حاولت بقدر طاقتي أن أتجرع كئوس التفاؤل التي تحيط بكل زيارة يقوم بها مسئول أمريكي أو مفوض الرباعية الدولية أو غيره من المسئولين للمنطقة وتحديدا عندما يقوم بزيارة لتل أبيب او القدس ورام الله وتزايدت جرعة التفاؤل قبيل زيارة جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي لكل من إسرائيل والضفة الغربية والأردن وكان المفروض أن يزور مصر لولا وجود السيد الرئيس في هايدلبرج للعلاج.. شافاه الله وعافاه وأعاده سالما لوطنه وتمت الزيارة وهي أعلي زيارة يقوم بها مسئول أمريكي للمنطقة منذ تولي باراك أوباما في جو قاتم ساده التوتر والاحراج عندما أصدرت إحدي الوحدات المحلية التابعة لوزارة الداخلية قرارا بالتصريح ببناء1600 وحدة سكنية في مستوطنة رمات شلومو في القدسالشرقية وذلك غداة قرار بناء112 مسكنا في مستوطنة بيتار إيل في الضفة الغربية قرب بيت لحم جنوبالقدس, مما أثار حفيظة بنيامين نيتانياهو, لأن القرار تسبب في إحراج نائب الرئيس الأمريكي, ودفعه الي إدانة هذا القرار بمعني أن الاعتراض ليس علي القرار وإنما توقيته. فإذا ما دعمنا هذا الموقف, بما صرح به نيتانياهو في مراسم زرع شجرة رمزية في التكتلات الاستيطانية اليهودية في الضفة الغربيةالمحتلة في24 يناير الماضي, وتصريحه بأن إسرائيل لن تترك هذه المناطق أبدا, وأن هذه المستوطنات جزء لايتجزأ من دولة إسرائيل الي الابد. وعندما نعززه بإخضاع الحرم الإبراهيمي بالخليل, ومسجد بلال بن رباح والذي يطلقون عليه قبر رحيل قرب مدينة بيت لحم وأسوار القدس القديمة لقائمة الآثار الإسرائيلية. ولو أيدناه بما أبلغه جورج ميتشيل لكل من بينيامين نيتانياهو ومحمود عباس وممثلي الاممالمتحدة والاتحاد الأوروبي, بأن تفاهمات عباس وأولمرت, والتي جاءت كنتيجة لاجتماع أنابوليس, وأسفرت عن الوصول الي تفاهمات بالانسحاب الإسرائيلي من96% من الضفة الغربية وتعويض الفلسطينيين بأراض بديلة بنسبة6% وعودة رمزية لخمسة الاف لاجيء فلسطيني, وإسناد مهمة ادارة الأماكن المقدسة في القدسالمحتلة والحوض المقدس لهيئات دولية.. لتأكد لنا ان بدء المحادثات غير المباشرة في هذه المرحلة يحمل قدرا كبيرا من المجازفة بل والتنازل. وأتساءل لماذا قبلت لجنة متابعة تنفيذ اتفاقية السلام العربية في اجتماعها بالجامعة العربية في غضون الايام القليلة الماضية الموافقة علي استئناف المحادثات غير المباشرة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي عبر جورج ميتشيل, واستنادا لقرار نيتانياهو بالوقوف المؤقت لبناء المستوطنات لمدة عشرة شهور, مع استثناء القدس من هذا القرار. وهل استند هذا القرار علي فرضية إعطاء المجال لجو بايدن خلال زيارته للمنطقة من ممارسة دور إيجابي في تحريك عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية ؟ فإن كان الرد بالإيجاب, فإن الشواهد تدل علي ان ما ركز عليه بايدن خلال زيارته لإسرائيل هو طمأن اسرائيل علي أمنها من خطر إيران, بهدف تحجيمها علي اتخاذ تصرف متهور ضدها, مما قد يورط الولاياتالمتحدة في مواجهة غير مرغوبة مع الدولة الفارسية. وجل ما صرح به بايدن حول قضية السلام, أن علي إسرائيل والفلسطينيين تقديم بعض الالتزامات التاريخية الجريئة عبر المحادثات غير المباشرة, للعبور نحو محادثات مباشرة لتحقيق سلام شامل في الشرق الأوسط مع الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين بما يؤدي لعلاقات كاملة, وتطبيع مع كل العالم العربي.. وأتساءل ماهي الالتزامات التاريخية الجريئة التي يمكن ان يقدمها الفلسطينيون أكثر مما قدموا ؟!! واعود إلي السؤال الذي بدأت به مقالي وهو: هل الفلسطينيون مهيأون للتفاوض مع الجانب الإسرائيلي؟ وقناعتي الذاتية ان الرد هو لا.. لأسباب عديدة اهمها مايلي: 1 أن التفاوض هو المرحلة التالية للمواجهة بين طرفين, وأن قواعد التفاوض تعتمد كما تعلمناها في أدبيات العلوم الإستراتيجية علي ما تحقق علي أرض المواجهة او المعركة, وأن الاتفاق التفاوضي هو ترجمة لواقع الحال علي الأرض, وليس تجاوزا عنه الا في حدود مايحقق مكاسب اخري للطرف المنتصر. 2 أن الجانب المنتصر يمكنه ان يفرض إتفاقية إذعانية علي الطرف المهزوم, الا ان هذا الاتفاق مهدد بإمكان تغييره اذا ماتغيرت ارادة الخصم كما ان قواعد التفاوض تعتمد علي اعداد استراتيجية مدروسة ومدققة لإستراتيجية التفاوض, تحدد في الاساس الخط التفاوضي, والتوقعات لما سيطرحه الخصم المفاوض, وكيف يمكن مواجهته وتلافي آثاره السلبية... والقاعدة الذهبية في هذه الاستراتيجية, انها لايمكن ان تستند علي خاصية التلاعب بالألفاظ, بل بقبول مايمكن الالتزام به, او طرح بديل مقبول او رفضه حتي لو ادي الامر الي ايقاف المفاوضات وفشلها لان الالتزام الدولي خاصة المتعلق بالأمن او السيادة للدول, امر لايمكن التلاعب بشأنه. 3 أن المواجهة بين الطرفين تكون بتقديم الدفوع الملزمة او القبول بالحلول الوسط, او بفرض الحلول الاذعانية إضافة الي ذلك أن القاعدة الأساسية عند الدخول في المفاوضات انه يجب تحديد الحد الأقصي لما يمكن تقديمه من تنازلات, بعد التقويم الصحيح والموضوعي لموقف الخصم. 4 وأخيرا, فيلزم تهيئة الظروف السياسية الإقليمية او الدولية او النوعية المساندة لموقف الجانب الذي يستشعر ضعف موقفه, والا فيلزم ان يحجم عن الدخول في المفاوضات, حتي لايلتزم بتنازلات سوف تحمل عبئها الأجيال القادمة خاصة في مسائل السيادة. وبناء علي ماسبق, فإنني أتساءل: ماهي أوراق التفاوض التي سيدخل بها الجانب الفلسطيني مفاوضاته مع الجانب الإسرائيلي؟ وما هي استراتيجية التفاوض التي حددها ؟ وما هي مواقف القوة التي سيقدمها للجانب الإسرائيلي خلافا لورقة التطبيع العربية, والتي يمكن لإسرائيل تجاوزها إذا مافشلت المفاوضات؟ وماهي حدود التنازلات التي سيقدمها: وهل سيقبل مثلا تقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية المعادة؟ أو حرمان الدولة الفلسطينية من حقها في التسلح والسيطرة علي أجوائها وبحارها؟ وفرض السياسة الدفاعية الإسرائيلية علي فلسطين, والسماح بانتهاك أراضيها وأجوائها وبحارها؟ وهل ستقبل فلسطين عودة عرب48 من إسرائيل لفلسطين بزعم يهودية الدولة, وإلزامها كذلك بقبول اللاجئين الفلسطينيين في الدياسبورا أو الشتات إلي الضفة الغربية وغزة ليزداد التكدس السكاني والفقر المذعن الفلسطيني؟ فإن كان الجواب بالإيجاب فلندخل المفاوضات مع إسرائيل, لأن إسرائيل لن تقدم للفلسطينيين سوي هذه الاطروحات ولو أن الجواب بالنفي فعلي الفلسطينيين أن يحيوا من جديد منظمة التحرير الفلسطينية لتضم كافة الفصائل الفلسطينية بمن فيهم فلسطينيون الشتات باعتبارها الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني, وبدء منهاج المقاومة لتصحيح الوضع التفاوضي, وما أعنيه بالمقاومة هنا يشمل: المقاومة السياسية, والإعلامية, والدولية, والقانونية, وغيرها.. والمقاومة المشروعة دوليا ضد المحتل الإسرائيلي, واللجوء للمنظمات الدولية لإلزام إسرائيل بالقيام بما يلزمها به القانون والأعراف الدولية, وتحويل قضية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين كقضية دولية. والهدف هو إشعار إسرائيل بالضغط عليها بأسلوب إيجابي مدروس, لإقناعها بتقديم تنازلات لدولة فلسطين. المزيد من مقالات محمود شكري