في مصر تتماهي الحدود بين الفصول، ليس لدينا ربيع، فقط فصلان صيف طويل وشتاء قصير، قدوم كل منهما فرصة للتفكير والتأمل .. إنه التغير، انه مرور الوقت، هذا ما تجسده لي تلك الفصول، أخيرا، بعد انتظار استمر حوالي عشرة شهور وصل الشتاء، شتاء مغاير، مختلف، الغبار يصحب الرياح، ذرات رمال ناعمة تشبه الحناء، ما يشبه الدخان او الضباب عالق بالفراغات، كل هذا طاريء، مستحدث، فلم يكن أصفي من سماء مصر ولم اعرف شفافية كتلك التي تصاحب افقها، اما السحب ما بين العصر والغروب فمجمع للألوان، ألوان الوجود، الان اختنقت الغيوم والالوان بذلك التلوث العالق والذي لم تعد تؤثر فيه الرياح. تأخر الشتاء كثيرا، اقامته تتقلص، حتي نهاية نوفمبر الماضي كان ممكنا النزول الي الطريق بقميص وبنطلون، بالملابس الصيفية، فجأة وصل البرد، انخفضت درجة الحرارة ليلا، وعندما بدأت النذر جري ما يمليه وصول الفصل الجديد، بدأت إخراج الملابس الشتوية، قمصان الصوف، المعطف، اما البدل فتظل معلقة في الدولاب طوال العام، اخرجت ايضا من الحقائب التي تظل مغلقة طوال العام اطقم الملابس الداخلية الشتوية.. وتلك ابتكار مصري رائع استخدمه باستمرار عند سفري الي اوروبا في الشتاء ومناطق البرد، ملابس داخلية طويلة من الصوف ارتديها فوق القطنية، يغطي السروال الساقين، اما الفانلة فمحكمة تكسو الذراعين هكذا يحاط الجسد وكأنه الجلد الذي يحيط بصفحات الكتب، اصبح مجلدا وعندئذ ارتدي ما اشاء، هذه الملابس اعتدت شراءها كل سنة من عوف في الحمزاوي الصغير وهو من اقدم المتاجر القديمة مازال يحتفظ بتقاليد البيع القديم، حتي الادراج ذات المقابض المعدنية وتلك أصبحت من الاثار القديمة، مازال يعرض منتجات مصرية حميمة، من الجلابيب ومقاطع النسيج والشيلان الحريرية المزخرفة المنسوجة بالنقش البارز جاكار وتلك الملابس الداخلية الخاصة، حتي الانواع التي توجد في معارض اخري لابد ان اشتريها من عوف، ربما يتعلق الامر بالذاكرة، اذ كان الوالد يكسونا مرتين في العام، كانت الكسوة تتبع تغير الفصول، اضافة الي كسوة استثنائية في العيدين، وكان عوف هو احد أهم المتاجر التي نتردد عليها، بالطبع لحق البضاعة المعروضة تغيير ما، فالاقمشة المستوردة من الصين ظهرت آثارها، والجلابيب تأثرت بالتصميم السعودي، لكن الجلباب المصري الملامح مازال معروضا. تبدأ عملية تنظيف الملابس مع تغير الفصول، الملابس الصيفية تعود الي الحقائب وتخرج الشتوية، لن يستمر الشتاء طويلا، ديسمبر ويناير، وفي فبراير يبدأ الدفء الذي سرعان ما يتحول الي حر، لا يوجد لدينا اربعة فصول، في اوروبا ومعظم اقطار العالم تبدو الحدود واضحة جدا الربيع ربيع، والصيف صيف، في مصر لا يوجد ربيع، انه فصل الزوابع الخماسينية والرمال والحر، صحيح انني ارقب تفتح الاشجار والازهار وازدهار اللون الاخضر في الريف وان كانت الخضرة لا تغيب طوال اليوم، وقد اخبرني الحاج محمود في القرنة وهو مجمع خبير بالبيئة ان رياح الخماسين تنظف النبات من الحشرات الصغيرة التي كمنت فيه خلال الشتاء، اذن ما اضيق به له حكمة وفائدة، انها دورة الطبيعة، ربيعنا الحقيقي في الخريف، لعله الجو الامثل بالنسبة لي، حيث يبدأ الرحيل الي الاغوار السحيقة في الذات، غير ان السحابة السوداء مجهولة المصدر حتي الان افسدت الخريف المصري، والغريب انها مستمرة حتي الان رغم دخول البرد، الشتاء بالنسبة لي افضل لا اعول فيه إلا هم الذين ليس لديهم ملابس ثقيلة يواجهون بها حدته وقسوة لياليه، خاصة في المناطق شديدة البرد، مثل الدلتا والصعيد ليلا، لاشك ان تغيرا جري في الطقس، اذكر انني خلال حرب اكتوبر كنت اسافر الجبهة مرتديا ملابس ثقيلة لشدة البرد ليلا، الان يمتد الحر متجاوزا اكتوبر الي مشارف ديسمبر. مع ملابس الشتاء