قطع المياه لمدة 6 ساعات عن بعض مناطق الجيزة، الجمعة    غارة إسرائيلية تستهدف أطراف بلدة "البازورية" جنوبي لبنان    الدوري المصري، بتروجت يتقدم على دجلة بهدف في الشوط الأول    ذا أثليتك: الدوري الأمريكي يوافق على رفع علم فلسطين في مدرجات كولومبوس بسبب وسام    مصرع عامل إثر سقوط عمود إنارة أثناء نقله في قنا    Just you، طرح البوستر الرسمي للحكاية الثالثة من مسلسل ما تراه ليس كما يبدو    شروط الالتحاق بأقسام آداب القاهرة للطلاب المستجدين 2025 (انتساب موجه)    إنريكي يضع شرطا لتعاقد باريس سان جيرمان مع صفقات جديدة    ما الفرق بين التبديل والتزوير في القرآن الكريم؟.. خالد الجندي يوضح    "بيقارنوا بلاعيبة الدوري المصري".. تعليق ناري من خالد الغندور على جائزة صلاح الجديدة    تنسيق الشهادات المعادلة 2025.. خطوات تسجيل الطالب بياناته ورغباته    قبل نهاية فترة الانتقالات.. مانشستر يونايتد يخطط لبيع خمسة لاعبين    عانى من كسرين في القدم.. تفاصيل جراحة مروان حمدي وموعد عودته للمباريات    نقيب الأشراف يلتقي رئيس مجلس القضاء الأعلى لتقديم التهنئة بتوليه منصبه    الداخلية تكشف ملابسات فيديو سيدة تلقي بنفسها أمام السيارات في الشرقية    غدر الذكاء الاصطناعى    المنشاوي يهنئ طلاب جامعة أسيوط بحصد 9 جوائز في مهرجان الطرب للموسيقى والغناء    تعرف على آخر مستجدات الحالة الصحية للفنانة أنغام    وفاة ابن شقيقة المطرب السعودي رابح صقر    صورة- عمرو دياب مع منة القيعي وزوجها على البحر    محافظ الغربية: ملف المخلفات على رأس أولويات تحسين جودة الحياة للمواطنين    أمين الفتوى يوضح الفرق بين الاكتئاب والفتور في العبادة (فيديو)    طلقها وبعد 4 أشهر تريد العودة لزوجها فكيف تكون الرجعة؟.. أمين الفتوى يوضح    جامعة قناة السويس تطلق قافلة شاملة لقرية التقدم بالقنطرة شرق    في يومه العالمي- متى تسبب لدغات البعوض الوفاة؟    النائب محمد أبو النصر: رفض إسرائيل مبادرة وقف إطلاق النار يكشف نواياها الخبيثة    إيران تدرس إرسال وفد إلى فيينا لاستئناف المحادثات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية    وزير الصحة يتفقد مستشفى الشروق ويوجه بدعم الكوادر الطبية وتطوير الخدمات    الأوقاف تعقد 681 ندوة بعنوان "حفظ الجوارح عن المعاصى والمخالفات"    بيع مؤسسي يضغط سوق المال.. والصفقات تنقذ السيولة    وكيل تعليم الغربية: خطة لنشر الوعي بنظام البكالوريا المصرية ومقارنته بالثانوية العامة    مدرسة روزاليوسف المشتركة - لغات صحفية - مستوى رفيع    البيئة تناقش آليات تعزيز صمود المجتمعات الريفية أمام التغيرات المناخية بقنا    مدحت العدل ينعى يحيى عزمي: "واحد من حراس الفن الحقيقي"    البرديسي: السياسة الإسرائيلية تتعمد المماطلة في الرد على مقترح هدنة غزة    النائب علاء عابد: المقترح «المصري–القطري» يتضمن