9 مارس 2013 يوافق ذكري مرور 42 عاماً علي رحيل البابا كيرلس البطريرك 116 في عداد بطاركة الكرازة المرقسية. فهو ينتمي إلي عائلة زيكي التي نزحت من الزوك الغربية في صعيد مصر في أواخر عهد المماليك، إلي بلدة طوخ النصاري بالمنوفية. كان والده »يوسف عطا« يعمل لدي أحد كبار المُلاك وكيلاً عاماً لجميع أعماله بالغربية والمنوفية والبحيرة، ثم استقر في مدينة دمنهور. وفي 2 أغسطس سنة 1902م أنجب ابنه الثاني »عازر« (الذي صار فيما بعد البابا كيرلس السادس). وجعل من بيته مقراً لأستضافة الآباء الرهبان الذين وجدوا كل الترحيب وكرم الضيافة من أهل البيت، ومن هنا ارتبط الطفل عازر بالآباء الرهبان لما سمعه منهم عن حياة الآباء قديسي الكنيسة، وحياة التقوي والقداسة بالأديرة المصرية. توجه للرهبنة بدير البراموس بوادي النطرون في صباح 27 يوليو سنة 1927. وفي يوم 25 فبراير سنة 1928 تمت طقوس رهبنته ودعوا اسمه مينا البراموسي. ومنذ ذلك الوقت وضع لنفسه قانوناً التزم به طوال حياته: (أن يحب الكل، وهو بعيد عن الكل). وتمر الأيام ويشاء الله أن يختار الراهب المتوحد مينا البراموسي ليجلس علي الكرسي المرقسي في 10 مايو 1959 فكان يوم ذو رنين خاص، فقد أُذيعت صلوات السيامة من محطات الإذاعة مباشرة أثناء تأديتها (لم يكن التليفزيون قد أُدخل بعد في مصر). إذ كانت سيامته حدثاً جليلاً تهلل له قلوب المصريين إذ كانت رسامة قانونية بعد العديد من المخالفات التي حدثت منذ تنصيب البابا يؤانس 19 البطريرك 113 في ديسمبر 1928 . وفور إعلان اسم البابا الجديد باسم كيرلس كتب عباس محمود العقاد مقالاً في جريدة الأهرام، قال فيه: (إن اسم كيرلس ذو رنين خاص في تاريخ الكنيسة القبطية: فكيرلس الأول عمود الدين، والثاني مشرع حكيم، والثالث مرشد يقظ، والرابع أبو الإصلاح، والخامس زعيم روحي قومي من الطراز الممتاز). في فترة بطريركيته لم يغير أسلوبه في الطعام عن فترة رهبنته رغم تقدم السن وتزايد المسئولية وإرهاق العمل. فكان أفطاره قطعة صغيرة من الخبز مع مسحوق الكمون أو الملح أو السمسم. وبعد الحاح طويل من المقربين منه كان يزيد علي هذا الأفطار مقدار ملعقتين صغيرتين من الفول. وطعام الغذاء خبز جاف مع القليل جداً من الطعام المطبوخ، وكان العشاء مثل الأفطار. أما ملابسه فما كان أبسطها .. فكان يرتدي علي جسده ملبساً بسيطاً خشناً غير جاهز، بل مُسّرج مصنوع من الدمور وفوقه يرتدي حزاماً من جلد يلتف حول جسمه كنظام النُساك ثم جلباباً أسوداً خفيفاً من قماش زهيد الثمن، كما كان يضع شالاً علي رأسه ليخفي به شعره الذي نذر ألا يقصه منذ رهبنته. زهده ونسكه أقترنا بجليل الأعمال منها: (1) أزاح ستار النسيان عن المدينة الرخامية القابعة بمنطقة مريوط باسم مدينة القديس مينا العجايبي، فبادر بزيارة المنطقة عدة مرات ثم في يوم الجمعة 27 نوفمبر 1959 وضع حجر أساس الدير الحديث بالمنطقة باسم دير القديس مينا العجايبي بمريوط. (2) أيقن أن كنائس أفريقيا ستتلفت نحو كنيسة الإسكندرية بعد زوال الاستعمار من أراضيها فبالتعاون المثمر مع الرئيس جمال عبدالناصر بدأ بإنشاء كاتدرائية كبري بمنطقة الأنبا رويس بالعباسية تحمل اسم كاروز الديار المصرية القديس مرقس. وهذه الكاتدرائية تُعد نصباً تذكارياً خالداً لهمة ذلك البطريرك العظيم. (3) في عام 1969 كلف أعضاء جمعية مارمينا العجايبي بالإسكندرية، بإعداد مرجع شامل لقواعد اللغة القبطية. (4) في عام 1970 كلف أبناء الكنيسة بالمانيا بإحضار مطبعة من مدينة هيدلبرج، ثم بادر بتدشين دار خاصة لها في حفل أقيم بمنطقة الأنبا رويس بالعباسية استشعاراً منه أن المنطقة ستتحول فيما بعد إلي خلية نحل في العمل الكنسي، وهذا ما نراه اليوم. وبعد رحلة كفاح مشرف رحل فجأة. في 9 مارس 1971 تاركاً بصمات خالدة في الكنيسة والوطن حتي وقتنا هذا