اصبح واضحا وجليا ان الجريمة الارهابية البشعة التي وقعت لكنيسة القديسين ليلة رأس السنة لم تستهدف في جوهرها الاخوة المسيحيين وانما كان هدفها استقرار وأمن مصر التي هي وطن كل المصريين. المتآمرون الموتورون القتلة المجرمون الذين دبروا ونفذوا لا يمكن بأي حال أن يكونوا مصريين ولا مسلمين ولا تابعين لأي دين آخر. إنهم خوارج علي كل الأديان وأعداء للإنسانية باعتبار أن ما قاموا به يتنافي تماماً مع الضمير الانساني وكل المبادئ والقيم الدينية والأخلاقية. ليس خافياً علي أحد أن هذه الفئة المارقة الغريبة علينا مريضة.. استطاع المتربصون بمصر وشعب مصر تجنيد افرادها ليكونوا من العملاء الأعداء الذين يسعون إلي التخريب والدمار. مثل هؤلاء لا علاقة لهم بالمبادئ والمعتقدات وإنما يتم استئجارهم بحفنة من الدولارات وعمليات غسيل المخ القذرة والقائمة علي الكذب والضلال. إن وحدة الامة هي الوسيلة الناجعة للتصدي لهذا الإجرام الآثم والتابعين لشروره والذين يعيشون في ظلمة الجاهلية وفي كنف الكراهية والمتنكرين للتطور الانساني.. هذه الوحدة هي السلاح الفعال للقضاء علي روح التآمر وإفشال مخططات القتل والتخريب. من الطبيعي أن تدرك كل طوائف الشعب أن بُغية الذين يقفون وراء هذا العمل الخسيس هو زرع الفتنة أملاً في أن تؤدي إلي موجة من القلاقل وعدم الثقة. إن هدفهم شغل الشعب - كل الشعب.. بقضايا صراعية وجدلية تستغرق حياته وجهده وتقضي علي استقرار بلده.. بما يقود إلي تعطيل متطلبات التقدم لإرساء الحياة الكريمة المرجوة للجميع وبلا استثناء. إن بداية النجاح في إجهاض هذا المخطط الإجرامي هو التمسك بالحكمة والحنكة والفهم المتعمق لمجريات الأمور وكلها صفات تجلت في معالجة المواطن المصري البابا شنودة الثالث بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية.. لتداعيات الكارثة التي أدمت قلوب كل المصريين بلا استثناء وحركت فيهم الشعور بإخوة الوطن والمصير.. لقد كان علي قمة الشعور بالمسئولية الوطنية في تعامله مع الأزمة منذ اللحظات الأولي. تجسد ذلك في اختياره للأنبا باخميوس مطران البحيرة الذي يتسم اداؤه بالعقلانية والإدراك الوطني.. لمباشرة ومتابعة التطورات وتهدئة النفوس الغاضبة من هول الجريمة وخسائرها البشرية التي هي خسارة لكل مصر. وجاءت خطوات البابا شنودة بعد ذلك انعكاساً لوطنيته وحرصه علي أمن واستقرار هذا البلد بإعلانه القيام بإقامة صلاة عيد الميلاد ليلة الخميس المقبل والذي هو عيد لكل المصريين أقباطاً ومسلمين رافضاً الخضوع لإرادة الإرهاب الأسود الذي يتربص بمصر وبكل أبنائها. ولا يفوتني في هذه المناسبة الإشادة بالسلوك الوطني الحضاري الذي هز المشاعر وشهدته المدارس المصرية عندما ردد تلاميذها في طابور الصباح هتافات وكلمات نشيدنا الوطني. أن ما جري ما هو إلا تعبير أصيل حقيقي وإيمان بالوحدة الوطنية جوهر ومحور الحضارة المصرية. لقد هزت هذه الصورة وجدان كل مصري وهو الأمر الذي يتطلب استمرارها - حتي بدون كوارث - لتعميق هذا الإحساس الانتمائي عند كل مصري تأكيداً للترابط والأخوة والمواطنة المصرية. من ناحية أخري فلاشك ان حالة الاحتقان التي تسود اوساط المجتمع مسئول عنها افراد بعينهم لا يبالون بالمصلحة الوطنية. لقد اضافت بعدا جديدا كان وراء ردود الفعل الغاضبة المتمثلة في المظاهرات التي خرج بعضها عن حدود النظام والقانون. من المؤكد أن الذي حدث لابد أن يكون فتحاً لمرحلة جديدة من الانفتاح المواطني لازالة كل الحساسيات المعلنة وغير المعلنة وبالتالي كل مظاهرها.. لابد ان يتم ذلك علي أساس من اخوة الوطن والمصير. لا جدال أن ترسيخ مبادئ المصارحة الصادقة المجافية للنفاق والرياء والتزيد.. هي وسيلتنا للخروج من عباءة ضرب وحدتنا التي هي أساس قوتنا التي نحتاجها لمقاومة كل محاولات التآمر علي أمتنا واستقرارنا ومستقبلنا.