حفلت قمة حلف شمال الأطلنطي " الناتو" التي عقدت في لشبونة بالعديد من القضايا التي تهم الحلف في مسيرته في القرن الواحد والعشرين وقد كان من أبرزها الاتفاق علي المفهوم الاستراتيجي الجديد للحلف New Strategic concept وهو ثالث مفهوم استراتيجي صاغه الحلف منذ نهاية الحرب الباردة وقمة روما عام 1991 وقمة واشنطن عام 1999 وفي المفهوم الجديد شدد الحلف علي "سياسة شاملة" لإدارة الأزمات بما فيها " أسلوب سياسي ومدني وعسكري" شامل لمعالجة الأزمات وسوف يشكل الناتو "قدرة مدنية مناسبة ولكن صغيرة في مجال إدارة الأزمات والتعاون مع منظمات مدنية مثل الأممالمتحدة. أما القضية الثانية فكانت بناء منظومة الدرع الصاروخية Missile Defense وهي المنظومة التي وصفها سكرتير عام الحلف رامسوسن بأنها مخصصة لحماية الشعوب الأوروبية ضمن إطار الحلف، أما القضية الثالثة التي سيطرت علي القمة فكانت أفغانستان حيث أكد البيان الختامي للحلف أن بعثة "إيساف" في أفغانستان ستظل لها الأولوية الكبري حيث أمن واستقرار أفغانستان مرتبط بشكل مباشر بأمن الناتو وأنه مع نهاية عام 2014 سوف تتحمل القوات الأفغانية المسئولية الكاملة عن الأمن في كل أنحاء أفغانستان من خلال شراكة مستمرة مع حكومة جمهورية أفغانستان وتأكيد الالتزام الطويل الأمد لمستقبل أفضل للشعب الأفغاني. أما القضية التي شغلت قمة الحلف فهي العلاقة مع روسيا، والعمل علي تجاوز التوترات والمخاوف من جانب روسيا حول خطط ونوايا الحلف تجاه منطقة آسيا الوسطي والقوقاز، وهي التوترات التي بلغت القمة بالعمل العسكري لروسيا ضد جورجيا في أغسطس 2008. في قمة لشبونة، وحتي قبل انعقادها، صدرت مؤشرات أمريكية- أوروبية روسية حول الرغبة في تجاوز هذه التوترات وذهب الرئيس الروسي ميدفيدف أن الخلافات بين روسيا والحلف "قد ولت إلي الأبد"، فقد ذهبت روسيا إلي التجاوب مع منظومة الحلف للدفاع الصاروخي وتبني الحلف ما أرادته روسيا من "فضاء أمني" هذا فضلا عما أبدته روسيا من تعاون مع الحلف في أفغانستان، بدءا من تسهيل انتقال معدات الناتو حتي العمل في مجال مكافحة المخدرات، بل إن مسئولين روسا قد ذهبوا إلي أنه سوف تكون كارثة لو هزمت الولاياتالمتحدة في أفغانستان، والتصديق علي معاهدة ستارت 2 التي وقعت في أبريل 2010. وقد انعكس هذا التقارب الروسي مع الحلف في الجلسة التي خصصت لمجلس الناتو-روسيا Nato-Russia Council وقد صدر عنها بيان يؤكد أن جميع الأهداف والمبادئ والالتزامات المنصوص عليها في القانون التأسيسي ، وإعلان روما وميثاق الأمن الأوروبي ، بما في ذلك »منهاج الأمن التعاوني« ، والاعتراف بأن أمن جميع الدول في أوروبا والمحيط الأطلسي غير قابل للتجزئة ، وأن أمن حلف شمال الأطلسي وروسيا متشابك ومترابط. والعمل من أجل تحقيق شراكة استراتيجية حقيقية وحديثة تقوم علي مبادئ الثقة المتبادلة والشفافية والقدرة علي التنبؤ، وذلك بهدف المساهمة في خلق فضاء مشترك للسلام. علي الرغم من هذه الروح الإيجابية للعلاقة بين روسيا والناتو التي بدت في القمة إلا أن هذا لا ينفي الشكوك والمخاوف خاصة من جانب روسيا حول أنشطة وخطط الحلف في بلدان آسيا الوسطي والقوقاز، وهي المخاوف التي يعززها أن الحلف في بيانه النهائي قد أكد تعزيز الحوار السياسي والتعاون والعمل مع جورجيا من خلال لجنة حلف الأطلسي جورجيا، وإن الحلف يشجع بقوة ويدعم تنفيذ جورجيا المستمر لجميع الإصلاحات اللازمة ولاسيما الديمقراطية الانتخابية والإصلاحات القضائية فضلا عن الأمن وإصلاح قطاع الدفاع من أجل النهوض بالمتطلبات الأوروبية الأطلسية، كما رحب الحلف بفتح مكتب الاتصال بحلف شمال الأطلسي في جورجيا الذي سيساعد علي تحقيق أقصي قدر من المساعدة ودعم جهود الإصلاح في البلاد، كما أعلن الحلف ترحيبه بمساهمات جورجيا الهامة لعمليات حلف شمال الأطلسي لاسيما "ايساف" والتأكيد من جديد علي الدعم المستمر لوحدة أراضي وسيادة جورجيا، في إشارة واضحة لانفصال إقليمي إوسيتيا وأنجازيا والذي ترتب علي الغزو الروسي لجورجيا عام 2008. كذلك أكد الحلف أن تكون أوكرانيا دولة مستقرة وديمقراطية ومزدهرة اقتصاديا وهو عامل هام لتحقيق الأمن الأوروبي الأطلسي. ومما يقوي من جانب التحفظات ما نشرته صحيفة " وول ستريت جورنال" في أعقاب القمة عن خلاف بين الأطلسي وروسيا حول الدرع الصاروخية حيث نقلت عن جهات مسئولة في الحلف أن القادة رفضوا اقتراحا قدمه ميدفيدف لضم دفاعات بلاده الصاروخية إلي "الدرع" التي ينوي الغرب نشرها في أوروبا. ونقلت الصحيفة عن مشاركين في القمة أن قادة الحلف ال28 رفضوا عرض ميدفيدف بطريقة دبلوماسية وقالوا إنهم سيطرحون المسألة علي خبرائهم الفنيين. بقيت ملاحظتان: تتعلق الأولي بما يتصور أنه من أهم ما يشغل الحلف ونعني به الوضع في أفغانستان، فعلي الرغم مما التزمت به القمة أن الحلف سوف يسلم مهامه الأمنية إلي الحكومة الأفغانية عام 2014 إلا أن ثمة شكوكا حول أنه هذا العام فإن الحكومة الأفغانية بحجم قواتها المحاربة ستكون مستعدة لتسلم هذه المهام وتغطية ربوع الأراضي الأفغانية، هذا فضلا عن التناقض القائم بين ما هو مطلوب من الحلف من دعم مهمته في أفغانستان وبين الصعوبات التي تمر بها اقتصاديات دول الحلف. أما الملاحظة الثانية فهي خلو بيان الحلف الذي صدر عن القمة من أي إشارة إلي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والمعروف أنه في مناسبات عديدة عبر الحلف أنه مستعد لأن يساهم في هذا الصراع ولكن بعد التوصل إلي تسوية وقبول أطرافه لدور في استقرار وتطبيق ما تم التوصل إليه، وهذا ما أكده سكرتير عام الحلف في تصريح منفصل بعد انتهاء أعمال القمة الأخيرة. كاتب المقال: سفير سابق