«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
الشرق والغرب يجمعني


جمال الغيطانى
لم أشعر قط بالتناقض بين ما أقرأه من تراث عربي وما اطالعه من ترجمات لنصوص أجنبية..
الشرق والغرب وما بينهما..
فلأ بدأ مني، أحاول استعادة بداياتي، خاصة ما يتعلق بتلمسي الطريق إلي القراءة والكتابة في سنوات التكوين الاولي.. ربما يبدو ذلك شخصيا الي حد ما، لكنه يجسد مسارا سلكه معظم المبدعين والمفكرين المصريين والعرب.
جئت إلي العالم في التاسع من مايو، عام خمسة واربعين، كان والدي موظفا صغيرا يتمتع بقدرة هائلة علي الحكي الشفهي، لكن لم تكن له علاقة بالادب، هكذا اعتمدت علي ذاتي في تحصيل المعرفة والتكوين، في طفولتي كنت أميل الي اختلاق حكايات وهمية اقصها علي أمي التي جاءت من صعيد مصر لترعي ابناءها وتدبر شئون البيت، لم تكن تعرف القراءة والكتابة لكن كان لديها ثقافة شفاهية متوارثة ثرية جدا، قصص وأمثال وقواعد للسلوك، يمكن القول انها لعبت الدور الأساسي في التكوين، سواء بنقل خبراتها المتوارثة عبر آلاف السنين اليّ، أو تشجيعي علي الحكي باصغائها اليّ.
في سن السابعة كنت اجتاز ميدان الحسين بعد صلاة عيد الفطر، انه المركز الروحي للقاهرة، بل لمصر كلها، توقفت امام بائع للصحف والكتب، وقع بصري علي غلاف جميل لرواية البؤساء لفكتور هوجو ترجمة تمت في بيروت، اشتريتها بخمسة قروش، مضيت الي البيت سعيدا، قرأتها، انها القراءة الوحيدة للبؤساء، لم أعد إليها قط، لكنني مازلت احتفظ في ذاكرتي بصفحات كاملة منها، كأني فرغت منها للتو، كان البؤساء أول كتاب اقتنيه، قرأت قبله من مكتبة المدرسة مجلدات مجلة أطفال اسمها سندباد، بدأت البحث عن المصادر التي يمكن أن تمدني بالكتب، هكذا عرفت طريقي إلي باعة الكتب القديمة علي رصيف الجامع الأزهر، والأزهر جامع وجامعة تأسست منذ ألف عام، مركز علمي وثقافي ليس لمصر فقط ولكن للعالم الاسلامي السني خاصة، حول الأزهر مكتبات قديمة ودور نشر بعضها كان يطبع الكتب بلغات كردية ومالاوية، واوردية، وأمهرية »الحبشة« وبالطبع العربية، بدأ ذلك منذ مطلع القرن التاسع عشر عندما عرفت مصر المطبعة علي يدي محمد علي باشا مؤسس الدولة الحديثة، اما باعة الكتب القديمة فكان لديهم المؤلفات التي تخدم طلبة الأزهر من ادب قديم، وفقه وتاريخ، كذلك الروايات العربية والأجنبية المترجمة، لانني بدأت بالبؤساء اقبلت بنهم علي قراءة الروايات المترجمة، قرأت اسكندر دوما، والعديد من الروايات التي تناولت الثورة الفرنسية وأحداثها، قرأت الروايات البوليسية، روايات آرسين لوبين تأليف موريس لبلان، وروايات اجاثا كريستي، ولكثرة ما عشت مع المفتش بدارو اكاد اراه امامي، كذلك شرلوك هولمز، ثم قرأت ترجمات لدوستويفسكي الذي سأرتبط به مدي الحياة واعتبره اماما للروائيين، إن لم يكن اعظمهم، الي جوار مكتبي لوحة ضخمة له، يطل عليّ باستمرار من عينيه