بنود إنسانية    مدبولي لقادة الدول: حان الوقت لاتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة لردع العدوان الإسرائيلي والاعتراف بالدولة الفلسطينية    حملة موسعة على منشآت الرعاية الأولية في المنوفية    إزالة 19 حالة تعد على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة في المنيا    تحرير 7 محاضر لمحلات جزارة ودواجن بمدينة مرسى مطروح    محافظ الإسماعيلية يتفقد عددا من القطاعات الخدمية ويستمع للمواطنين بمركز أمراض الكلى    تعرف على مواجهات الزمالك في دوري الكرة النسائية للموسم الجديد    كيف يكون بر الوالدين بعد وفاتهما؟.. الإفتاء تجيب    الليلة.. إيهاب توفيق يلتقي جمهوره في حفل غنائي بمهرجان القلعة    بيع 11 محلًا تجاريًا ومخبز بلدي في مزاد علني بمدينة بدر    حالة الطقس في الإمارات.. تقلبات جوية وسحب ركامية وأمطار رعدية    ضبط المتهمين بالتنقيب عن الآثار داخل عقار بالخليفة    عمر طاهر على شاشة التليفزيون المصري قريبا    تعرف على مواقيت الصلوات الخمس اليوم الأربعاء 20 اغسطس 2025 بمحافظة بورسعيد    توقيع مذكرة تفاهم للتعاون بين اقتصادية قناة السويس وحكومة طوكيو في مجال الهيدروجين الأخضر    وزير الدفاع يلتقي مقاتلي المنطقة الشمالية.. ويطالب بالاستعداد القتالي الدائم والتدريب الجاد    محافظ القاهرة يقرر النزول بالحد الأدنى لتنسيق القبول بالثانوي العام    رئيس الوزراء: أدعو الطلاب اليابانيين للدراسة في مصر    نيوكاسل ردا على إيزاك: لم يتم إبلاغه أن بإمكانه الرحيل.. ونرحب بعودته    الاحتلال الإسرائيلي يقتل نجم كرة السلة الفلسطينى محمد شعلان أثناء محاولته الحصول على المساعدات    انطلاق القطار السادس للعودة الطوعية للسودانيين من محطة مصر (صور)    تحرك شاحنات القافلة ال19 من المساعدات الإنسانية من مصر إلى غزة    ترامب: رئيس البنك المركزي يضر بقطاع الإسكان وعليه خفض أسعار الفائدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
الدرس الأول في شيكاغو
نشر في الأخبار يوم 09 - 09 - 2014

«هكذا بدأت بتعريف يقدم مساري وتكويني ورؤيتي بعد أن قدمني الأستاذ مايكل سيلز إلي الطلبة..»
في عام تسعة وسبعين من القرن الماضي، أثناء رحلة إلي لندن، دعاني الدكتور محمد مصطفي بدوي، الناقد والشاعر، أستاذ الأدب العربي باكسفورد المرموق، وقد قدر لي أن أراه قبل رحيله خلال زيارة لنفس الجامعة عام 2009 وكان متقاعداً إلا أنه جاء خصيصاً للاستماع إلي محاضرة ألقيها مما اعتبرته تقديراً أعتز به، وكان من الحضور أيضاً المؤرخ، الأستاذ القدير المعروف علي مستوي جامعات العالم الآن خالد فهمي وهو خريج اكسفورد، وحالياً أستاذ بجامعة نيويورك. في عام 1979 قال لي الدكتور بدوي إنها فرصة للقاء طلبة الدكتوراة للأدب العربي، عندما دخلت مكتبه في كلية سانت أنتوني وجدت ثلاثة من جنسيات مختلفة، ظننت أننا سننتقل للقاء