محمود حبىب كنا في الماضي وخاصة في القري والريف نحافظ علي مشاعر الآخرين، وكانت القرية أشبه بعائلة واحدة، وربما بعض القري المجاورة.. ديدن ابنائها احترام الكبير وتوقيره، وحب الصغير ورحمته. والمرأة خط أحمر.. مشاركة أهل القرية بعضهم بعضا في الافراح والاتراح، وتبادل الاطعمة المطهية في المنازل بين الجيران. والمجلس العرفي جلسة الرجال كانت تعد بديلا عن أقسام ومراكز الشرطة. كانت القرية مصنعا لتصدير الأخلاق الفاضلة النبيلة إلي المدينة، التي كانت ومازالت غارقة في الاضواء والضوضاء، والاجواء المهزوزة، والأفكار المغلوطة، وانعدام الوفاء بين ابنائها بعضهم بعضا. ولذلك عمالقة الفكر والأدب والدين معظمهم من أبناء الريف والصعيد، واخترت واحدا من ابناء ريف مصر ودار أخبار اليوم هو الكاتب والمفكر خريج كلية اللغة العربية جامعة الأزهر ورائد الأدب الشعبي محمد فهمي عبداللطيف الذي لم يتذكره من أبناء دارنا الحبيبة أخبار اليوم أحد!! رحمه الله تعالي. كان فهمي عبداللطيف نائبا لرئيس تحرير الأخبار وفي بداية عملي بالأخبار ظللت مع عم فهمي كما كانوا يطلقون عليه حوالي أربعة أعوام بجانب عملي الصحفي حيث كان يملي عليّ اليوميات التي كان يكتبها كل أربعاء خلفا لعباس محمود العقاد، والمقال الافتتاحي للاخبار يوميا تحت عنوان »كلمة اليوم« فتعلمت منه وعلي يديه الكثير.. وأذكر بعضا مما شاهدت. كان الاستاذ مصطفي أمين »رحمه الله« ينزل من الدور التاسع إلي صالة التحرير بالمبني القديم ويقول: يا عم فهمي هل مقالي يصلح للنشر أم أكتب . غيره، وأيضا الاستاذ موسي صبري كان يقول كذلك.. كما أن الاستاذ موسي بعد وفاة عم فهمي كتب مذكرة للدكتور فؤاد محيي الدين رئيس الوزر في اء ذلك الوقت لعمل معاش استثنائي لارملة عم فهمي لأنه لم يكن معينا في الأخبار وليس له معاش لأنه كان يعمل بالمكافأة.. قمة الوفاء بين الناس. صحفي من الأزهر وبما أنني كنت ملاصقا لعمي فهمي فقد عرفت عنه الكثير وأجريت معه حواراً لعمل كتاب عنه وكان هو يعلم ذلك وعندما اتممت الكتاب الذي كان بعنوان »صحفي من الأزهر« وبعد وفاته أعطيت مادة الكتاب للدكتور حمادة نجل عم فهمي وعرضه علي الاستاذ موسي الذي قرأه سريعا ووافق علي طبعه في سلسلة كتاب اليوم وأرسله للجنة الخاصة بذلك كاجراء شكلي للطبع فاعطته اللجنة لاحد تلاميذ عمي فهمي ليقرأه ويكتب عنه تقريرا »رحم الله عم فهمي والتلميذ معا« فكتب يقول: إن مؤلف الكتاب غير معروف »رغم أن أي مؤلف لم يولد مؤلفا« ثم قال ان صاحب السيرة »وهو عم فهمي« كان يبالغ في كتاباته يعني شوه صورة الرجل وهدم تاريخه الصحفي والادبي مما تسبب في عدم طبع الكتاب لأن الاستاذ موسي كان قد توفي قبل هذا التقرير. ذهبت إلي سكرتيرة الاستاذ موسي المحترمة فبحثت معي في الأوراق الموجودة علي مكتبها وعثرت علي التقرير بخط يد هذا الانسان. وطبعت الكتاب خارج الدار بمساعدة الزميل الكاتب الصحفي الاستاذ أحمد السيوفي جزاه الله خيراً. وكتب عن هذا الكتاب الكاتب الصحفي الاستاذ سعيد إسماعيل وعدد قليل من كبار كتاب المؤسسة.. وأرسلت نسخة من الكتاب إلي من كتب تقريره وتسبب في عدم طبعه ولم يكتب عنه شيئا سامحه الله ورحمه. ان صفة الوفاء تلاشت من حوالي 08 ٪ من شعبنا.. لماذا!! لأن أوصر العلاقات الانسانية علي وشك الانقراض، وصلة الرحم أيضا »للاسف« في طريقها للانتهاء.. فهل آن الاوان وخصوصا بعد ثورتنا المباركة في 52 يناير 1102 أن نستعيد كل الصفات الجميلة مثل الوفاء والتراحم والتواصل والتزاور والحب والاحترام وخصوصا احترام الكبير والرحمة بالصغير، والوئام الاسري لحديث رسول الله »صلي الله عليه وسلم« »ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا..« أرجو أن يتحقق ذلك. علي مقهي فعولن أرسل لي الصديق الكاتب الساخر المهندس ياسر قطامش كتابا بعنوان »عجائب الاشعار في الجد والهزار« فاخترت قصيدة بعنوان »علي مقهي فعولن« ومقدمتها تقول: بعد سفر طويل عاد الشاعر إلي معشوقته القاهرة فرآها أمامه فاتنة فقال لها: تحبينني.. أم يا تري أنت ساحرة: سحرت فؤادي واستبحت مفاخره ! تجيئين في ثوب الضياء لمقلتي: وألقاك في ليل المسرات ساهره . هوي الفاطميات الحسان يشدني: وفي سوق أشعاري نجومي زاهره المؤسسة