النفاذتين، حصلت عليها من متحفه في بطرسبرج »لينجراد«، قرأت »دون كيشوت« لترفانتس، و»آلام فرتر« لجوتة، كنت اقرأ بالتداعي، فإذا اعجبني كاتب ابحث عن مؤلفاته الاخري، وإذا قرأت رواية عن الثورة الفرنسية ابحث عن كتاب يؤرخ للثورة، كان ذلك في سنوات القراءة الأولي، السنوات البكر، السنوات الذهبية للقراءة، لم تكن الخطوط فاصلة بين الواقع والخيال، اقرأ رواية فأعيش احداثها، بل اكتسب بعض صفات بطلها كما جري لي مع »كاز بمودو« بطل احدب نوتردام الي درجة انني كنت امشي منحنيا مثله، أو اتمهل في خطواتي مقتديا براسكولينكوف عندما كان يخطط لتنفيذ جريمته، مع مضي السنوات، ومع معرفتي طريقي الي مصادر اكثر ثراء للكتب، تشعبت وغزرت قراءاتي غير انه يمكنني القول انني كنت امضي في طريق ذي شعبتين، الاول قراءة التراث العالمي المترجم الي العربية من روايات وأعمال فكرية، خاصة الماركسية التي تعرفت عليها مبكرا، ثم كتب الفلك والفيزياء التي احاول من خلالها أن اجد ما يساعدني علي ايجاد اجابة علي سؤالي القديم الذي بزغ في ذهني منذ الوعي علي الدنيا، عندما كنت اسأل نفسي: اين ذهب الأمس؟
التراث العربي
الاتجاه الموازي قراءاتي في الادب العربي القديم، والادب الشعبي المصري، من الأعمال التي تأثرت بها وعشت تفاصيلها، ألف ليلة وليلة، وهذا عمل أعيد قراءته باستمرار وفي كل قراءة اكتشف ما لم أعرفه من قبل، بل انني من تعلقي به حاولت ان اعرف به علي أوسع نطاق طوال سيرتي الادبية والصحفية، كتبت الكثير عنه، وطبعت طبعة كلكتا، اعدت اصدارها للقاريء المعاصر، وكان المتخصصون يبحثون عنها ولا يجدونها، لقد وفرتها في طبعة شعبية صدرت في ثمانية اجزاء منذ سنوات، كنت اقرأ الادب الأجنبي والتراث العربي جنبا الي جنب، فاتعلق بالاصيل، واتقمص أو اتعاطف مع الشخصيات الانسانية في الادب وليس في ذهني اي خطوط فاصلة بين من ينتمي الي الغرب أو الشرق، علاقتي بالكابتن اخاب في »موبي ديك« تماما مثل علاقتي بكمال عبدالجواد في الثلاثية، بل انني اجد نفسي في أبطال تشيخوف، وتوماس مان اكثر مما اجدها في أعمال ادبية عربية، عندما بدأت الكتابة عام تسعة وخمسين من القرن الماضي كنت مدفوعا بطاقة غامضة تشبه الغريزة، اهي صدفة ان يكون تاريخ بلوغي وبدايتي الكتابة متقاربين؟ لا أدري.
مايو
منذ البداية كان طموحي ان اكتب نصا مغايرا لكل ما قرأته، مازلت مقتنعا ان المبدع يجب أن يضيف الي التراث الانساني كله جديدا، مغايرا.
أن أجد صيغة تحقق لي أكبر مساحة من حرية التعبير، جميع الاشكال التي تعرفت عليها من الاداب الأجنبية، ومن الادب العربي القديم، لم تحقق لي ذلك في حالة إذا ما تعاملت مع كل منهما بشكل منفرد.
كان طموحي وما أزال ان احقق خصوصيتي.
تلك هي المحاور الرئيسية التي شغلتني منذ البداية، حتي الآن تتعدد مستويات الهموم والتفكير مع مرور الزمن، ولكي يظل تحقيق الخصوصية في الكتابة هاجسي الأقوي.
