جلست امام الفضائيات اتابع اليوم المشهود.. يوم انتخابات النقيب الجديد للصحفيين ومجلسه الموقر.. ورحت احصي في لهفة الاعداد الغفيرة التي امتلأت بها ردهات وقاعات النقابة.. والتي تعد بالآلاف اذ حصل النقيب الفائز علي 0821 صوتا بفارق 265 صوتا علي منافسه.. ولا اعرف الاسباب التي قادت هذه الاعداد الغفيرة لامتهان الصحافة! كان عدد اعضاء النقابة في خمسينيات القرن الماضي لا يزيد عن 373 عضوا.. اغلبهم من الهاربين من الدراسة بالازهر. أو الذين جاءوا من قراهم النائية.. إلي القاهرة للدراسة بالازهر.. ثم فسدوا.. ولم يكملوا دراساتهم.. او الذين رسبوا في الامتحانات لفشلهم في إعراب.. الفاتحة.. في دروس النحو!! المهم.. انهم فسدوا.. ولم يكملوا الدراسة الأزهرية وتبنطل البعض منهم.. وارتدوا البنطلونات.. وخرجوا يبحثون عن عمل في صحافة تلك الايام.. فعملوا في اقسام التصحيح.. وكتابة القصائد الشعرية.. والقصص والقصيرة.. والرد علي رسائل القراء. كانت صحافة تلك الأيام مشحونة بالصحف والمجلات الخاصة.. مثل مجلة »العالم العربي« التي يرأس تحريرها أسعد حسني.. ومجلة »النهار« التي كانت تصدر في المنصورة ويرأس تحريرها السيد محمد المغازي والجورنال ديجبت وجريدة الزمان التي كان يملكهما ادجار جلال باشا.. وجريدة لابورصي اجبسيان.. وجريدة لابورصي الكسندري التي كانت تصدر بالاسكندرية ويملكهما ايلي شكرون الشهير بالياهو يوسف.. ومجلة »الجريمة« التي كان يصدرها ضابط الشرطة برتي بدار.. وجريدة البشري التي كان يصدرها في بنها حسن شاكر ومجلة أهل الفن التي كان يعمل بها زميلنا حازم فوده »سكرتير تحرير آخر ساعة فيما بعد« ومجلة صوت الشرق ومجلة كوكب الوادي التي كانت تصدر في المنيا ومجلة الرسالة التي كانت تعمل بها السيدة زينب الحكيم.. ومجلة الاهداف التي كانت تصدرها السيدة جميلة العلايلي ومجلة بنت النيل وغيرها.. وغيرها. علاوة بالطبع علي الدور الصحفية الكبيرة كالأخبار والاهرام ودار الهلال وروزاليوسف ثم الجمهورية والشعب.. فيما بعد. كانت نقابة الصحفيين في تلك الايام عبارة عن فيلا انيقة.. لها حديقة صغيرة ولكنها انيقة ونظيفة.. اهدتها عائلة ابو الفتح لتكون نقابة للصحفيين.. قبل ما يجري هدمها ايام الاستاذ النقيب ابراهيم نافع ليقام فوق ارضها الصرح الشامخ.. الذي تحولت سلالمه الخارجية المطلة علي شارع عبدالخالق ثروت لاحد معالم القاهرة وتضارع اهرامات الجيزة.. وشارع محمد محمود. اما انتخابات النقيب فقد شهدت علي مر العصور العديد من الحكايات النوادر.. من بينها علي سبيل المثال.. ان تقدم احد الزملاء بجريدة »الاخبار« بأوراق ترشيحه لمنصب النقيب وكانت زوجته تعمل صحفية بدار التعاون.. وعند فرز الاصوات حصل زميلنا العزيز علي صوت واحد.. فاكتست وجهه ملامح الحزن الشديد وظل يردد: انا مش زعلان اني خسرت الانتخابات.. انا اللي مزعلني ان زوجتي لم تعطني صوتها! وكنا