مأمون غرىب حول تحدي احدي النساء للطاغية الحجاج بن يوسف الثقفي وتحدي الفيلسوف افلاطون لعبث أحد الملوك حتي بيع كالرقيق.. كانت هذه الوقفات! عندما نقرأ كتب التراث سوف نطلع علي قصة مثيرة بطلتها امرأة من الخوارج استطاعت ان تتحدي الحجاج بن يوسف الثقافي وهرب من مواجهتها، وهو الذي عاش حياته كلها منذ وضع نفسه في خدمة الحكم الاموي يحكم الناس بالحديد والنار، فهو لم يعرف إلا لغة السيف، وهو الذي استطاع ان يوطد دعائم الحكم الاموي بالسيف، وهو الذي كان يشهر سيفه دائما ويغرسه في صدور كل من يعارض حكم الامويين، وهو الذي اراق الكثير من الدماء، وهو الذي ملأ القلوب رعبا وفزعا.. حتي انه حكي عنه الرواة انه كان في يوم من الايام يستحم في مياه الفرات.. وانه اوشك علي الغرق، ورآه احد الشباب فقفز الي النهر وانقذه، وسأله الحجاج: هل تعرفني؟ واجاب الشاب: اعرفك.. انك الحجاج بن يوسف الثقفي، فقال له الحجاج: اريد ان اكافئك لانقاذك حياتي.. فقال له الشاب: مكافأتي ان لا تحدث احدا انني انقذتك حتي لا يرفع الناس اكفهم الي السماء ويدعون عليّ، لانني انقذتك!! الي هذا الحد كان الحجاج سيفا مصلتا علي الرقاب، وكان يخشاه القاصي والداني. ولكن هذه المرأة من الخوارج تحدته وقررت ان تبارزه، واسم هذه المرأة »غزالة« وكانت زوجة لاحد فرسان الخوارج واسمه شبيب بن زيد، وكان لهذا الرجل مواقف وبطولات مشهودة له زمن الخليفة عبدالملك بن مروان، حيث تصدي اكثر من مرة لجيش الحجاج بن يوسف الثقفي، وهزمه في اكثر من موقعه. والخوارج هم هؤلاء الذين خرجوا علي الامام علي بن ابي طالب وهم فرق كثيرة، وهم متعصبون ضاق بهم الامام علي ذرعا لتعصبهم، وايمانهم بافكار متطرفة ورفضهم الحوار للوصول الي الحقيقة، حتي قال الامام علي فيهم: قصم ظهري رجلان: عالم متهتك، وجاهل متنسك. مهما يكن من شيء فقد كان هؤلاء الخوارج مقتنعين بآرائهم ويكفرون من سواهم. وكانت »غزالة« خطيبة ومقاتلة مع زوجها في معاركه ضد جيوش الحجاج، وفي بعض المواقع طلبت من الحجاج ان يخرج لمبارزتها وخاف منها الحجاج، ولم يجبها الي طلبها، حتي عيره احد الشعراء »عمران بن قحطان« بأبيات من الشعر، صارت مثلا، واخذ الناس يتداولونها عبر العصور: اسد علي، وفي الحروب نعامة فتخاء تنفر من صغير الصافر هلا برزت الي غزالة في الوغي؟ بل كان قلبك في جناحي طائر! وكانت غزالة تحب زوجها شبيب، وتخرج معه في كل مواقعه، وربما كانت تحاول ان تقول له: انها لا تقل شجاعة عنه، وهو الفارس الذي تحدث عن بطولاته الشعراء ومدحوا بطولاته، حتي قال احدهم عنه »ان صاح يوما احسست الصخر منحدرا.. والريح عاصفة والموج يلتطم. وتقول كتب التراث ان هذه المرأة الشجاعة، قالت لزوجها ذات يوم انها تريد ان تصلي في مسجد الكوفة ركعتين، تصلي في احداهما سورة البقرة، وفي الثانية سورة آل عمران. والمعني انها تريد ان تصلي وهي شديدة الاطمئنان ركعتين لله، وهي لا تخشي جيوش الحجاج بن يوسف الثقفي، ولا سيطرته علي الكوفة، بل انها تريد ان تصلي وهي في غاية الاطمئنان، ولا تخشي الحجاج ولا سطوته ولا جيوشه التي تهيمن علي الكوفة!. وقيل ان زوجها حقق لها هذه الامنية، ودخل مع رجاله الي الكوفة وقتل من قتل من جنود الحجاج، وحقق لزوجته ما تصبو اليه.. فصلت في مسجد الكوفة وهي آمنة مطمئنة، ثم خرجت من الكوفة بعد ذلك، غير عابئة بجيوش الخليفة، لتعود الي صفوف جيش زوجها! والعجيب ان هذه المرأة الشجاعة، عندما غرق زوجها عندما نفر به جواده بالقرب من النهر، خارت قوي غزالة، ولم يعد احد يذكر شجاعتها، وكأن هذه الشجاعة مستمدة من زوجها الذي لم يعرف الهزيمة قط امام جيوش الحجاج.. وقيل انها قتلت بعد ذلك في أول لقاء بين الخوارج وجيش الحجاج