أن يهاجم محمد حسنين هيكل المملكة العربية السعودية، فليس في الأمر غرابة، أو اندهاش. فالموقف يعود إلي تاريخ طويل، بدأ منذ الخمسينيات من القرن الماضي . اتسم بالعداء والنقد والهجوم، آخرها ما قاله في حواره علي إحدي القنوات الفضائية الخاصة، عندما اتهم السعودية بأنها تعادي ثورة 25 يناير، وكل ثورات الربيع العربي. ولكن ما يستحق التوقف، ويثير الاندهاش، ،أن الأستاذ هيكل لم يقدم دليلا واحدا أو معلومة صحيحة، تؤكد ما ذهب إليه. والرجل يعشق الوثائق، ويتفاخر بما يملكه من معلومات .والعجيب في الأمر، أن الشواهد والمواقف، قد تنفي تماما مقولة هيكل، وتتناقض بشكل كامل معها، ويمكننا أن نتوقف عند بعضها: أولا: لا أحد ينفي، وجود علاقة متشعبة بين القيادة في السعودية، والرئيس المخلوع، خاصة ان فترة حكمه امتدت ثلاثة عقود كاملة. كان هناك تنسيق في المواقف بين الطرفين. ولكن الحقائق تؤكد، ما ذهب إليه السفير أحمد قطان سفير السعودية في القاهرة، والمندوب الدائم للمملكة بالجامعة العربية، وهو أحد أهم وأنشط الدبلوماسيين العرب بالقاهرة، عندما أكد في أكثر من مناسبة، وبدأها في حوار منذ أشهر" للأخبار"،بأن العلاقة مع مبارك انتهت يوم 11 فبراير. منذ خروجه من السلطة. ولم يحدث أن تدخلت المملكة، في أي شأن يخص مبارك، أو في أي أمر يتعلق بالشئون الداخلية لمصر، ثانيا: لم يسجل علي الإطلاق، أي تصريح رسمي، علي لسان أي مسئول سعودي، طوال العامين الماضيين، في أي انتقاد لثورة 25 يناير. بل علي العكس، قيل كلام مهم علي لسان مسئولين، في المقدمة منهم الأمير سعود الفيصل. من قبيل أن ما حدث في مصر يمثل اختيارا شعبيا وعلي الجميع أن يحترم تلك الاختيارات. وأتذكر أنني سألت الأمير سعود الفيصل، في مؤتمر صحفي، في نهاية أعمال القمة الخليجية السابقة في الرياض .عن خلو البيان الختامي للقمة، سوي من إشادة بالمرحلة الثانية من الانتخابات البرلمانية، انه أجاب بان أحدا لا يمكن أن يزايد علي حبنا لمصر. ورغبتنا في استقرارها. وعدد لي عددا من الخطوات التي قامت بها المملكة، في دعم مصر فيما بعد الثورة. ثالثا: إن الحديث عن مخاوف سعودية، من تأثير الربيع العربي علي استقرارها وأمنها، أو إمكانية وصول قطار التغيير لها، مجرد أوهام ومزاعم، ليس لها أي أساس. فهناك أسباب موضوعية، دفعت الشعب التونسي، والمصري، والليبي، واليمني، إلي الثورة، والسعي للتغيير. منها الظلم الاجتماعي، والفقر، والفساد، وغياب الديمقراطية.، وهي أمور بعيدة كل البعد عن الواقع السعودي، خاصة ان التواصل مستمر بين الأمراء، وحكام المناطق، وأفراد الشعب، من خلال مجالس دائمة. يتاح خلالها طرح المطالب، وعرض المظالم وحل المشكلات.كما ان هناك برنامجا إصلاحيا شاملا بدأ مع تولي الملك عبد الله المسئولية. رابعا: لم تمر سوي شهرين علي الثورة، حتي بدأ البلدان مناقشات مستفيضة، حول برنامج سعودي لدعم الاقتصاد المصري. وهو ما تم الإعلان عنه رسميا في يونيو 2011. وأهمية تحديد التاريخ، أن البرنامج جاء في وقت، لم تكن الأمور علي الصعيد السياسي قد تبلورت. ولم يكن معروفا من سيحظي بالأغلبية؟ ومن سيفوز بالرئاسة؟ مما يؤكد صدق المقصد السعودي، من انه يمثل دعما اقتصاديا لمصر الدولة والكيان. ويستهدف الشعب المصري .والبرنامج متنوع مابين 500 مليون دولار منحة. ومثلهم قرض ميسر وشراء سندات حسب شروط الطرح العام . ودعم للميزانية العامة المصرية .وتقديم قرض ميسر من الصندوق السعودي للتنمية بقيمة 500 مليون دولار .وتخصيص مبلغ 200 مليون دولار كمنحة تودع بصندوق، أو حساب دوار للمشاريع الصغيرة والمتوسطة. وخط ائتمان لتمويل الصادرات السعودية لمصر بمبلغ 750 مليون دولار، خصص منها 250 مليونا للمشتقات البترولية. والخطوات التنفيذية للبرنامج تسير علي قدم وساق. خامسا: أشار أحدث تقرير للهيئة العامة للرقابة، علي الصادرات والواردات في مصر. الي أن السعودية تحتل المركز الأول، في قائمة الدول المستوردة للمنتجات المصرية. منذ بداية العام الماضي، وحتي نهاية شهر نوفمبر 2012 وبلغت أكثر من 10 مليارات جنيه بنسبة نمو7٪، مقارنة بعام 2011 .كما تشير أرقام الهيئة المصرية للاستثمار، إلي أن السعودية تتصدر قائمة المستثمرين العرب .حيث ارتفع رأس المال المصدر للشركات السعودية الجديدة، إلي حوالي 9 مليارات جنيه خلال الشهور العشرة الأولي من العام الماضي .ووصل عدد الشركات التي تم تأسيسها خلال تلك الفترة 939 السعودية منها 130. والحكم في النهاية للقراء، هل هذه مواصفات دولة تعادي ثورة ؟فتقوم بدعم الاقتصاد، وزيادة حجم الاستثمار بها. ونقول للأستاذ هيكل، كلامك يفتقد الدقة، واتهامك ينقصه الدليل. وجوه عمانية.. يزور مصر خلال الأيام القادمة وزير الإعلام العماني الدكتور عبد المنعم بن منصور الحسني .الذي التقيت به منذ أشهر واعتقد صادقا بأنه "الرجل المناسب للمهمة المناسبة". والسيرة الذاتية له تؤكد ما أقول. فقد جاء من جامعة السلطان قابوس إلي الوزارة. في انحياز واضح في سلطنة عمان للتكنوقراط. وقد سادت حالة من التفاؤل، بعد تكليفه بالمهمة، وتوليه الوزارة. في الوسط الإعلامي والصحفي العماني، خاصة انه ضخ دماء جديدة، وشابة، في المجالات المختلفة. وتأكيده أن الدولة تكفل الحرية المسئولة للصحافة والإعلام. مشيرا إلي أن المرحلة التي تمر بها السلطنة، تحتاج إلي شفافية الإعلام. وتبوئه دوره الحقيقي، في المجتمع. وكشف النقاب، عن أن الجهات المعنية، تعكف حاليا علي صياغة استراتيجية إعلامية. تحدد المطلوب من الإعلام في المرحلة القادمة، وأهدافه، وآليات عمله .كما تقوم أيضا بمراجعة دقيقة للقوانين، والتشريعات التي تنظم العمل الإعلامي. داعيا الصحفيين العمانيين، إلي القيام بدورهم الحقيقي، مع مراعاة أسس الحرية المسئولة.