نمازحه ونقول له: عشان عارفاك.. يا عم رشاد! وفي أول انتخابات للنقابة جرت بعد ثورة 1952.. توجه احد الزملاء لمكتب البكباشي عبدالقادر حاتم.. وسأله عما اذا كانت الحكومة تريد شخصا معينا بالذات.. فطرده حاتم من مكتبه! وبعد سنوات قليلة شغل الزميل العزيز موقعا مرموقا في دار الهلال.. وظل يشغل منصب رئيس تحرير »المصور« لسنوات طويلة! وفي هذه الانتخابات فاز بمنصب النقيب الراحل العظيم حسين فهمي.. وكان بذلك اول نقيب للصحفيين بعد ثورة يوليو 1952.. وهو الذي اسس صحافة الثورة.. لتكون معبرة عن الثورة الوليدة.. بعد ان قاوم فكرة تطهير الصحافة.. واقصاء نجوم تلك الايام.. وفي مقدمتهم مصطفي وعلي أمين.. واحسان عبدالقدوس.. وآل ابوالفتح.. ومحمد التابعي الخ.. كي يحل محلهم صحفي واحد.. ظل يلح علي فكرة تطهير الصحافة لسنوات طويلة.. كي يجلس وحده علي عرش صاحبة الجلالة! لم تكن مقاومة فكرة تطهير الصحافة.. واقصاء نجوم ما كان يسمي بالعهد البائد.. سهلة آو هينة.. ودفع نقيب الصحفيين في تلك الايام.. أغلي ثمن يمكن ان يتصوره العقل.. ودافعت نقابة الصحفيين في تلك الايام.. عن نجوم الصحافة.. ببطولة وشجاعة.. امام وشايات كانت تنقل يوميا وكل ساعة لزعيم الثورة.. جمال عبدالناصر.. للايقاع بين قيادة الثورة وبين ألمع نجوم الفكر والصحافة والابداع.. في ذلك الزمان البعيد. كانت الاتهامات واحاديث النميمة.. تتراوح بين »نكتة« عن الثورة.. رددها احد نجوم تلك المرحلة في جلسة خاصة أو الحصول علي مصروفات سرية من جهة ما.. أو علاقة وطيدة بإحدي سيدات العصر البائد.. وحكايات لا تنتهي.. تسعي لهدف واحد هو اخلاء الصحافة في نجومها.. لافساح الطريق.. امام صحفي واحد يطل وحده علي سماء صاحبة الجلالة.. والنماذج والحكايات لا تقع تحت حصر.. تباينت حولها ردود فعل اصحابها.. ومن بينهم الشاعر الكبير كامل الشناوي الذي لم يكن يدع فرصة تمر.. دون ان يخرج بقصيدة رائعة يشيد فيها بالثورة من باب الدفاع عن النفس.. ونفيا لما ينقل علي لسانه لقيادة الثورة.. عن تعليقاته في الجلسات التي كان يعقدها بفندق سميراميس! ودارت الايام وجرت انتخابات نقابة الصحفيين.. في ظل حالة ثورية مجيدة.. وفي ظل عصر مختلف.. ظهرت فيه المنجزات الهائلة لثورة العلم والتكنولوجيا.. وباتت الاحداث تصل الينا عبر الفضائيات واليوتيوب والفيس بوك.. وباتت صحافة الورق والحبر والطباعة علي رأي الزميلة مها عبدالفتاح علي مشارف النهاية.. وقالت ومعها كل الحق.. انه لم يعد امامها سوي سنوات قليلة وتنقرض.. نحن في عصر جديد.. اتسع فيه ادراك الناس بثقافة »حرية الرأي« وباتت حرية الرأي من اهم حقوق الانسان المعاصر.. التي علي الجميع احترامها.. واحترام نجومها الجدد الذين يشكلون الرأي العام.. علي الهواء مباشرة.. أما صاحبة الجلالة.. فنحن نتضرع الي خالق الخلق أن يلطف بها في الختام.. العوافي.. يا صاحبة الجلالة!