استقرار أسعار الذهب اليوم السبت 15 يونيو 2024    التنظيم والإدارة: المساعدة الذكية للجهاز «كمت» ترد على 59 ألف استفسار خلال شهر مايو الماضي    أوعى حد يغشك.. نصائح لشراء لحوم عيد الأضحى بأمان وصحة    وزيرتا التعاون والبيئة تبحثان مع الجانب الإيطالي تعزيز فرص التعاون في إدارة المخلفات الصلبة    محطة الدلتا الجديدة لمعالجة مياه الصرف الزراعى تدخل موسوعة جينيس بأربعة أرقام قياسية جديدة    حزب الله يستهدف مقر وحدة المراقبة الجويّة في قاعدة ميرون الإسرائيلية    الاحتلال الإسرائيلي يعلن قصف مبنى عسكري لحزب الله جنوبي لبنان    شولتس يخفض سقف التوقعات بشأن مؤتمر سويسرا حول حرب أوكرانيا    إيطاليا تستهدف معادلة 6 منتخبات أبطال فى يورو 2024    عصام مرعي: عبد الله السعيد أحق بجائزة رجل المباراة من بيكهام    محمد شريف: لن ألعب في مصر إلا للأهلي    البلتاجي: ركلة جزاء الأهلي صحيحة.. ومدافع الزمالك يستحق البطاقة الحمراء    حادث انقلاب ميكروباص يتسبب في إصابة 6 أشخاص بمنطقة أطفيح    هتصلي فين؟.. ساحات عيد الأضحى المبارك بالإسماعيلية    قبل خطبة عرفة.. إتاحة الواي فاي للحجاج بمسجد نمرة    عاجل - هذه القنوات الناقلة والبث المباشر.. خطبة عرفة 1445 2024    المشهد العظيم في اليوم المشهود.. حجاج بيت الله يقفون على جبل عرفات لأداء ركن الحج الأعظم    الصحة: إطلاق 33 قافلة طبية مجانية بمحافظات الجمهورية خلال أيام عيد الأضحى    الرعاية الصحية: انعقاد غرفة الطوارئ ضمن خطة التأمين الطبي لاحتفالات عيد الأضحى 2024    رقمنة 5 خدمات تتيح التواصل مع المواطنين للاستفسار عن توافر الدواء والإبلاغ عن الآثار الجانبية والمخالفات    ننشر أماكن ساحات صلاة عيد الأضحى في السويس    أسعار الفاكهة اليوم السبت 15-6-2024 في قنا    تجهيز 153 ساحة و4202 مسجد على مستوى أسيوط لصلاة العيد    كم عدد الجمرات الصغرى والوسطى والكبرى؟.. مجمع البحوث الإسلامية يجيب    زراعة 327 ألف شجرة بكفر الشيخ.. والمحافظ: «زودوا المساحات الخضراء»    السرب يتنازل ل ولاد رزق عن الصدارة.. شباك تذاكر أفلام السينما بالأرقام    بعد الإعلان عن «سيكو سيكو».. صبري فواز يتحدث عن عصام عمر وطه دسوقي    إعلام إسرائيلى: انفجار عبوة ناسفة فى آلية عسكرية إسرائيلية بغزة    وزير الإسكان: حملات لضبط وصلات المياه المخالفة وتحصيل المديونيات    بعثة الحج توفر مخيمات مكيفة ومرطبات ومأكولات لحجاجنا بعرفات    حكم صيام أيام التشريق.. الإفتاء تحسم الجدل    يوم عرفة 2024 .. فضل صيامه والأعمال المستحبة به (فيديو)    وفد وزارة العمل يشارك في الجلسة الختامية لمؤتمر جنيف    أول تعليق من جوندوجان بعد الانتصار الكبير على إسكتلندا    وزيرة الهجرة تهنئ الطلبة المصريين أوائل الثانوية العامة في الكويت    «التضامن الاجتماعي» تنظم سلسلة من الدورات التدريبية للاخصائيين الاجتماعيين    صحة السعودية توضح طرق الوقاية من الإجهاد الحرارى للحجاج    ب«6 آلاف ساحة وفريق من الواعظات».. «الأوقاف» تكشف استعداداتها لصلاة عيد الأضحى    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى أوسيم دون إصابات    العثور على جثة أحد الطالبين الغارقين في نهر النيل بالصف    جدول مباريات الولايات المتحدة الأمريكية في دور المجموعات من بطولة كوبا أمريكا    «تقاسم العصمة» بين الزوجين.. مقترح برلماني يثير الجدل    الصحة العالمية تحذر من تفاقم الوضع الصحي في الضفة الغربية    القيادة المركزية الأمريكية تعلن تدمير قاربين ومسيرة تابعة للحوثيين في