استخرج اسطوانتين، عنوان كل منهما الفصول، الاولي للموسيقار فيفالدي، والثانية لريمسكي كورساكوف، احيانا يؤطرنا العنوان، اي يوجهنا ويحددنا، ان فصول فيفالدي وهي الاشهر لا تمنحني الاحساس بالفصول وربما يرجع ذلك الي اختلاف التكوين والخلفيات الثقافية التي تؤثر علي الاحاسيس، انني اجد الشتاء اكثر في مطلع السيمفونية السادسة لتشايكوفسكي المعروفة بالمؤثرة، والتي اعتبرها من اكثر وأقوي المقطوعات التي استمعت اليها اثارة للشجن، وربما هذا مصدر تعبيرها عن الشتاء، فهذا الفصل مثير للشجن، اما الموسيقي الصينية وتلك مختلفة في طبيعتها وأوزانها واكثر تعبيرا عن الطبيعة لذلك اجد فيها الشتاء، ومما توقفت امامه في الشعر العربي القديم ما قاله يحيي بن صاعد »توفي عام 515 ه«. يشتهي الانسان في الصيف الشتا فاذا جاء الشتاء انكرهُ فهو لا يرضي بحال ابدا قُتِل الانسانُ ما أكفرهُ أراضي مصر الجمعة: قرأت باهتمام ما أعلن عما سيتضمنه القانون الجديد لاراضي الدولة، منع التملك للاجانب في سيناء، واتمني ان يضاف اليه، المناطق الحدودية عموما، يجيء هذا المنع متأخرا، كان المفروض ان يصدر هذا القانون مع استرداد سيناء، وليس بعد اربعة عقود من بدء تحريرها، ومن الغريب ان يكتشف الدكتور ممدوح البلتاجي وزير السياحة الاسبق ان مساحة كبيرة من الارض تم بيعها لمستثمرين مصريين لهم شركاء اسرائيليون، وهو الذي اثار ذلك في مجلس الوزراء بناء علي ما توافر له من جهات امن سيادية، لكن لماذا جري ذلك أصلا؟، انه الخلل الموجود في أجهزة الدولة ومؤسساتها، الاجهزة المعنية ترصد وتكتب وترفع الي من يصدر القرار، عندئذ تنقطع الدائرة، في توشكا تم بيع مائتي الف فدان الي امير عربي، لن اتحدث عن السعر الزهيد جدا الذي تم به البيع، ولكن عن السماح ببيع هذه المساحة التي تقارب مساحات بعض الدول الصغيرة، والاهم ان هذا الامير شديد الصلة بالدوائر الصهيونية، وقد اعلن مؤخرا عن مشاريع مشتركة مع موردوخ امبراطور الاعلام العالمي وهو صهيوني متطرف ولديه ايضا مشاريع اقتصادية كبري، ماذا لو باع الامير هذه الاراضي الحدودية الملاصقة للسودان الي شركة اسرائيلية، او الي دولة كبري، او الي أي أجنبي قد تتناقض مصالحه مع مصالحنا، ان التعامل مع المناطق الحدودية يجب ان يكون وفقا لشروط خاصة، واعتبارات تراعي الامن القومي في مجمله، وان يقتصر بيع الاراضي في هذه المناطق علي المصريين فقط بشرط الا يكون لهم شركاء اجانب في أي فترة، سواء الحاضر أو المستقبل. المسيري والبرادعي الاحد: لا اريد ان اكون جزءا من الحملة ضد البرادعي، ولكن الرجل يأتي من الافعال ما يثير، قرأت اليوم انه وجه رسالة بالموبايل الي اعضاء جمعية التغيير، وانهم وضعوا الموبايل امام جهاز مكبر الصوت ليصل الصوت الضعيف اصلا الي الناس، رجل يريد ان يقود تغييرا في مصر بالاستشعار عن بعد، معظم الوقت غائب عن مصر، واذا جاء فإنه يبقي قابعا في بيته الانيق بعزبة جرانة، يذهب الكل اليه ولا يذهب الي احد، مرة واحدة فقط في زيارة مسرحية الي سيدنا الحسين، والمرة الوحيدة التي ذهب فيها الي قوة سياسية كانت الي مقر الاخوان المسلمين حيث ظهرت صوره تحت المصحف والسيفين في اشارة الي تحالفه مع الجماعة التي تدعو الي قيام دولة دينية، ان احوال البرادعي الغريبة تستدعي الي ذاكرتي شخصية عظيمة علي المستوي الانساني والثقافي، الراحل الدكتور عبدالوهاب المسيري عندما قاد حركة كفاية كان في ذروة مرضه، وكنت اعرف ان ما تبقي له قليل نتيجة خطورة المرض وتقدمه، ومع ذلك تقدم الرجل ونزل ليقود مظاهرة في ميدان التحرير وكانت الاربطة تغطي رقبته وصدره، ولقد تأملت صوره كثيرا خلال تواجده هذا، والذي لاقي بسببه ما لاقي، عندما قاد المسيري هذه المظاهرة لم يكن قد تبقي