البابا كيرلس يضع حجر آساس دير مارى مينا بمريوط في ذكري رحيل البابا كيرلس السادس في 9 مارس يطيب لنا أن نحييه بتحرير مقال للحقيقة والتاريخ لأجل شباب هذا اليوم الذي ضاعت منه الذاكرة وأصبح لا يري إلا ما تحت قدميه فقط!! فلم يعد يسعي نحو معرفة تاريخ الكنيسة والوطن ولا يتطلع إلي المستقبل ليكمل ما صنعه الآباء العظام. وفي هذه الذكري اخترت أن أسجل بتدقيق التطابق بين أعمال البابوين كيرلس الرابع (4 يونيو 1854 30 يناير 1861) وكيرلس السادس (10 مايو 1959 9 مارس 1971) فالتطابق بينهما يلفت النظر ويثير الإعجاب. ما إن جلس البابا كيرلس الرابع علي الكرسي البابوي حتي قام بهمة لا تعرف الكلل لإقالة أمته من عثرات قرون الظلام، فبادر بإنشاء تلك المدرسة الكبري التي أطلق عليها يومئذ اسم "دار العلوم" التي غذت طلابها بالعلوم المصرية واللغات الحية بما فيها اللغة القبطية، كما أنشأ أول مدرسة للبنات. ثم أردف إنشاء المدارس التي أُطلق عليها العامة اسم »مدارس أبي الإصلاح« بشراء مطبعة، فكانت ثاني مطبعة تدخل البلاد بعد المطبعة الأميرية ببولاق التي أحضرها محمد علي، وأعاد بناء الكنيسة المرقسية الكبري بالأزبكية بعد أن كانت مهددة بالانهيار لقدمها. لقد كان كما يقول د. منير شكري - شديد الإيمان بحق أمته في البعث والحياة وفي أن تتبوأ مكاناً لائقاً بها بين الأمم. ثم في فجر 10 مايو 1959 أشرقت الشمس مرة أخري علي الكنيسة القبطية برسامة الراهب المتوحد مينا البراموسي بطريركاً للكنيسة باسم البابا كيرلس السادس البطريرك 116 فبدأ بالآتي: (1) زار إيبراشيات القطر المصري حتي أثيوبيا مبشراً بعهد جديد يرجع فيه لكنيسته قوتها وعظمتها وجلالها. (2) أزاح ستار النسيان عن المدينة الرخامية القابعة بمنطقة مريوط باسم مدينة "بومنا" أو مدينة القديس مينا العجايبي، فبادر بزيارة المنطقة عدة مرات ثم في يوم الجمعة 27 نوفمبر 1959 وضع حجر أساس الدير الحديث بالمنطقة باسم دير القديس مينا العجايبي، ثم ألحقه ببيت خلوة ليخلو فيه قصاده في سكون وهدوء في تأمل روحي عميق. (3) أيقن أن كنائس أفريقيا ستتلفت نحو كنيسة الإسكندرية بعد زوال الاستعمار من أراضيها فبالتعاون المثمر مع الرئيس جمال عبدالناصر بدأ بإنشاء كاتدرائية كبري بمنطقة الأنبا رويس بالعباسية تحمل اسم كاروز الديار المصرية القديس مرقس. وهذه الكاتدرائية تُعد نصباً تذكارياً خالداً لهمة ذلك البطريرك العظيم. (4) التفت إلي العلم والثقافة والعمل الاجتماعي فخطا بثلاث خطوات إيجابية: (أ) رفع من شأن الإكليريكية - العمود الفقري للإصلاح الروحي - برسامة أسقف فاضل عليها اشتهر بالعلم والورع وهو الأنبا شنودة أسقف التعليم والمعاهد اللاهوتية (فيما بعد البابا شنودة الثالث). (ب) الاهتمام برسالة المعهد العالي للدراسات القبطية فأقام عليه أسقفاً للدراسات القبطية والبحث العلمي هو الأنبا غريغوريوس. (ج) من أجل الفقراء والمحتاجين والاستقرار العائلي والخدمة الروحية للأسرة فخصص لهم أسقفاً للخدمات العامة والاجتماعية الذي كان له باع طويل في هذا الميدان وهو الأنبا صموئيل. فيكون قد أتم بذلك مثلث النهضة الكنسية الحقيقية. (5) شكل لجانا للغة القبطية وللتاريخ وللآثار وللفن وللعمارة من رجال الفكر والأدب والعلم، فأحاط هذه الأسقفيات الثلاث بتلك الصفوة حتي يعمل الجميع في صعيد واحد بروح الجماعة. (6) في عام 1970 كلف أبناء الكنيسة بألمانيا بإحضار مطبعة من مدينة هيدلبرج أشرف علي إحضارها المهندس فؤاد خليل بطرس، ثم بادر بتدشين دار خاصة لها في حفل أقيم بمنطقة الأنبا رويس بالعباسية استشعاراً منه أن المنطقة ستتحول فيما بعد إلي خلية نحل في العمل الكنسي، وهذا ما نراه اليوم. (7) كلف أعضاء جمعية مارمينا العجايبي بالإسكندرية التي تخدم التاريخ القومي والثقافة منذ عام 1945 بإعداد مرجع شامل لقواعد اللغة القبطية، فكان كتاباً فريداً في موضوعه وتحمل قداسته تكاليف طباعته وخصص إيراد الكتاب لتعمير دير مارمينا بمريوط. (8) توجه بنظره إلي القارة الأمريكية فأقام عدداً من الشباب المثقف بالعلوم اللاهوتية والكنسية وأقامهم كهنة عام 1964 علي كنائس بمدن تورنتو الكندية ومونتريال الكندية ونيوجرسي الأمريكية، ثم في عام 1968توالي الاهتمام بأبناء الكنيسة بلوس أنجلوس الأمريكية. كما توجه بنظره نحو القارة الأسترالية فانتقي واحداً من خيرة الشباب وأقامه كاهناً ليخدم أقباط الجالية الاسترالية وذلك في عام 1969. (9) رأي أن دير القديس أنبا مقار - من أقدم أديرتنا القبطية قد بدأ في الانهيار من حيث عدد الرهبان الذين تقلص عددهم إلي خمسة فقط!! وأيضاً الانهيار المعماري، فبادر بمبادرة طيبة في 10 مايو 1969 وأسند للأب متي المسكين وجماعة رهبانه وتلاميذه المقيمين بمنطقة وادي الريان وطلب منهم إعادة تعمير وإحياء الدير. وهو ما قد تم حتي تبوأ الدير مكانته الأولي. (10) اهتم بإرسال مبعوثين إلي جميع المؤتمرات الكنسية التي تُدعي إليها ليعبروا عن حيوية الكنيسة بعد أن كان العالم لا يعرف أن بمصر كنيسة وطنية حية. والآن يمكننا أن نتبين بكل وضوح التطابق التام في روح وهمة البابا كيرلس السادس مع سلفه العظيم البابا كيرلس الرابع. إنها صفحات مشرقة بالحقيقة من صفحات الكنيسة الوطنية المجيدة.