عندما بدأت الكتابة كانت ثمة مقاييس نقدية سائدة تحدد الاشكال الفنية، فالقصة القصيرة مرجعيتها قصص تشيخوف، وموباسان وهمنجواي، والرواية هي ابداعات الادباء الغربيين في القرنين التاسع عشر والعشرين، الرواية الاولي التي كتبت وفقا لهذا النمط صدرت عام احد عشر من القرن الماضي »1191« اعني، »زينب« لمحمد حسين هيكل، المناهج الادبية في الجامعات تعتبرها بداية الرواية العربية الحديثة، كنت اقرأ هذا واتساءل: ماذا عن ألف ليلة وليلة؟ ماذا نعتبرها اذن؟ لماذا لم يلتفت الدارسون الي الابداع الشرقي المكتوب بالفارسية والاوردية والصينية، تعبير الادب العالمي في النقد العربي يعني الادب الغربي فقط »الاوروبي والأمريكي«، المقاييس الادبية والنقدية السائدة مستمدة ايضا من النقد الغربي، كانت الاشكال السائدة تشبه ذلك السرير في الاسطورة اليونانية الذي يطوعون له الجسد، فإذا كان قصيرا حاولوا مطه وتطويله، واذا كان طويلا قصوه، لم تكن الاشكال المتاحة تتطابق مع ما اريد التعبير عنه، لحسن حظي ان معاناتي تلك لم تطل، ما بين بدايتي الكتابة عام تسعة وخمسين، وما بين تحقيقي الخطوة الاولي لايجاد خصوصية ما اكتب عام سبعة وستين عندما نشرت قصتي القصيرة »هداية اهل الوري لبعض ما جري في المقشرة« ثماني سنوات، ثماني سنوات من التجريب والاستيعاب، لقد اكتشفت اساليب سردية واشكالا مهجورة في الادب العربي القديم، في اشكال الكتابة المختلفة، الوثائق، الحوليات، اليوميات، التقارير، اوصاف البناء، طرق القص الشفاهي في ريف مصر الجنوبي الذي ولدت فيه، حاولت استيعاب تلك الاساليب والمزاوجة بينها وبين اشكال القص الحديثة في الادب الغربي، وكذلك اساليب التعبير الخاصة في الاداب الاخري، بالنسبة لي، داخلي، لا وتتفاعل الشاهنامة الفارسية، وألف ليلة العربية، والراميانا الهندية، والنصوص المصرية القديمة، مع موبي ديك ليلفيل وأعمال دستويفسكي وتشيخوف وتقلستوي، وتابوكوف، ويوجين يونسكو، وايتالو كالفينو، ودينو بوتزاتي ، وانطوان دي ساند، اكسوبيري ، وخورخي لويس بوخربس ، وجارثيا ماركيز، ونجيب محفوظ، وصادق هداية، وحافظ الشيرازي، وسعدي الشيرازي، والنصوص الفلسفية الصينية القديمة وأعمال توماس مان، وقصائد شيللر وسان جون بيرس، والمتنبي وابوالعلاء المعري، وشعراء العربية العظام في مختلف العصور، كذلك اولئك الشعراء المجهولون الذين لم اعرف ولن اعرف اسماءهم خلال العصور القديمة، في الاداب المختلفة، يتوارثها الناس شفاهة قبل ان يتم تدوينها، يمكن القول ان النتاج الابداعي الانساني يمتزج كله عندي ويتفاعل، وقد امضيت عمري محاولا الاطلاع عليه واستيعابه وتذوقه ومن خلال رؤيتي وهمومي احاول تأكيد صوتي الخاص، انني وارث لكل ثقافات الانسانية.
لم يكن الشرق معزولا عن الغرب، ولم يكن الغرب بعيدا عن الشرق، بل يمكن القول ان الاساس الروحي لهما واحد، جاء من مصر القديمة وبابل، من مصر انتقلت الحكمة إلي اليونان، والمسيحية ليست الا اعادة انتاج للدين المصري القديم، كذلك اليهودية التي تضرب جذورها في مصر وبلاد ما بين النهرين، ومن يعرف الاحلام جيدا سيجد انه امتداد لهذه الرؤي.
عرفت الصلات فترات تفاعل، وفترات صدام، وخلال مراحل الصدام لم يتوقف التفاعل الذي كان يتم باشكال مختلفة، وخلال فترات النهوض والاستقرار كان التطلع الي الطرف الآخر قويا، وانني اضرب المثال دائما بالثقافة والعلوم، في عصر الدولة العباسية، انشأ الخليفة المأمون دار الحكمة في بغداد التي كانت متخصصة في الترجمة من اللغات القديمة إلي العربية، وشارك في اثرائها علماء من المسيحيين واليهود والصائبة، نقلوا عن اليونانية القديمة، والسوريانية والآرامية وماتزال الترجمات العربية لارسطو وافلاطون وافلوطين التي تمت في القرن الرابع هي المعتمدة حتي الآن في المكتبة العربية.