البحر الأحمر    وزير النقل السعودي: 46 ألف موظف مهمتهم خدمة حجاج بيت الله الحرام    مصطفى بكري: وزير التموين هيمشي بغض النظر عن أي حديث يتقال    أستاذ ذكاء اصطناعي: الروبوتات أصبحت قادرة على محاكاة المشاعر والأحاسيس    ضرب وشتائم وإصابات بين محمود العسيلي ومؤدي المهرجانات مسلم، والسبب صادم (فيديو)    هبوط اضطراري لطائرة تقل وزير الدفاع الإيطالي بعد عطل طارئ    بسبب جلسة شعرية محبطة.. صلاح عبد الله يروي سر ابتعاده عن كتابة الأغاني للمطربين    إبادة «فراشات غزة» بنيران الاحتلال| إسرائيل على قائمة مرتكبي الانتهاكات ضد الأطفال    محمد علي السيد يكتب: دروب الحج ..سيدي أبوالحسن الشاذلي 93    لاعب سلة الأهلى يكشف تفاصيل عدم السلام على رئيس الاتحاد السكندري    «العلاج الطبيعي»: غلق 45 أكاديمية وهمية خلال الفترة الماضية    «زي النهارده».. وفاة وزير الداخلية الأسبق النبوي إسماعيل 15 يونيو 2009    حظك اليوم برج الأسد السبت 15-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    ألمانيا تسحق إسكتلندا بخماسية في افتتاح يورو 2024    دي لا فوينتي: الأمر يبدو أن من لا يفوز فهو فاشل.. وهذا هدفنا في يورو 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيام سلوفاكية براتسلافا
بين الماء والطين
نشر في أخبار الأدب يوم 23 - 10 - 2010

صباح السبت، يوم الإجازة يذكرني بأيام الجمع في مصر، الشوارع خالية، البيوت ناعمة تشي بحالات قاطنيها، نيام حتي الآن أو خرجوا إلي الريف، عربة المرسيدس الفارهة تقف عند نهاية الشارع، أحمل حقيبة اليد، تحتوي علي ما يلزمني لمدة ليلتين فقط، يرافقني السفير زولدش، يتحدث العربية بطلاقة، مثل بلاده في دولة الامارات وهو مرافقي خلال أيامي السلوفاكية تلك، طبعا تلك اشارة إلي الأهمية التي يحيطونني بها، ليس لأنني في منصب مهم، لكن باعتباري كاتبا عربيا ومثقفاً وتلك بداية خطوات مماثلة، أدركت هنا أن لديهم هذا الاتجاه تقوية العلاقات الثقافية مع العالم العربي خاصة والشرق عامة، الاتجاه غرباً بمفرده لا يكفي، نعم سيصبحون جزءا من الاتحاد الأوروبي، لكن هذا لا يكفي، الثقافة مدخل أعمق وأبعد مدي للعلاقات، ليتنا ندرك ذلك!
السائق المهيب يتقدم ليفتح الباب، بعد أن استقر كل منا في مكانه، فوجئت بجندي شرطة يتقدم من السيارة، يتحدث إلي السائق، يدقق الأرقام، يقول السفير زولدش إنه يتأكد من هوية السيارة ذات الأرقام الدبلوماسية لأن المكان ممنوع علي السيارات إلا في الحالات الضرورية فقط.
قال إن ذلك جيد، الجندي يقوم بواجبه، هذا يعني أنه متيقظ، في مثل هذه المواقف أستدعي مواقف مشابهة من مجتمعاتنا، إذا جري ذلك في بلادنا، ستجد أحيانا من يهب في الجندي متسائلاً باستنكار: ألا تعرف من أنا؟ يحدث هذا في إشارات المرور، وأمام المصالح وفي الأغلب الأعم يكون الشخص الذي يدعي أنه مهم لا أهمية له، لكن الأمر مرتبط بهيبة السلطة وقوتها وسريان القوانين علي الجميع، تواجد الشرطة في الشارع عنوان لهذا كله.
انطلقت السيارة إلي الطريق المؤدي إلي مدينة بيشتاني إحدي مناطق العلاج الطبيعي المشهورة في أوروبا، حوالي مائة وخمسين كيلو متراً تتخلل المناطق الزراعية، حقول ممتدة لا توجد ارتفاعات حادة، أخيرا نصل إلي بشتاني، الطبيعة متغيرة، ثمة مرتفعات متوسطة مكسوة بالخضرة، الأشجار فارهة لكنها جرداء، الخريف هنا خريف، والشتاء شتاء، الفوارق بين الفصول واضحة في أوروبا كلها، عندنا تتداخل الفصول، يمتد الصيف إلي ديسمبر، وفي ربيعنا تهب عواصف الخماسين، اما الخريف فيرق الجو ويصبح هو الربيع.