له إلا ايام معدودات، ومع ذلك اقدم وتحمل وضرب المثل، يحضرني الان الدكتور المسيري بصلابته وقوته وارادته الشجاعة، اما سلوك الدكتور البرادعي فلا أبالغ اذا قلت ان فيه اهانة للشعب المصري، وتقاليده وتاريخه. أعمدة الخميس : عندما أتذكر الصحافة المصرية في مطلع الستينات والسبعينات، وبداية مشواري في »أخبار اليوم« عام تسعة وستين استعيد الرفعة المهنية وصرامة التقاليد، كان الاجتماع اليومي الصباحي درسا حيا في المهنة، خاصة عندما يتم الحساب مقارنة بالصحف الأخري، خاصة »الأهرام«، وكان الصحفي يقضي سنوات طويلة قبل ان يظهر اسمه علي خبر، اسم يطبع ببنط صغير لا يكاد يقرأ، أما كتابة الاعمدة فكانت مثل التفكير في الوصول إلي المريخ، كان عدد الأعمدة في الصحافة المصرية كلها لا يتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة، وكان كاتب العمود يحمل علي كاهله مشوارا طويلا من العناء وتأكيد المكانة وقبول الناس له عبر عملية انتخاب طبيعية لا تزوير فيها ولا شبهة، فالكتابة الحقيقية يجب ان تظل بمنأي عن كل شبهة، والقاريء يشم رائحة الزيف والنفاق، لا شيء في الكتابة يخفي. من خلال عملية الانتخاب الصارمة تلك يتم الحفاظ علي المستوي الرفيع للكتابة، سواء كانت مقالا افتتاحيا، أو يوميات، أو أعمدة، كتابة العمود كانت الاصعب، وما تزال في الذاكرة أعمدة لكتاب تركوا تأثيرا عميقا تستمر اصداؤه حتي الان، ما قل ودل لأحمد الصاوي محمد، وفكرة لمصطفي أمين، ومن ثقب الباب لكامل زهيري، وأحمد بهاء الدين وأحمد رجب اطال الله عمره. كاتب العمود يجب ان يكون صاحب تجربة، مزودا بخبرة طويلة، عميقة يستقطرها في أقل عدد ممكن من الكلمات، وهناك من يعمل معه فريق لتزويده بالمعلومات، هذا غير موجود عندنا، ولكن كاتب العمود الشهير فريدمان يعمل معه هذا الفريق، الآن في الصحافة المصرية بكل اطيافها أصبح زحام كتاب الأعمدة مثل ركاب الميكروباص اختيارهم يتم من المواقف ومن الطريق. ما اكثر كتاب العواميد وما أقل ما يمكن ان نقرأ، وصاحب انتشار الاعمدة صور كتابها، ومنذ ان اتخذ أحمد شوقي وضعه الشهير. الاصابع التي يسند رأسه مطرقا اليها، أصبح هذا هو الوضع المفضل، التظاهر بالتفكير، أو الابتسامة الواسعة، أو النظرة الجانبية المحملة بالاغواء عند بعض الكتاب والكاتبات طبعا. حتي الآن لا نعرف ملامح أحمد الصاوي محمد، وكانت مقالات الاستاذ محمد حسنين هيكل »بصراحة« تظهر بدون صورته، كذلك فكرة مصطفي أمين وأحمد بهاء الدين وغيرهم من كبار الكتاب، الآن تطالعنا كتابة غثة، ودردشة تحولت إلي كتابة، أو تمشية مصالح من خلال الكتابة، أي النزول بقيمة الكتابة إلي الدرك الاسفل، وإذا توقف احدهم نقرأ اعتذارا، بل ان احد الكتاب قال مرة انه تعمد ألا يكتب حتي ينشر له الاعتذار الذي يشعره بالاهمية، لقد استبيحت الكتابة في الصحافة وفي الادب أيضا وللأدب حديث آخر. من ديوان الشعر الفارسي لحظة اللقاء لحظة اللقاء قريبة ها أنا مجنون وسكران ها أنا مرتجف القلب واليدين وكأنني أسرح في عالم آخر ايتها الشفرة لا تجرحي وجهي غفلة ايتها الريح لا تشوشي صفاء شعري بغتة وأنت أيها القلب أيها السكران من دون نبيذ لا تريق ماء وجهي فلحظة اللقاء قريبة صمت الصمت بكي ليلة أمر الصمت جاء إلي بيتي الصمت عاتبني والصمت التزم الصمت اخيرا اغرورقت عيناي بالدموع للشاعر مهدي اخوان ثالث المعروف بأمل مولود سنة 8291
قال الشيخ لا تدري ولا تدري أنك لا تدري ولا تريد ان تدري انك لا تدري الرغبة خير من السعي لا سعي بلا رغبة ولا بصيرة بلا سعي كان جماعة من الكبار عند الشيخ قال احدهم نحن نعمل بكل ما نقول فأجاب لكننا علي خلاف معكم فنحن نعمل بكل ما نفكر عن كتاب اسرار التوحيد في مقامات الشيخ ابن سعيد من القرن الخامس الهجري