الطلبة، في مدرج ما، كانت صورة القاعة الجامعية عندي مرجعيتها مدرجات جامعاتنا المزدحمة، ولكن عندما علمت أن الثلاثة هم الطلبة المعنيون باللقاء دهشت، غير أنني تذكرت حديث نجيب محفوظ عندما كان طالباً في قسم الفلسفة عام 1933، قال لي إن عدد الطلبة كان ثمانية في مرحلة الليسانس، منهم آنسة واحدة وكانت مثار حديث الجامعة لأنها تأتي بفستان نصف كم «شيفونيز» وللأسف غاب عني اسمها، عندما دخلت مع الأستاذ مايكل سيلز إلي قاعة علم المصريات التي كان جيمس برستد يلقي فيها دروسه لمحت حروفاً هيلوغريفية علي سبورة خضراء، الدرس السابق، سيظل ذلك مشهداً متكرراً في الدروس القادمة، أما حضور برستد فكان قوياً مؤثراً بما قرأته له وعنه، كان في الغرفة حوالي خمسة عشر طالباً وطالبة، قدرت العدد ولم أحصه، قدمني الأستاذ مايكل بما أخجل من ذكره، ثم انصرف لأصبح في مواجهة الطلاب الذين يدرسون الماجستير والدكتوراة، طبقاً للنظام هنا، إذاوجد أي طالب ما يهمه في برنامج الأستاذ الزائر يقوم بتسجيل اسمه، ويلتزم بالحضور، وإعداد ما يطلب منه، سواء قراءة مراجع أو إعداد أوراق بحث، وأقوم بتقدير رقم لمدي تقدمه وتقييم لنشاطه، إذا كانت درجة الاهتمام أقل يمكنه تسجيل اسمه كمنتسب وهنا يحق له الحضور كما يرغب، أحد الطلبة كان موظفاً في الجامعة، يتقن اللغة العربية إلي حد كبير، اسمه جيرت، أمريكي، أمضي في مصر ثلاث سنوات، اسمه المعروف به من خلال مدونة علي الانترنت «سيبويه» نسبة إلي عالم النحو العربي الشهير، وقد أهداني عملاً علمياً فريداً بذل فيه جهداً، قاموس لغوي لمفردات روايتي «الزيني بركات»، طبقاً للبرنامج الذي صممته قبل حضوري، تتضمن المحاضرة الأولي تعريفاً بأعمالي وبشخصي، خصصت الجامعة طالب دكتوراة، كمساعد لي لشئون الطلبة، هو الذي يتصل بهم، يخبرهم بالمراجع التي أطلب قراءتها، المختارات التي سنناقشها من الأعمال الأدبية المختلفة، ويكون حلقة وصل بيني وبين إدارة الجامعة، كما أنه ينظم عملية تسجيل الندوات وبثها علي موقع خاص في الانترنت يتبع الجامعة، والمحاضرات والمناقشات موجودة حتي الآن علي موقع خاص في إطار موقع جامعة شيكاغو.
المحاضرة الأولي .. أستطيع بسهولة تحديد أول كتاب قرأته، أذكر أنني كنت أعبر في أحد أيام طفولتي ميدان الحسين، كان أحد أيام الأعياد، عندما توقفت أمام كشك بائع الصحف، ولفت نظري كتاب البؤساء لفيكتور هوجو، طبعة بيروتية، اشتريته بسبعة قروش، وعندما رآه أحد أقاربي، قال لي بدهشة «إنه صعب عليك»، قرأت الرواية ولازلت أذكر سطوراً منها حتي الآن، ثم عرفت القراءة من خلال مصدرين، مكتبة المدرسة التي تعلمت فيها، الجمالية الابتدائية، وأذكر أني قرأت مجلات، مجلة «سندباد» كاملة التي كان يصدرها محمد سعيد العريان بأسلوب عربي رصين. كما قرأت سلسلة «أولادنا» وأذكر مما قرأته فيها قصة بينكيو، وجحا في جانبولاد، وأما المصدر الثاني لقراءاتي، فكان رصيف