبر مدرسة علمية في تخصصه في العالم العربي.. لتفرز هذه المدرسة - كخلية النحل التي لا تكف عن صنع العسل- اشهر الاساتذة من المتخصصين في علوم الحشرات وتطبيقاتها. ولقد الف الدكتور محمود حافظ وترجم وراجع اكثر من عشرين كتابا.. كما كتب الجزء الخاص بالحشرات في موسوعة »فرانكين«.. بالاضافة الي انه اسهم في ترجمة العديد من المراجع والمعاجم العلمية العالمية.. فضلا عن انه انشأ متحفا يضم اكثر من سبعين الف عينة مختارة بدقة بالغة.. والكثير من تلك العينات جديد علي العلم. ولقد شغل استاذنا الجليل رئاسة الاكاديمية المصرية للعلوم.. والاتحاد العلمي المصري.. والجمعية المصرية لعلوم الحشرات.. واللجنة القومية للعلوم البيولوجية.. ولتاريخ الفلسفة والعلوم. أما علي المستوي الدولي فهو يتمتع بعضوية العديد والمهم من الاكاديميات.. ناهيك عن كونه عضوا فخريا من بين عشرة علي مستوي العالم- في مجلس المؤتمر الدولي لعلوم الحشرات في كل من الصين وروسيا. ولقد حصل استاذنا الجليل علي جائزة الدولة التقديرية عام 7791 وجائزة مبارك عام 9991.. كما حصل علي وسام الاستحقاق من الطبقة الاولي وكذلك وسام العلوم والفنون من الدرجة الاولي ايضا. ونحن نتطلع الي ان تهديه الدولة أعلي أوسمتها قاطبة وقد احتفل منذ ايام قليلة ببلوغه عيده المئوي- مد الله لنا في عمره وأفاض عليه من عنده بتمام الصحة والعافية جزاء وفاقا لما قدمه لوطنه وللبشرية جمعاء من جهد انساني خارق جعله يتبوأ كل هذه المراكز العلمية السابقة الذكر بفضل كفاح شخصي وعزيمة لا تلين ومثابرة اسطورية علي مدار خمسة وسبعين عاما أو يزيد.. كلها جد واجتهاد وطموح فذ دفعه لان يصل الليل بالنهار درسا وبحثا.. ومازلت اذكر ما حكاه لي بعدما حصل علي درجة الدكتوراه عندما وجد احد زملائه ان مكتبه مضاء ليلا وهو ساهر يعكف علي ابحاثه فاستغرب الامر وسأله أو لم تحصل علي الدرجة العلمية المبتغاة ففيم التعب اذن؟! فأجابه استاذنا بأن الحصول علي تلك الدرجة يمثل البداية -مجرد البداية- التي تؤهله للانطلاق في ابحاثه وحده معتمدا علي كفاءته الذاتية.. وهذا درس بليغ لمن يعتقدون ان الحصول علي درجة الدكتوراه أو حتي درجة الاستاذية العلمية بمثابة الايذان بانهاء العلاقة مع انبوبة الاختبار. والجلوس المسترخي علي اريكة الادارة وحصد المكاسب الثانوية.. اذ ان المكسب الحقيقي والعظيم كما يقول لنا تاريخ استاذنا الحافل هو ما يقدمه العلم من خلال رهبانه المتبتلين في محرابه للناس.. فإن خير الناس انفعهم للناس وانفع الناس اعلمهم. إننا ونحن نهنئ استاذ الاساتذة وشيخ المجمعين بعيده المئوي.. نسأل المولي عز وجل ان يطيل لنا في عمره المبارك.. وأن يهبه من لدنه الوافر من الصحة والوافي من العافية حتي يواصل مدنا بالضوء والعبقرية في تواضع جم لا يعرفه إلا عظماء المصريين.