في القاهرة، في القرن الرابع الهجري ايضا »الحادي عشر الميلادي« تأسس بيت الحكمة في عصر الدولة الفاطمية وكان مختصا بترجمة المؤلفات الفلسفية والطبية، خاصة من اللغة اليونانية، لقد أسهمت حركة الترجمة النشطة، المنفتحة علي الثقافات القديمة في اثراء الحضارة العربية، الاسلامية، لقد أسهمت حركة الترجمة في تواصل اطراف الامة الاسلامية ذاتها وليس مع الغرب فقط، أي العرب بالفرس مع الهنود، والثقافات القديمة.
الترجمة.. الترجمة
عرف العصر الحديث حركة ترجمة واسعة، ومحاولة اتصال وثيقة بالحضارة الغربية، جري ذلك في مصر والشام، وبالتحديد في مطلع القرن التاسع عشر مع بدء محمد علي باشا تأسيس الدولة المصرية الحديثة، ويمكن القول ان النصف الاول من هذا القرن شهد أوسع وأكبر حركة ثقافية بين الشرق والغرب اتخذت عدة محاور، اذ أرسل محمد علي باشا بعثات مصرية إلي فرنسا وإيطاليا والمانيا وروسيا وانجلترا لدراسة العلوم الحديثة، كان الغرب يقدم لمحمد علي ومن جاءوا بعده النموذج في التقدم العلمي، وشملت البعثات التي سافرت الي أوروبا كافة التخصصات من الهندسة إلي الفلك إلي تجليد الكتب، وعندما عاد الشيخ رفاعة الطهطاوي من فرنسا اسس مدرسة الألسن المتخصصة في اللغات والمستمرة حتي الآن، كانت فرنسا هي النموذج الأقرب، ربما بتأثير وجود بعض اتباع سان سيمون الاشتراكي في مصر واستعانة محمد علي بهم، لقد تم تأسيس الادارة المصرية علي النمط الفرنسي، كذلك القانون المصري والدستور حتي الدستور المعمول به حاليا، لم يكتف محمد علي باشا بارسال البعثات من المصريين إلي الغرب، بل فتح البلاد للأوروبيين المتخصصين في مجالات التعليم والاقتصاد والطب، وخاصة الفرنسيين، مؤسس الادارة الصحية الحديثة هو كلود بك، ومؤسس الجيش المصري هو الجنرال سيف الفرنساوي.
لقد كانت حركة الترجمة من اللغات الأوروبية إلي العربية نموذجا للتفاعل الحضاري الخلاق، كانت تتم من منطلق الرغبة في بناء دولة حديثة علي أساس علمي، هذا التفاعل كان يتم من طرف واحد، فلم يقابله اهتمام من الطرف الآخر لنفس الغرض انما كانت البواعث مختلفة، فقد تحركت القوي الغربية من منطلق استعماري مدفوعا بمصالح مادية في الاساس، وميراث معقد ينتمي الي العصور الوسطي زمن الحملات الصليبية وتأجج الصراع العسكري بين الشرق والغرب. في عام 1882 بدأ الاحتلال البريطاني لمصر والذي استمر حوالي سبعين عاما، وفي عام 1998 اسهمت الدول الغربية في تأسيس دولة اسرائيل في قلب العالم العربي، مع انحياز كامل لها علي حساب الشعب الفلسطيني، وكان تأسيس دولة اسرائيل بالنسبة للغرب حلا لمشكلة العلاقة مع اليهود والتي ارتكبت فيها جرائم انسانية مهولة، ابرزها المحرقة التي تسببت فيها النازية، ولكن محاولة الحل هذه جاءت علي حساب الشعب الفلسطيني والعرب الذين لم يلحقوا الاذي باليهود، بالعكس فإن التاريخ يؤكد اواصر الصلات بينهما، فعندما انتهي الحكم العربي في الاندلس، خرج المسلمون واليهود معا الي الشاطئ الآخر في المغرب العربي، والمشرق العربي، وبالنسبة لي فإنني غير قادر حتي الآن علي استيعاب مساندة الغرب لدولة تقوم علي اساس ديني، والغرب هو مصدر العلمانية التي نحاول تكريسها في الاقطار العربية سعيا الي الوصول إلي دولة حديثة عصرية في مواجهة الاصوليين الذين يحاولون العودة بالمجتمعات العربية إلي عصر الدولة الدينية. كثيرا ما تتردد كلمة »الغرب« في الشرق أو الغرب، ولكن الغرب ليس شكلا واحدا، كذلك الشرق، أخطر ما يمكن ان نقع فيه هو التعميم، في الغرب يعيش مثقفون وأشخاص عاديون هم أقرب اليَّ من ابناء جلدتي، انني افضل الحديث عن قوي سياسية ومذاهب ثقافية ومواقف واتجاهات.