الأزهر، حيث باعة الكتب القديمة، ومنهم تعرفت علي روايات الجيب القديمة، وأرسين لوبين، وروكامبول، وجونسون، وبن جونسون، وقصص طرزان، وفي روايات الجيب قرأت لرفائيل سباتيني، ودستويفسكي، وأويجن سو اليهودي التائه وإميل زولا، وآخرين، كانت قراءات تلقائية تماماً. ولم يكن يوجهني أحد، كنت أقرأ كل ما تقع عليه يدي، وأحياناً كنت أقرأ بعض الروايات التي نزع غلافها والصفحة الأولي منها، وأذكر أنني قرأت روايات ضخمة ترجمت في بداية هذا القرن منها مثلاً رواية غرائب الاتفاق لمؤلف لا أذكره، ورواية وردة لمؤرخ ألماني عن التاريخ الفرعوني، كما قرأت سنوحي المصري لميكا والتاري. وقد تأثرت بها كثيراً، وقرأت روايات جورجي زيدان عن التاريخ الإسلامي، كما قادتني الروايات التي تدور حول الثورة الفرنسية إلي بعض الكتب التاريخية أذكر منها كتاب أشهر قضايا التاريخ الكبري. من الكتب التي أذكرها أيضاً كتاب المغامر المصري حافظ نجيب، وكان بوليسياً، ومن رصيف الأزهر عرفت كتب التراث العربي، الأمالي لابن علي القالي، والمعارف لابن قتيبة، والكامل لابن المبرد، ولازلت أحتفظ في مكتبتي بنسخة كاملة من نفح الطيب للمقري اشتريتها في هذا الزمن البعيد بقروش قليلة. هكذا مضت قراءاتي في اتجاهين الأدب العالمي المترجم، والتراث العربي، وكان ذلك تلقائياً.. إلا أنه حوي بذورا نمت فيما بعد، تطورت قراءاتي عندما عرفت الطريق إلي باب الخلق حيث دار الكتب المصرية، وبدأت أستعير منها الكتب التي لم يكن ممكناً لي شراؤها. قرأت الترجمات الكاملة التي طبعتها دار اليقظة العربية بدمشق، خاصة للكتاب الروس العظام، الحرب والسلام لتولستوي «4 مجلدات». حياتي لمكسيم جوركي، والأم، وفوما جوردييف، والفلاحون، والساقطون لنفس الكاتب، وقصص تشيكوف، وإيفان تورجنيف كما قرأت العاصفة، وسقوط باريس، لإيليا اهرنبورج، الحرس الفتي لالكسندر فادييف. وأذكر أن سلسلة ظهرت في هذه الفترة بعنوان مطبوعات الشرق قرأت فيها لألكسندر كوبرين «سوار من عقيق» وترجمة ممتازة لتشيكوف قدمها الدكتور محمد القصاص، ومجموعة قصص لسالتكوف شدرين. وبعض روايات تورجنيف. كان ذهابي إلي دار الكتب مرحلة أكثر تطوراً في حياتي، وعندما بدأت ودعت بذلك عهداً كنت أعيش فيه مع لوبين اللص الشريف وأحلم أن أفعل مثله يوماً أن أسرق من الأغنياء لأعطي الفقراء، وربما كان ذلك أول توجهي إلي الاشتراكية، وفي نفس الوقت كنت أتعرف أكثر علي التراث العربي القديم، خاصة المصادر التاريخية للتاريخ المصري في العصر الإسلامي، وقد أفادني في ذلك أنني تعرفت في سن مبكرة بالمرحوم الأستاذ أمين الخولي في ندوته الاسبوعية «الأمناء» التي كانت تعقد كل يوم أحد، وكان لتوجيهاته لي أثر كبير في تعميق قراءاتي التراثية، والآن بعد مضي أعوام عديدة علي هذه السنوات التي تمتد حتي بداية الستينيات «نشرت أول قصة في يوليو 1963 بمجلة الأديب اللبنانية» وفي نفس الشهر نشر لي مقال