منطقة الفنادق والاستشفاء تقع في جزيرة وسط الدانوب، نجد الجسر الذي يتصدره تمثال كبير من الناحية اليمني حيث الدخول لرجل يتوكأ علي عكاز، تمثال آخر من الناحية اليسري لنفس الرجل يمضي علي قدمين، يكسر عكازه ويلقي به بعيدا.
الفنادق ضخمة، فسيحة، تذكرني بالمنتجعات التي شيدت في المعسكر الاشتراكي زمن الانفتاح قبل انهيار الاشتراكية، المكان تم خصخصته وأصبح ملكا لمستثمر بريطاني يحمل لقب لورد، هنا عيادات طبية تعالج مرضي العظام والروماتويد بالطين المجلوب من النهر والذي يتم إعداده طبيا في أماكن خاصة.
عندما دخلت إلي الغرفة الوثيرة، الفسيحة نسبيا بالقياس إلي الفنادق الكبري التي أعرفها في أوروبا، أدرت مفتاح تشغيل التليفزيون، المحطة العربية الوحيدة، الفضائية الكويتية، عرفت أن عددا كبيرا من الأخوة الكويتيين يجيئون للاستشفاء، وأنهم اكتشفوا المكان منذ فترة مبكرة، قال لي مدير الموقع إن الاقامة الكاملة بالعلاج تكلف النزيل مائة يورو يومياً، وعندما أبديت ارتياحي لرخص التكاليف، قال: إن هذا لن يستمر إلا لمدة سنة، بعد الانضمام التام إلي الاتحاد الاوروبي، سوف تسري الأسعار المعمول بها في أوروبا، هذا يعني تضاعف التكاليف، قال إنه ينصحني بالبدء الآن، قلت أنني أحمد الله فالعظام سليمة، وإن كان المكان يحوي علاجا لأمور أخري عديدة منها تخفيض الوزن، ولكن هذا يحتاج إلي ثلاثة أسابيع علي الأقل.
يبدو المكان قصيا جدا، بعيدا، هكذا تبدو الأماكن التي تقف علي الحافة، أكثر من سبب يدفع بالمنشآت كلها إلي الحافة، يقع الفندق وأماكن العلاج علي جزيرة، والجزيرة بين ضفتين، أي بين حافتين، طبيعة المكان مصحة، كل من جاء إليه يسعي إلي العلاج، هكذا يقف بين الصحة والمرض، في الصباح تبدو صالات الفندق خالية، الأشجار علي المرتفعات شاحبة، بعيدة، انه الشتاء، حيث الموجودات كأنها من وراء زجاج، يتخللها الضباب الشفيف، هنا تتخذ حركة البشر سمتاً خاصا، فالكل يتحرك علي مهل، الحياة تصوير بطيء، أما الهدوء فمعقم، لم يكن لدينا برنامج صحي يشغل وقتنا، لا أنا ولا السفير زولدش، لذلك كان هناك الوقت الكافي للجلوس وللتأمل، خاصة الصالة المطلة علي الحديقة والمرتفعات المحيطة، التأمل من خلف الزجاج، هواية قديمة منذ أن اعتدت الجلوس في مقاهي وسط المدينة في الستينيات، خاصة المطلة علي ميدان التحرير، أجلس وراء الزجاج وأتأمل المطر، هنا في بريشتاني، أتأمل الطبيعة والبشر الباحثين عن العلاج، وأستعيد أيامي الغاربة.
في المساء يظهر النزلاء الذين اختفوا نهاراً، يظهرون في المطاعم، في صالات عزف الموسيقي، ينتمون إلي جنسيات مختلفة، وأعمارهم مختلفة أيضا، اعتدت بعد تناول العشاء أن أصغي إلي عازفين متلازمين دائماً، من حواري معهما عرفت أنهما من الجنسية المجرية أصلا، أحدهما عازف الكمان، الآخر عازف علي البيانو، توجد أقلية مجرية في سلوفاكيا إلي جانب أقليات أخري. استمعت إليهما في المطعم، لفت نظري قدرتهما علي العزف، لا أحب الاستماع إلي الموسيقيين أثناء تناول الطعام والدردشة، أجد في ذلك نوعاً من إهانة الفن والفنانين، أبديت لهما الود، طلبت الاستماع إلي متتاليات هنغارية لبرامز، وكان ذلك مدخلا لتفاهم انساني وعلاقة عابرة تركت عندي أثراً في هذا المكان النائي الذي يلتمس فيه الانسان الشفاء من خلال الماء والطين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.