الغرب
عندما نقول الغرب الآن، فالذهن ينصرف أولا إلي الولايات المتحدة الامريكية، بالتحديد إلي السياسة الامريكية تجاه الشرق الاوسط، تجاه الدول العربية واسرائيل، بالنسبة للدول العربية مرت تلك السياسة بمراحل، الاهم منها خلال وجود الاتحاد السوفيتي وحتي انهياره - كانت السياسة الامريكية التي ورثت الاستعمار الانجليزي القديم، وتحاول وراثة الدور الفرنسي ايضا تعتمد علي ثوابت اهمها، دعم الانظمة الحاكمة - وكلها انظمة رجعية ودكتاتورية تحسبا وتخوفا من أي تطورات تؤدي الي تغيرات راديكالية في المنطقة، من ناحية أخري محاربة الشيوعية، ثم الانحياز التام لدولة إسرائيل.
أدت هذه السياسة الي ترسيخ الانظمة الدكتاتورية، وتفريخ اتجاهات ارهابية، طالت اثارها الولايات المتحدة نفسها في الحادي عشر من سبتمبر 2001، في ذلك الوقت كانت سياسة الولايات المتحدة قد عرفت ملامح من التغيير بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانفرادها كقوة عظمي بالعالم، بدأت اشارات مزعجة تصل الينا من الولايات المتحدة عن استبدال العدو القديم بعدو جديد، استبدال الشيوعية بالإسلام، وبدأ حلفاء الولايات المتحدة في افغانستان خلال الاحتلال السوفيتي يتحولون الي اعداء لدودين وأبرزهم اسامة بن لادن، بالنسبة لي أخطر ما طرح علي المستوي الفكري خلال هذه الفترة، نظرية صراع الحضارات التي صاغها صمويل هننجتون، كذلك اطروحات برنارد لويس، في رأيي أن الحضارات والثقافات لا تتصارع، لكنها تتفاعل، والحضارة المصرية القديمة تفاعلت مع حضارات اخري في المنطقة، وانتقل تأثيرها إلي الحضارة اليونانية ثم أوروبا كلها، كل حضارة هي نتاج حضارات أخري.
في مكتبتي قسم اطلقت عليه الخلاصة، يضم المؤلفات التي انتهيت اليها واعتبرها من مكونات عالمي، اذكر بعضا من عناوين الكتب التي اعتبرها من مكونات روحي وخلاصة ما قرأته عبر عمري الذي تجاوز الستين عاما الآن.
كتاب الخروج إلي النهار المصري القديم المعروف خطأ بكتاب الموتي
العهد القديم، العهد الجديد
القرآن الكريم
مؤلفات دو ستويفسكي
موبي ديك لهرمان ميلفيل
جسر علي نهر درينا ايفو اندريتش
مؤلفات انطون دوسانت اكسوبيري
مؤلفات دينو بوتزاتي
مؤلفات توماس مان
مؤلفات هرمان هسه
اعترافات جان جاك روسو
مؤلفات يوجين يونسكو
اشعار عمر الخيام
كتاب التاو »الصين«
الشعر العربي القديم
الفتوحات المكية لابن عربي
خطط المقريزي
الف ليلة وليلة
بدائع الزهور في وقائع الدهور للمؤرخ المصري ابن اياس
اعمال كافكا
البحث عن الزمن الضائع لمارسيل بروست
هاملت لشكسبير
رأس المال لماركس
محاورات افلاطون
مؤلفات ابوحيان التوحيدي »القرن الحادي عشر الميلادي«
هناك بعض من ملامح اسرتي الانسانية التي أدافع عنها ضد التعصب والجهل وكل من يثير شقاقا بين مكونات الانسانية مستهديا بمقولة مولانا جلال الدين الرومي: امسيت شرقيا اصبحت غربيا.
من ديوان الشعر العربي
قال فؤاد حداد:
كأن الحياة ذكري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.