[email protected] أجل يضيق الصدر وينعقد اللسان امام هذا الخطب وكل خطب مثله، ولا تقل ان ما دفعه إلي أتون الخيانة هو الحاجة وضيق ذات اليد أو هذا الانفصام المفاجيء في تركيبة المجتمع المصري، أو ذلك الضياع الذي يعيشه جلُّ الشباب من الحلم حتي الواقع الاليم، لا تحاول ان تأخذني بعيداً عن حقيقة الملايين من الشباب الذين يتعرضون بشكل أو آخر لظروف مشابهة، خاصة بعد ان يصل بهم قطار التعليم المتردي الهزيل إلي محطته الاخيرة، ليجدوا أنفسهم أمام مهزلة مبكية وتحت ضغط فراغ مروع قد يدفع بهم الي طرق ليس لها آخر من الانحراف أو التطرف. ودعني اسرد لك كثيراً من الانتصارات المنفردة والجماعية لشباب عاش هذا الواقع ولكنه انتصر في معركته مع الحياة، ومع كل عوامل الاحباط التي تحيطه من كل جانب، لقد خدعتهم الأماني والاحداث المتلاحقة التي غيرت من قواعد لعبة لقمة العيش وتم حسمها لصالح عدد محدود خلق طبقة تحتاج بالفعل إلي اعادة تشكيل وتهذيب، لكن هؤلاء الشباب لم يتسرب اليأس إلي صدورهم لحظة وبدأوا حياتهم غير ناظرين إلي هذه الطبقة التي فرض ثقافتها من البذخ والترف والاسراف إعلام موال لهم تماماً، وربما يملكونه وأدوات أخري تروج لعصرهم المستفز المليء بمغريات فوق طاقة هؤلاء الشباب الذي يبدأ من القاع صفر اليدين، نعم تغلب جمع كبير من شبابنا المكافح علي هذه المحن والمفارقات وتحولت مشروعاتهم الصغيرة إلي مثل أعلي يحتذي لكل من يريد العيش بشرف، كانوا يبيعون الكثير ويربحون القليل، فيجتمع لهم رأس مال جديد ليبدأوا خطوات أوسع، هؤلاء لم يفكر أحد منهم في لحظة اليأس ان يبيع وطنه برغم العوامل الكثيرة التي قد تجبر ضعاف النفوس علي الاندفاع في الطرق المحرمة لجني المال وأبشعها خيانة الوطن. إنني أريد لهذا الذي يقول عن نفسه أنه رئيس الجالية المصرية بإسرائيل أن يعلم أنه وغيره ممن خلبت البابهم المريضة تلك الاغراءات الكثيرة واجتذبتهم إلي أحضان إسرائيل المزعومة ليعلم أن شباب مصر لايزالون بخير، يقاسون الحياة ويصرون علي تحصيل العلم في الزحام ويتنقلون في المواصلات العامة في الزحام، ويقتسمون خبزهم وأهلهم ايضاً في الزحام، ولكن قلوبهم مليئة بالأحلام الواسعة المحلقة، ونبضهم مهما قست عليهم ظروف الواقع وشظف العيش، ينبض بحب وطنهم الذي هيأ لهم الحياة وشربوا من نيله الطاهر وتنفسوا هواءه، وتمددوا تحت ظلال أشجاره، ان ملايين الشباب الذين يحملون في دمائهم حب الوطن، ومعاني الايمان ونبل الاخلاق، لايزالون يبحثون عن حل لقضيتهم هنا في مصر، في الجامعة أو الشارع أو المصنع أو أي مكان ليس فيه ظلمات الخيانة، وضباب الخداع، هنا في مصر أري الشباب علي عهده مهما صادفه من عذابات وصعاب يأوي إلي أحضان بلده، حتي ولو أخذته غربة بعيدة أو انتزعته الأيام من بين اهله عنوة ولطمته امواج البحار الهادرة، يعود.. نعم يعود يوماً حاملاً نتاج هذه التجارب الأليمة ليقدمها للأجيال القادمة من أولاده وأولاد وطنه، هي طبيعة المصري الذي خرج يوماً يسعي إلي لقمة العيش بعيداً عن وطنه، لايدخر ماله إلا في وطنه لأنه يعلم أنه سيعود حتماً إليه. انني برغم كل الآلام التي يعيشها الشباب، وهذه المحن المتواصلة، متأكد من ان شباب مصر ليس بهذه الشكل الذي يحاول أن يسوقه إلي عقولنا شاذ يعيش في إسرائيل وشاذ آخر يخون في السر فأوقعه شر عمله في أيدي أبناء مصر الذين يحرسون شرفها، ومهما جري من احداث ومهما عصفت بأيامهم صروف الدهر القاتمة. كاتب المقال : استاذ الطب بجامعة الازهر، عضو اتحاد كتاب مصر