في هذه المرة لم يناد المصريون ويهتفون »للهلال مع الصليب« كما جرت العادة في الماضي، ولكنهم في هذه المرة وبعد حادث كنيسة القديسين، طوروا نفس تلك الفكرة العبقرية وزادوها قوة وصلابة وعزما، وذلك بأن حملوا المصاحف في يد، والأناجيل في اليد الأخري، وأيضا دون أن ينسوا، في الوقت ذاته، أن يرفعوا شعارهم التاريخي التليد الذي يتعانق فيه الهلال مع الصليب.. هذا الشعار الذي صمدوا به أمام بريطانيا العظمي وخرجوا به أقوي من قوي الاستعمار التي كانت ترزح فوق صدور الجميع! أي مجتمع هذا، وأي شعب حكيم ذلك الذي لاتجرفه الانفعالات أبدا، ولكنه في كل مرة يتعرض خلالها إلي خطر داهم يهدد وحدته وكيانه فإنه دائما ما يلوذ بمعدنه الحقيقي وتراثه الحضاري الكامن في أعماق كل واحد فينا، سواء كان ينتمي لهذا الدين أو ذاك، أو هذه العقيدة أو تلك، أو هذا الحزب أو الآخر.. أو حتي هذه الطبقة الاجتماعية أو نقيضها التام! صحيح ان البعض خرجوا فور الانفجار الوضيع، وانفعلوا في الاتجاه الخاطئ، ولكن هذا الاندفاع الانفعالي والعصابي لم يدم أكثر من برهة واهية من الزمن عادت بعدها الأصالة، والمعدن الحقيقي الذي هو سر أسرار هذا الشعب، وهذه الدولة العريقة التي لا تكف أبدا عن مفاجأة العدو والصديق بردود أفعال لا يتوقعها أبدا أكثر المراقبين تفاؤلا، وإيمانا بالحضارة والرقي الإنساني! كل هذا حدث بالأمس الأول أمام أعيننا جميعا بدون إرشاد أو توجيه، وفي لحظة خاطفة من الزمن تؤكد عمق وأصالة ردود الأفعال الجماعية لهذا الشعب العظيم.. وإن كان هذا قد خيب ظنون من خططوا، ومن نفذوا هذا العمل »الخائب«، فإن ردود الأفعال الشعبية والجماهيرية عندنا وبيننا لابد أن تزيدنا ثقة وصلابة، وإصرارا علي المضي في الطريق الذي اخترناه، والذي يبدو بوضوح شديد أنه يتعارض تماما مع اختيارات الأقزام والأفاعي.. وما أكثرهم حولنا من جميع الاتجاهات!