بالزغاريد وهتافات الترحيب يستقبل عموم المصريين الآن أنباء إلقاء القبض علي قيادات الإخوان.. وباللعنات والهتافات المؤيدة للفريق السيسي يلاحق الآن عموم المصريين مسيرات ومظاهرات الإخوان التي تخرج اعتراضاً ورفضاً لعزل مرسي.. ولا معني لذلك سوي أن الإخوان صاروا مكروهين جداً في الشارع المصري.. وهذه الكراهية هي السبب الأول لما لحق ويلحق بهم الآن في أخطر محنة تعرضوا لها علي مدي تاريخهم الطويل منذ أن أنشأ حسن البنا جماعته قبل 58 عاماً مضت. إنهم الآن لا يواجهون سلطة أو جهاز أمن كما كان دائماً، ولكنهم يواجهون الشعب المصري كله باستثناء بضعة آلاف من أعضائهم ومحبيهم ومؤيديهم.. حتي الذين تحالفوا معهم بعضهم إيثاراً للسلامة وحتي لا يرمي بنفسه إلي التهلكة يتخلي الآن عن هذا التحالف مثلما يفعل عدد من السلفيين وعدد من أعضاء الجماعة الإسلامية. ولذلك فقد انتهي أمر الإخوان كأقوي تنظيم في مصر.. فأعضاؤه الذين سوف يفلتون من ملاحقة أجهزة الدولة لن يستطيعوا الإفلات من المطاردة الشعبية لهم في كل مكان يذهبون إليه.. ولعل ذلك هو الذي دفع د. مصطفي حجازي مستشار رئيس الجمهورية لأن يكرر مؤخراً القول بأن الفاشية الدينية انتهت في مصر. لكن ذلك لا يجب أن يجعلنا نتوهم أن التنظيم الإخواني انتهي تماماً أو لقي حتفه وتم دفنه وانقضي أمره، أو أن الإخوان في مصر أضحوا في ذمة الله الآن.. فالتنظيم الإخواني رغم الضعف الكبير الذي اعتراه لأنه محاصر شعبياً وملاحق أمنياً مازال موجوداً في البلاد وما برح الذين ينتمون إليه، علي اختلاف درجات انتمائهم، ينظرون لغيرهم، أي نحن جميعاً، كأعداء لهم، ويعتقدون أنهم وإن كانوا قد خسروا معركة فإن حربهم مازالت مستمرة وطويلة معنا، وأنهم في محنة جديدة تضاف للعديد من المحن التي تعرضوا لها من قبل، وأن هذه المحنة سوف تنتهي وسوف ينعم الله عليهم بعدها بمنحة السلطة والحكم والتحكم فينا.. هؤلاء مازالوا يتوهمون أن جماعتهم كما قال حسن البنا هي دعوة سلفية وطريقة سنية وحقيقة صوفية وهيئة سياسية وجماعة رياضية ورابطة علمية ثقافية وشركة اقتصادية وفكرة اجتماعية.. أي هي كل شيء وأي شيء وبديل عن كل مؤسسات الدولة! وهكذا.. لقد انتهت الفاشية الدينية في مصر كسلطة قائمة أو حتي كسلطة مرحلة في المدي المنظور، لكن وجودها لم ينته تماماً في المجتمع.. هذه الفاشية الدينية تتطلع إلي تضميد جراحها واستعادة قواها، خاصة أن الإخوان مازالوا يمتلكون المال لتمويل حربهم ضد خصومهم، وما برحوا مدعومين خارجياً من تنظيم دولي ومن قوي اقليمية ودولية.. وكل ذلك سوف يمنحهم كتنظيم قبلة الحياة. وليس معني ذلك أن نفعل مثل البعض منا ونقبل بتقديم تنازلات سياسية تؤذي هدفنا في دولة ديمقراطية حديثة من أجل مصالحة يراهنون عليها مع الإخوان للمحافظة علي دور سياسي لهم.. وإنما معناها أن نقنع أنفسنا أننا سنحتاج لكفاح طويل ومستمر في مواجهة الفاشية الدينية لنحمي بلدنا من خطرها، خاصة أن هذه الفاشية الدينية لم تعد فقط خطراً علي هويتنا الأصيلة، إنما هي خطر أيضاً علي استقلالنا الوطني حينما راهن الأمريكان عليها في تنفيذ مشروعهم للشرق الأوسط الجديد الذي يفرضون فيه هيمنتهم علينا. وهكذا.. لقد حققنا نصراً في معركة.. لكن حربنا مع هذه الفاشية الدينية مازالت مستمرة.