كنت ألخص فيها كتاب القصة السيكولوجية لليون ايدل ومنه تعرفت علي جيمس جويس وهنري جيمس ومارتان دوغار الذي قرأت له بعد سنوات عديدة روايته «أسرة تيبو»، الآن ألمح في هذه البدايات التلقائية بعض خصائص توجهي، فقد كنت أقرأ الأدب العالمي المترجم. والتراث العربي، خطين متوازيين استمرا معاً حتي الآن، مع نموهما، وتعميقهما، غير أنني لم أكن أقرأ الأدب العربي المعاصر بنفس القدر من التوسع، كنت أقرأ لهؤلاء الكتاب العظماء وأحلم بأن أكتب مثلهم، نعم لقد نموت في ظلهم، وتأثرت بهم، ولا تزال بعض الروايات التي قرأتها منذ حوالي ربع قرن تؤثر فيّ حتي الآن، أذكر منها رواية جورج أورويل «العالم سنة 1884»، لم أقرأ لمحمد عبدالحليم عبدالله، أو يوسف السباعي، وحتي يوسف إدريس قرأت له عدداً من القصص المتفرقة في مرحلة متأخرة نسبياً لمجرد الفضول «بعد تجاوزي العشرين»، غير أن الكاتب العربي الذي توقفت عنده طويلاً وقرأته بعناية وعمق كان نجيب محفوظ، وقد بدأ اهتمامي به وأنا في الخامسة عشرة من عمري كذلك تعرفت به في نفس المرحلة، وربطتني به علاقة عميقة أثرت في علي المستوي الشخصي عندما قرأت رواياته لأنها كانت تحمل عناوين نفس المنطقة التي أعيش فيها، خان الخليلي، بين القصرين، السكرية، قصر الشوق، وتوقفت أمامه طويلاً، ربما أيضاً لأنني وجدت رواياته في مستوي الروايات العالمية التي قرأتها ونموت من خلالها.. في سن متأخرة قرأت لتوفيق الحكيم «يوميات نائب في الأرياف» وقد أعجبتني أما «عودة الروح» فقيمتها تاريخية أكثر منها فنية، والكتاب الذي أثر فيّ من كتب الحكيم يمت إلي المذكرات وهو «زهرة العمر» أما مسرحه فأجهله، أما المجموعة القصصية «دماء وطين» ليحيي حقي فأعدها من الأعمال الرائدة والمهمة في الأدب العربي.
تفسير الأحلام
كانت لي قراءات أخري. في علم النفس، ومن الكتب التي قرأتها في فترة مبكرة وأثرت فيّ كتاب «تفسير الأحلام» لفرويد، وأذكر أنني استعرت هذا الكتاب من دار الكتب، وقد كان الدكتور مصطفي صفوان قد ترجمه إلي العربية، وكنت راغباً في اقتنائه، ولم أكن أستطيع شراءه «ثمن هذه الطبعة كان 150 قرشاً» فعكفت علي نسخة كاملة، لهذا أكاد أحفظ صفحات كاملة منه حتي الآن، كما قرأت عدداً من مؤلفاته الأخري كذلك تعرفت وأنا في السادسة عشرة علي الفلسفة، وكانت البداية الفلسفة المادية، حيث قرأت المبادئ الأساسية للفلسفة لجورج بولتيزير، وكان كتاباً يتداول سراً، وقد قرأته ضمن برنامج تثقيفي لمنظمة شيوعية أنضممت اليها وهي وحدة الشيوعيين ، وكانت تضم معظم رموز جيل الستينيات ، صلاح عيسي الذي رشحني لها ، والابنودي ، ويحيي الطاهر، وصبري حافظ، وظلت المنظمة تعمل بعد ان حلت الاحزاب الشيوعية الكبري كياناتها عام 1964 ، ولكنني تركت العمل السري قبل اعتقالي عام 1966، ثم قرأت العديد من المؤلفات الفلسفية والسياسية، بشكل عام كانت قراءاتي حتي السادسة عشرة تخضع للتداعي، بمعني