بن يوسف الثقفي، ولم تظهر تفوقا ولا بطولة كما كانت تفعل اثناء حياة زوجها شبيب بن زيد!! فيلسوف في سوق النخاسة يعرف الدارسون للفلسفة ان افلاطون كان واحدا من اكبر فلاسفة الاغريق، وانه كان تلميذ سقراط واستاذ ارسطو.. وهو صاحب النظرية الشهيرة عن المدينة الفاضلة، وقد ولد هذا الفيلسوف في عام 427 ق. م، وتوفي عام 347 ق. م.. تقريبا.. وقد ولد هذا الفيلسوف في اثينا وعندما حوكم سقراط واعدم، في عام 399 ق. م، ترك بلاده ليعيش في مصر، وعرف الكثير عن الثقافة المصرية القديمة وتأثر بها، وعاد الي بلاده بعد ذلك ليؤسس مدرسة للعلوم والفلسفة، وكان المكان الذي يعلم فيه تلاميذه يطل علي بستان اكاديموس، ومن هنا شاعت هذه المدرسة واشتهرت باسم الاكاديمية، وفي هذه الاكاديمية برز اسم ارسطو.. اعظم الفلاسفة القدماء. وهو علي حد تعبير خالد محمد خالد ان الكلمة تمتحن بعد سقراط في شخص تلميذه افلاطون. ففي سبيل حرية الفكر وسيادة الضمير، تعرض لمحنة تثير الضحك والجزع معا، حين بيع الفيلسوف الكبير في اسواق الرقيق!! لقد سمع »ديونيسيوس« ملك سراقوسه بأفلاطون وبعبقريته، فرجاه ان ينزل عليه ضيفا، واستقبله في حفاوة مفيضة، ولكن افلاطون لم يكد بعد ايام يفتح شفتيه ويحرك لسانه، وينشر بين الناس افكاره، وينتقد بكلمات جريئة، الفساد المندلع في بلاط، ديونيسيوس، حتي صب الملك عليه سخطه السامي، فأمر باعتقاله، وقذف به إلي جزيرة »اجينا« التي كانت حليفة لاسبراطة ضد اثينا.. وهناك عرضه حاكم الجزيرة للبيع.. ووقف »افلاطون« بقامته الفارهة المهيبة بين العبيد في سوق النخاسة يزدحم حوله صياح التجار، وضوضاء المزاد، لولا ان ابصر به رجل كان يعرفه، فاخترق الصفوف كالسهم وهو يصبح. ويحكم.. تبيعون افلاطون؟ ثم افتداه بماله. عصا موسي في هذه الظروف الصعبة التي تعيشها بلادنا الآن، وما فيها من صراعات واضطرابات، وما نراه من مواقف متناقضة في المشهد السياسي، وما نسمعه من تدهور الاقتصاد، والمشادات بين كل طرف وطرف، حتي اصبحنا اشبه بمن يعيش علي سفينة وسط رياح هوج، وامواج عاتية، لا نعرف الي اين تستقر بنا السفينة. البعض متفائل ويري ان الثورات اشبه بالصخور التي تعترض مجري النهر، سرعان ما تتدفق المياه بسهولة ويسر بعد اجتياز هذه الصخور، ويعاد البناء من جديد، وتشيد المجتمعات من جديد، وتتوجه المجتمعات إلي غد اكثر املا واشراقا وانتاجا. والبعض الآخر متشائم.. يري فيما يجري من اضطرابات واضرابات، تعطيلا للانتاج، وتعطيلا لقوي المجتمع، وبالتالي ينتج الكساد والخراب والضياع. ووسط هذه التيه الذي نعيش فيه، وكي اخرج من ألم الواقع، ومرارة الامنيات، بحثت في مكتبتي عما ينشلني من الواقع المعاش، اخذت اقرأ في كتاب طرائف وفكاهات من تراثنا العربي لمحمد شوقي امين عضو مجمع اللغة العربية، وقرأت قصصا وحكايات طريفة عبر مختلف العصور، واستوقفتني حكاية طريفة عن رجل ادعي النبوة في زمن الخليفة المأمون.. يقول المؤلف: الذين ادعوا النبوة كثير، وكان فيهم ظرفاء.. ومن هؤلاء الظرفاء واحد قال للخليفة المأمون: انه نبي!! فطالبه الخليفة بمعجزة ليصدق به.. فقال له: اطرح لكم حصاة في الماء.. فأذيبها في لحظات حتي تصير مع الماء شيئا واحدا. واخرج حصاة كانت معه، فطرحها في الماء، فلم تلبث ان ذابت. فقال له بعض الحاضرين: هذه حيلة، ولكن اذب حصاة غيرها نأتيك بها نحن. فقال المدعي: لا تتعصبوا علي، فلستم انتم اضل من فرعون، ولا انا اعظم من موسي، ولم يقل فرعون لموسي.. لا ارضي بما تفعله بعصاك حتي اعطيك عصا من عندي تجعلها ثعبانا. فاستظرف المأمون حجته، وضحك، وصرفه عنه بجائزة. حكمة: ان الحق والباطل لا يعرفان بأقدار الرجال.. اعرف الحق تعرف أهله. »علي بن أبي طالب«