د. أحمد درة ليس مُستغربا وليست هذه المرة الأولي التي يخرج علينا فيها من يفتي بغير علم، خالطاً الأمور، ومستفزاً لمشاعر المجتمع الذي من حقه أن يأخذ فتاواه من مصدرها الشرعي والقانوني..أم اننا قد تحولنا تماما عن دولة القانون، واعرضنا عن نداء الوطن وأنينه المتصل. أما ما يثير الحزن في النفس أن يخرج علينا في نفس الوقت حين أطلق صاحب الفتوي أحكامه الصادمة من يدافع عنه، ويبرر كلامه بمزيد من التهور وكأننا أمام من لا يشعر بخطورة الآثار المترتبة علي ما قيل، وكأنه لا يري ما يجري في الشارع ولا يسمع عما يدور في العالم من حولنا. لقد جاءت الفتوي الطائشة في سياق حديث يجُلله نفاق واضح للحاكم اعتقد أن الرئيس في غني عنه، علي الأقل في هذه المرحلة التي تشهد قلاقل غير مسبوقة في مصر تعدت كل الخطوط الحمراء الخاصة بأمن مصر القومي وسلامة شعبها، ثم كانت مواكبة لحدث جلل وقع في تونس الشقيقة في أوضاع مشابهة إلي حد كبير للوقائع التي تجري عندنا.. وشاهد العالم بأسره كيف تم اغتيال رمز من رموز العمل السياسي والوطني شكري بلعيد علي خلفية تكاد تكون مطابقة لما اذاعه علينا الأخ الذي أفتي من منصة اعلامية تتخذ الدين إهابا. وبالرغم من أن الأهداف المرجوة من وراء أي حديث اعلامي يجب أن تكون محددة ومستقيمة ويجب أن يزن المتحدث كلامه بميزان دقيق اذا كان موضوع الحديث موضع خلاف وتصارعا سياسيا، أطرافه واضحة الاتجاه والخلاف بينها واضح للعيان غير خاف علي أحد، وما سمعناه جميعا هو واضح وجلي لايحتاج لنزعه من سياقه أو اجراء تحريف تقني لإلصاق التهمة بقائله، وأن من المنطقي أن يكون الرد علي أي فصيل معارض في حلبة السياسة من ساسة ومتحدثين بنفس اللغة ومن فوق ذات المنابر، وليس مقبولا أبدا أن يكون الرد علي الرأي السياسي من فوق منبر الفتوي باسم الدين. ولقد أسفت كثيرا عندما بدأ الحديث عن حد الحرابة يطفو علي السطح بصورة توحي بأن شيئا ممنهجا يتم الترتيب له للقضاء علي حرية الرأي والتظاهر الذي تتصاعد وتيرته الي طريق العنف مواكبا حالة من اليأس تلف المجتمع المصري كله الآن، لقد صرح بها خطيب الجمعة الذي اعتدت منه السماحة والاشراق في معظم خطبه، ورأيته في خطبة أمس الأول رجلا آخر يحتد ويدعو الي تطبيق حد الحرابة ويعرفه ويوظفه علي الطائفة التي توصف الآن بالمخربين والبلطجية الذين يهددون أمن مصر بما يقومون به من مظاهرات، انه المسجد الذي كان يداوم معنا علي الصلاة فيه الشهيد محمد كريستي. ان الشباب الذي قام بهذه الثورة يشعر أنه غُدر به وتم استلاب جهده ونضاله وتضحياته، وأصبحت اليوم فتوي طائشة يمكن أن تؤدي بحياته في اقل من طرفة عين، وأخشي أن يكون دم الشهداء »جيكا وكريستي ومحمد الجندي، ومن قبلهم الشيخ عماد عفت وغيرهم« قد صار تحت هذا المسوغ من فتن الفتوي.. ومن الأمور الأشد خطراً، أن يأتي اسم الأزهر في تعريف صاحب الفتوي بأنه يعمل مدرساً بكلية اللغة العربية، وهذا ما يدفعنا اليوم لكي أوضح حقيقة لكل مصري غيور علي دينه، ليس من شأن أي عامل بالأزهر أن يخرج علينا بالفُتيا، لأن للفتيا شروط، حتي شيخ الأزهر نفسه لا يمكن أن يتحدث عن قضية فقهية أو شرعية خلافية إلا من خلال مجلس عظيم الهيبة يمثل كبار العلماء يعرف بمجمع البحوث الاسلامية بالرغم من أن شيخ الازهر يرأس هذا المجمع، إلا أنه المرجعية التي يرجع إليها الشيخ في مثل هذه العظائم. واذا كنا نعيش أياما نحسات يعثر الرأي فيها، وعثرة الرأي تردي كما قال »حافظ«، فمن حقنا أن نعرف بالضبط ما مصير الذي يتنكب المنابر الإعلامية باسم الدين ويطلق الأحكام والفتاوي فيحرض علي هذا ويكذب هذا ويكفر من يشاء ويضفي القداسة علي من يشاء، من سيحمي هذا المجتمع الذي يموج بعضه في بعض، وتميد الأرض من تحت أقدامه فلا يعرف لها مُستقرا، أم أن هناك من يريد أن ينزع الهيبة عن الأزهر ورجاله فيدفع بصغار يلطخونه ويلوثونه بهذا الغرور والاستعلاء الممجوج. لابد من وقفة مع الضمير تحقن الدماء بدلاً من أن يستبيحها كلام مرسل غير مسئول، صدر عن الهوي، أم انهم يحتاجون إلي نبي الله »داوود« ليبين لهم عتاب القرآن في الخصم الذين تسوروا المحراب، كيف ارشده الله حتي لا يتبع الهوي في حكمه فيضله عن سبيل الله، وانها لضرورة ملحة أن يتوصل الازهر الشريف الي شكل وتدابير طارئة تقطع الطريق علي هؤلاء الذين يستغلون عنوان الازهر الشريف لتمرير ما يقولون وتبرير ما يفعلون، ولعل الذين يعرفون الحق ويتحرون سبيله ان ينقذوا مصر وشعب المسلمين جميعا من ضلال الأهواء.