يبدو واضحا ومؤكدا تماما ان استئناف ميتشيل لجولاته العبثية وقرار زيارة نائب الرئيس الامريكي بايدن لاسرائيل ولفلسطين وبعض دول المنطقة العربية قد جاء كرد فعل ايجابي من جانب واشنطن علي مبادرة مجلس الجامعة العربية بقبول بدء التفاوض غير المباشر بين الاسرائيليين والفلسطينيين يستهدف القرار ظاهريا الخروج من مأزق رفض رام الله وكل القوي السياسية الفلسطينية استئناف المفاوضات المباشرة التي ثبت أنها غير مجدية ومضيعة للوقت وهو ما يصب في النهاية لصالح الاحتلال والقائم علي التوسع والاستيطان. ولا يمكن ان يخفي علي أحد أنه كان وراء هذا القبول العربي بالمفاوضات غير المباشرة ضغوط أمريكية خاصة بعد أن تبين عجز العرب وعدم قدرتهم ومعهم المسلمون علي دفع واشنطن إلي تبنيها لسياسة محايدة وعادلة لحل مشكلة السلام في الشرق الاوسط. لقد غلفت ادارة أوباما هذه الضغوط بشعار المحاولة الاخيرة لدفع عملية السلام المتعثرة. ولقد استهدفت استجابة نتنياهو لهذا التحرك الامريكي والترحيب به من اجل التطلع لتحسين صورة اسرائيل التي اهتزت بقوة بعد حرب غزة. كان وراء ذلك أيضا ادراكه بأن الرأي العام العالمي قد اكتشف عدوانية اسرائيل القائمة علي العنصرية والعداء لحقوق الانسان وعدم الرغبة في المضي نحو التسوية السلمية لمشكلة احتلالها للاراضي الفلسطينية والعربية. إنه يسعي من وراء هذا التجاوب ايضا إلي تحميس وتشجيع الولاياتالمتحدة والعالم علي اتخاذ موقف أكثر صلابة وحسما من الملف النووي الايراني الذي تراه اسرائيل خطراً علي أمنها ووسيلة لانهاء تفردها بأسلحة الردع النووي في منطقة الشرق الاوسط لارهاب دولها وابتزازها. علي ضوء هذه التطورات والمستجدات فإنه يمكن توصيف الموافقة العربية علي بدء المفاوضات غير المباشرة بين الفلسطينيين والاسرائيليين بأنه خدمة للادارة الامريكية التي تحاول بدون أي فاعلية او جدية الدخول في صلب ازمة السلام في الشرق الاوسط . لقد ثبت يقينا حرص هذه الإدارة علي التحيز لوجهة النظر الاسرائيلية ودون اي اعتبار للحقوق المشروعة العربية او للمصالح الامريكية في المنطقة العربية وهو ما عبر عنه مبعوثها ميتشيل اكثر من مرة. وقد أكدت الاحداث علي مدي سنوات حكم الرئيس السابق بوش العميل الاول لنفوذ اسرائيل واستسلام أوباما من بعده لضغوطها أن الهدف الأول للاستراتيجية الامريكية هو خدمة العدائية الاسرائيلية واعطاؤها الفرصة لفرض الأمر الواقع بالنسبة لعمليات ابتلاع الارض الفلسطينية والعربية ثم المساومة بعد ذلك علي الفتات. وحتي الان فإن الولاياتالمتحدة لم تتخذ موقفا واحدا يدعم ويساند اقتراحها بإنشاء الدولتين والتي تشير الدلائل الي ان الامور تسير للاتجاه نحو تقليص الوجود الفلسطيني بما يجعل اي خطوة علي طريق حل الدولتين بلا معني. يتمثل ذلك في سلبية المواقف الامريكية بالنسبة للخطط الاسرائيلية الرامية لتكثيف الاستيطان والتوسع وهدم المنازل الفلسطينية. ان الضمان الوحيد لجدية التحرك الامريكي نحو السلام بعيدا عن الخداع وتضييع الوقت لابد أن يبدأ بإعلان اسرائيل قبولها لقرارات الشرعية الدولية التي طالبتها مرارا بالانسحاب الي حدود 76 واعتبار- الاتفاق علي هذه النقطة- بمثابة تحديد لحدود الدولة الفلسطينية وفقا للمقترح الامريكي. إذا استطاعت واشنطن التوصل الي التزام حاسم تجاه هذه القضية خلال الشهور الاربعة التي تضمنتها موافقة الدول العربية كفترة لاختبار جدية المفاوضات غير المباشرة فإنها تكون بذلك قد نفت عن نفسها تهمة مشاركة اسرائيل في عدوانها علي الامة العربية. تحقيق هذه النتيجة يعني وقف الاستيطان وإنهاء خطة تمزيق الارض الفلسطينية لمنع قيام الدولة المستقلة القابلة للحياة. إن الموافقة العربية علي المفاوضات غير المباشرة وتحديد مهلة زمنية لتبيان أهدافها ومساراتها تدفعنا إلي التساؤل عما اذا كان هذا الموقف الذي جاء علي هوي نتنياهو قد استند إلي وجود ضمانات امريكية حقيقية بإمكانية توصيل هذه المفاوضات الي واقع ملموس لصالح القضية الفلسطينية. الحقيقة ومن منطلق ما سبق من تجارب مريرة فإننا لا نملك سوي الشك وعدم الثقة في كل ما يجري وما سوف يحدث مستقبلاً. الدليل علي ذلك ما جاء في تصريحات بعض المصادر الامريكية عن عدم كفاية مهلة الأربعة شهور لتحقيق التقدم المنشود. يكفي أن أقول أن أهم هذه الضمانات المطلوبة هو التأكيد علي عدم استخدام الفيتو ضد أي قرار يتقدم به العرب لمجلس الامن يقضي بقيام الدولة الفلسطينية علي حدود 76؟ مرة أخري أقول إنه لا سبيل لدفع عملية السلام العادل سوي وحدة وتضامن العرب وتخلي بعض الدول العربية عن أجندة خدمة المصالح غير العربية. جلال دويدار [email protected]