لعلها الريح التي لم نعد نعرف متي أو أين ستنتهي حصباؤها، أم هي الثرثر العاتية سوف تهوي بالعالم أجمع إلي مكان سحيق، إنني أري ردة تمهد الأرض التي من حولنا لعمل غير أخلاقي سوف يمزقها كل ممزق، والإشارات جاءت من هناك، ولكننا لا نفهمها أو لا نريد أن نفهمها، فإن هزيمة حزب »أوباما« وإن كانت متوقعة لتدل دلالة واضحة علي اليد التي تعبث في توجيه السياسة العامة لأمريكا لصالح إسرائيل وما تبغيه في المنطقة، ولعل المسكوت عليه منذ إنشاء إسرائيل وتصنيعها وتسكينها في أرض عربية وغرسها كالخنجر في نحر الأمة العربية، قد انكشف حقيقة واتضح جلياً في أكثر من موقف، وتأكد أن هناك تضامناً وحشداً غربياً وأمريكياً وروسياً لضمان بقاء إسرائيل وانتزاع الشعب الفلسطيني والعربي من هذه الأرض التي يملكونها ويحيون فيها. ثم تتحرك الأيدي نفسها كي تميد الأرض من تحت أقدام شعوب مستقرة ودول آمنة الحدود حتي لا تكون في المقابل جبهة متماسكة من العرب، لقد سئمنا هذه القلاقل والفتن، وشهدنا ما يكفينا من الأمثلة الحية علي قدرة أعدائنا ومن هم حلفاؤهم ومن يدعون صداقتنا وخوفهم علي مستقبلنا، فالعراق الآن مأساة لن تنتهي حرائقها، وثروات لن توقف نهبها، وهو المقصد والمبتغي الذي تم رسمه بدقة وعناية حتي صار الأمر إلي هذه التراجيديا التاريخية المؤسفة. أما ما جري للصومال وما سوف يجري في دول أخري فلن يكون بعيداً عن سيناريو شبيه بما جري للعراق، وكأن الصراع الطائفي هو الهدف الخفي لكي يتم المبتغي بغير جهد ممن يريدون بنا شراً دائماً لا يتوقف، وكأن السودان بعد التحضير الطويل لتقطيع أوصاله قد وصل الآن إلي الحافة التي بعدها يهوي هو الآخر إلي قاع الحرب الأهلية الممتدة، إذن تحيط بمصر بؤر من الحروب والتوترات ولم تكن بهذا الحجم، وإذن يتهددنا بالفعل خطر وتحدق بنا دواه عاصفة، والأوراق المختلطة كثرت إلي حد يمكن معه عدم التنبؤ بما سوف يحدث من مصائب بين عشية أو ضحاها. حقاً إن الموقف العالمي يزداد سوءاً وتعقيداً، وأيضاً الخريطة العربية لم تكن يوماً علي هذا القدر من السوء والخطر والتصارع والتطاحن وغموض النوايا مما زاد الأمر صعوبة لإيجاد جبهة عربية تواجه ما يحيق بالأمة من أخطار تهدد جميع الأقطار بغير استثناء، فلا أحد بعيد عن الخطر، ولا أحد بعيد عن احتمالات الفتن والصراع الطائفي الذي نجح مع العراق والتمزق المرجو من أي سيناريو تضعه إسرائيل وسوف تنفذه القوي الكبري راضية أو كارهة. فهل هناك أسوأ من هذا المسرح الذي تدار عليه مشاهد من مآس وهلاك لأبناء أمة تمتلك كل هذه الثروات وكل هذه الروح التي بثها الدين ورسختها الأخلاق منذ آلاف السنين، هل سنظل كما نحن لا يكون حراكنا إلا كرد فعل بعد فوات الأوان، وهو هزيل بكل آن، نبئوني بخبر أيها الناس، هل سننتظر حتي يأكلنا الذئب فرادي واحداً واحداً ثم لا يُبقي ولا يذر. كاتب المقال: أستاذ الطب بجامعة الأزهر، عضو اتحاد كتاب مصر.