أنني أقرأ رواية عن التاريخ الفرعوني، فأبحث عن كتب تدرس هذا العصر، وهكذا في كل المجالات. تعلقت في التراث بالتاريخ، وكان ذلك بتأثير من إحساس قوي بتوالي الزمن، ومروره، وتعمقت في قراءة المصادر التاريخية والحوليات، بدءاً من ابن عبدالحكم، وحتي الجبرتي، حيث الحياة اليومية مدونة، تكاد تحتفظ بطزاجتها، خاصة عند المقريزي وابن إياس، قرأت في التاريخ الفرعوني، خاصة موسوعة سليم حسن، وما كتبه الأجانب، ولكن العصر الفرعوني وبالذات العصر المملوكي فلا زال يلقي بظله الثقيل علي حياتنا، كنت أعيش في منطقة ذكرت في المصادر الأساسية، الشوارع لا تزال تحمل نفس الأسماء، والمناطق، ولا تزال هوايتي تتبع التطور الذي طرأ علي المكان الواحد، ماذا بني هنا، ومن عاش، وكيف الوضع كان، بعد هزيمة يونيو 1967 أعدت اكتشاف ابن إياس الذي عاش حقبة تاريخية مماثلة عندما كسر العثمانيون جيش مصر في مرج دابق، وعبر هذا المؤرخ بأحاسيس وطنية وألم صادق عن هذه الهزيمة، أحاسيس تشبه ما شعرت به في هذه الأيام السوداء في عام 1967، ومن الآداب التي اهتممت بالاطلاع عليها، الأدب الفارسي لما فيه من خصوصية، خاصة في «شاهنامة» الفردوسي، وشعر حافظ والفردوسي، والتاريخ الأسطوري لايران وفي السنوات الأخيرة تراث المتصوفين المسلمين. كذلك التراث الروحي للأديان المختلفة، مثل الهندوس، والصابئة، والبوذية والعقائد البدائية.
التفرد
منذ البداية، كنت أشعر بالرغبة في أن أكتب شيئاً لم أقرأ مثله، وقد مررت في ذلك بمراحل عديدة، فبعد أن قرأت كتاب «ليون إيدل» عن القصة السيكولوجية، كان في ذهني أفكار عديدة، مثل تحطيم الزمن، والمونولوج الداخلي، ثم تطور الأمر إلي الرغبة في التجديد في مجال الأسلوب نفسه، السرد، كنت أنظر بعين إلي الرواية العالمية، وبعين أخري إلي التراث، غير أنني لم أصل إلي صيغة تعبر عما أريد أن أكتب إلا بدءاً من عام 1967، وفي الفترة من 1963 وحتي 1968 نشرت عشرات القصص وروايتين قصيرتين «حكايات موظف كبير» في جريدة المحرر اللبنانية و«حكايات موظف صغير» في مجلة الجمهور الجديدة اللبنانية.. ولكني عندما أصدرت أول كتبي «أوراق شاب عاش منذ ألف عام» في 1969، لم أضمنه إلا خمس قصص قصيرة كتبت كلها بعد عام 1967، كنت قد بدأت أستوحي من التراث أشكالاً جديدة للتعبير، وبرغم ذلك فقد ظل داخلي شعور قوي بالرغبة في تجاوز الأشكال الروائية التي قرأتها، واستلزم هذا مجاهدة طويلة بحيث يمكنني القول إنني بدءاً من روايتي «خطط الغيطاني» وبالتحديد في روايتي التي أعمل فيها الآن، كتاب التجليات استطعت تجاوز هذه الأشكال، أو بمعني آخر التخلص من الإحساس الداخلي بسيطرة المقاييس المتمثلة في الرواية الكلاسيكية، أو الروايات التي كتبت في أوروبا وأمريكا، في إطار موجات التجديد المنبثقة من هذه الأشكال، يمكنني القول الآن فقط إنني أتجه أكثر إلي وسائل جديدة للتعبير مستوحاة أساساً من التراث العربي.
