برعنا كثيرا في فنون الشحاتة ومن يتابع الشارع يري بعين رأسه استحداث وابداع دائم لطرق شحاتة تبهر وتنطلي علي الإنسان العادي تدفعه ليمد يده إلي جيبه دون تفكير. وأميل دائما لتصنيف ذلك كأحد الفنون الشعبية الأسرع إبداعا وإمتاعا بكوميدياتها السوداء. هذا الفن يزداد ويزدهر كما يؤكد علماء الاجتماع عقب الثورات ويذكرون ثورة أوربا وأمريكا علي الإقطاع وبداية المجتمع الصناعي وازدياد عدد الفقراء مما دفعهم سريعا لبناء مؤسسات تعمل علي مساعدة الفقراء لإيجاد مصدر رزق وليس مساعدتهم ماليا.. لكن ذلك الإجراء وقف أمام ازدهار فن الشحاتة هناك وبات في أضيق الحدود وانفردنا به..! ومن صور التجديد والإبداع اندثار صورة الشحات التقليدي الجالس علي قارعة الطريق عاصب إحدي عينيه ممسكا بعصا يتسند عليها وهو ما اعتاد رسامو الكاريكاتور تصويره في رسوماتهم. فشحات اليوم أكثر تطورا تجده غالبا صاحب عمل ويزاول الشحاتة، مثلا تراه في زي الكناسين عبر الميادين والشوارع الرئيسية أو حتي الجانبية، يعني عملين في وقت واحد ويتميز بأنه خفيف الحركة يقترب سريعا منك حين تتوقف بسيارتك ويدخل رأسه من شباك السيارة مرددا بجوار أذنيك كل عام وأنت طيب. وفي مترو الأنفاق تتجلي الشحاتة، تجد سيدة تحمل طفلا مصابا بالمرض الخبيث وتردد دعاء مليئا بالتخويف»إلهي ما تشوفوه في أولادكم».. وتجد «الشحاتة الصامتة» في منقبة توزع أوراقاً علي الركاب، ومن تدور بأكياس مناديل.. ومن يدور بالسواك الإسلامي.. وطفلة علي رصيف المحطة منكفئة ومنهمكة في كتابة الواجب المدرسي.. وتستوقفك امرأة شديدة الأناقة تطلب مساعدة، وعلي الأبواب شهر «رمضان» وهو كرنفال إبداعي تشارك فيه الجمعيات الخيرية بالشحاتة عبر الفضائيات ومواقع التواصل مستخدمة مواد فيلمية صادمة. إنها فنون شحاتة.