.. إنني لا أقول إنني أخلق شكلاً أدبياً جديداً، وإنما أحاول تجديداً يتم بالطبع داخل إطار الفن الروائي، لقد كانت الرواية الغربية، أو الرواية التي كتبت في إطار الأشكال الأدبية المتعارف عليها بدءاً من «دون كيشوت» وحتي ما يسمي الرواية الجديدة في أوروبا وأمريكا، تمثل مقياساً يجب أن يحتذي بالنسبة للروائيين العرب، وما أقول به هو محاولة تأصيل شكل روائي يستمد مقوماته من التراث بمفهومه الواسع، بدءاً من التراث الشفهي للموروث الشعبي والذي استوعبته إلي حد كبير بفضل نشأتي في الصعيد والجمالية وحتي التراث المكتوب، وحتي سنوات قريبة كان داخلي الشعور بأن ما كُتب في الرواية العالمية يمثل المقياس لما يجب أن تكون عليه الرواية، غير أنني الآن أشعر أنني تخلصت تماماً من هذه المقاييس التي وضعها النقد أو الإحساس لدي الكتاب أما الرواية إما أن تكون هكذا أو لا تكون، وهنا يجب الإشارة إلي أن قلقي المستمر من أجل البحث عن شكل روائي جديد ليس من أجل خلق هذا الشكل فحسب، إنما أحاول إيجاد أشكال فنية تتوفر فيها مساحة أكبر من القدرة علي التعبير والحرية، وبما يتواءم مع تجربتي ومع ما أريد أن أعبر عنه، إنني في صراع دائم مع ما أريد أن أقوله من أجل حرية أكثر، وأعتقد أنني قد تخلصت من سطوة الأشكال الروائية السابقة إلي حد كبيربدءا من عملي الادبي الطويل «كتاب التجليات ».
خصوصية
لا يعني ذلك أنه ليست لديّ مقاييسي الخاصة، لقد نموت من خلال الرواية العالمية غير أنني كنت أحاول دائماً تجاوز جميع الأشكال المعروفة، والآن لديّ مقاييسي الخاصة النابعة من تجربتي بما فيها تلك المقاييس المستمدة من التراث، إنني لا أعمل من فراغ، عندي تراث من نماذج القص العربي، والرؤية. سواء تلك الكامنة في الشعر أو تراث التصوف أو كتب التاريخ أو العادات اليومية في الحياة الشعبية وهذا مجال فسيح يصعب حديثي عنه تفصيلاً، إنني أحدد التقاليد الفنية التي أريد أن أتجاوزها بكل ما كتب في الرواية العالمية، أحاول أن أستفيد منه، لا لكي أقلده، أو لأطبق مقاييس مسبقة، إنما لكي أتجاوزه من خلال موروثي الخاص، هناك طرق عديدة للقصّ، ولتقويم الشخصيات، علي سبيل المثال، عند محيي الدين بن عربي طريقة متميزة في قص الحدث، أو الكلام عن شخصية معينة، طريقة منفردة، لم أقرأ مثلها في أي رواية، إنها أقرب إلي وجداني، وأنا أقدر علي تذوقها، لماذا لا أتمثلها وأحاول أن تكون تلك بمثابة نقطة انطلاقي، تماماً كما حاولت من قبل مع تراث التاريخ المكتوب، وبالأخص ابن إياس، إن الإيقاع الداخلي للسرد علي سبيل المثال عند الشيخ عبدالكريم الجيلاني يختلف تماماً عن أي إيقاع آخر شعرت به من الأساليب الأخري، لأن هنا تجربة روحية مختلفة لم توجد إلا في هذا الواقع الذي أعيشه وأعرفه، من هنا أنا لا أعمل في فراغ، أو أخلق أشكالاً من الهواء، إنما أحاول أن أخلق شكلي الخارجي من خلال استيعابي للتراث العالمي، والتراث الروحي، أحاول الوصول إلي خلق شيء منفرد وهذا طموح أي فنان، وبالنظر إلي نشأتي، وطبيعتي، واهتماماتي كان التراث العربي هو الذي أقف عليه، أشب ثم أحاول تجاوزه أيضاً عندما أخلق شكلي الخاص المستند إلي هذا كله.
صحيح إنني نتاج خبراتي، ولكن نفس هذه القراءات اطلع عليها آخرون ولم يحاولوا، مصادر التراث العربي متاحة منذ زمن بعيد، الكاتب الوحيد الذي حاول في مجال الرواية هو إميل حبيبي في روايته «الوقائع الغربية في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل».
الأسبوع القادم : الجزء الثاني من المحاضرة الأوليش


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.