الرئيس السيسي يتفقد سيارات "سيتروين C4X" المصنعة محليًا.. ويؤكد دعم توطين الصناعة وزيادة التصدير    شاهد بالصور والفيديو | كشف أخطر وكر تجسس في إيران.. ضبط متفجرات ومسيّرات داخل مبنى استخدمه عملاء الموساد بمدينة ري    مدرب بوكا: نركز على بنفيكا والتأهل يمر عبر أوروبا    ضبط طن سماد زراعي مدعم خاص بوزارة الزراعة محظور بيعه أو تداوله بالفيوم    محافظ أسوان يترأس الإجتماع التنسيقى الموسع لتهيئة الأجواء المناسبة لطلاب الثانوية العامة    ذكريات تترات الدراما تضيء المسرح الكبير.. ليلة حنين وعشق للدراما المصرية بالأوبرا    فيلم "ريستارت" يحصد 1.6 مليون جنية ضمن إيرادات أمس    رابط الاستعلام عن المقبولين بوظيفة معلم مساعد العلوم وموعد امتحاناتهم    «درس جيد للجميع»| «بيسكوف» يصف رد الفعل الدولي على الهجمات الإسرائيلية    السوداني: حكومة الاحتلال لا تعترف بالقوانين الدولية وترتكب الجرائم منذ السابع من أكتوبر 2023    تموين الأقصر: صرف 37 مليون رغيف و1708 أطنان دقيق مدعم في أسبوعين    انطلاق البرنامج الصيفي بقصر ثقافة أحمد بهاء الدين بأسيوط    طريقة عمل كفتة الفراخ، فى خطوات بسيطة    محافظ المنوفية ورئيس الجامعة يفتتحان المعهد الفني للتمريض الجديد بمنشأة سلطان    النائب حازم الجندي: مبادرة «مصر معاكم» تؤكد تقدير الدولة لأبنائها الشهداء    تنسيق الجامعات.. 6 أقسام متاحة لطلاب الثانوية ب حاسبات حلوان    مصرع طفل أسفل عجلات قطار الصعيد عند مزلقان دماريس بالمنيا    «استئناف المنيا» تؤيد عقوبة الإعدام شنقًا ل قاتل عروس بني مزار    اليوم .. محاكمة 15 متهمًا بالانضمام لجماعة إرهابية في مدينة نصر    «التنظيم والإدارة» يتيح الاستعلام عن موعد امتحانات المتقدمين لشغل 3500 وظيفة معلم مساعد مادة العلوم    الكرملين: روسيا مستعدة للوساطة بين إيران وإسرائيل    الاتحاد الأوروبي: ملتزمون بتكثيف الجهود لتهدئة الصراع بين إيران وإسرائيل    «وحشتنا القاهرة».. إلهام شاهين تعلن عودتها من العراق    وزير الثقافة: لا مساس بحرية الإبداع.. والتوصيات تركز على جودة المحتوى ودعم الإنتاج والتوزيع الدرامي    ما هي علامة قبول الطاعة؟.. أستاذ بالأزهر يجيب    كيف تنظم المرأة وقتها بين العبادة والأمور الدنيوية؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    إسرائيل تستعد لإطلاق رحلات جوية لاستدعاء العسكريين والعاملين في الصناعات الدفاعية من الخارج    «الصحة»: الدولة تسير في مسار مالي لتحفيز الأطباء وتحسين بيئة العمل بالمستشفيات الحكومية منذ 11 عامًا    محافظ المنوفية يدشن قافلة طبية متكاملة بمنشأة سلطان ضمن احتفالات العيد القومي    المصرف المتحد سابع أكبر ممول لإسكان محدودي ومتوسطي الدخل ب3.2 مليار جنيه    «هيئة الدواء» تقدم.. نصائح لتقليل الإصابة بمرض النقرس    عميد «علوم سياسية الإسكندرية» يُكرّم الملحقين الدبلوماسيين الجدد من خريجي الكلية (صور)    شوبير يكشف سبب تبديل زيزو أمام إنتر ميامي وحقيقة غضبه من التغيير    رئيس مجلس النواب يضع مجموعة قواعد لمناقشة مشروع خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية    محافظ سوهاج يدعو المواطنين للإبلاغ عن وقائع الغش في امتحانات الثانوية العامة بالأدلة    توقيع عقد ترخيص شركة «رحلة رايدز لتنظيم خدمات النقل البري»    رياح وأتربة وحرارة مرتفعة.. الأرصاد تكشف تفاصيل طقس اليوم الاثنين    القبض على 3 متهمين بسرقة كابلات من شركة بكرداسة    أسعار النفط تقفز وسط تصاعد المخاوف من تعطل الإمدادات    أحمد السقا يرد برسالة مؤثرة على تهنئة نجله ياسين بعيد الأب    بدء تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع جنة بالمنصورة الجديدة.. 6 يوليو    محافظ أسوان: 14 ألف حالة من المترددين على الخدمات الطبية بوحدة صحة العوضلاب    الينك الأهلي: لا نمانع رحيل أسامة فيصل للعرض الأعلى    الاثنين 16 يونيو 2025.. البورصة المصرية تعاود الارتفاع في بداية التعاملات بعد خسائر أمس    أحمد فؤاد هنو: عرض «كارمن» يُجسّد حيوية المسرح المصري ويُبرز الطاقات الإبداعية للشباب    الرئيس الإيراني: الوحدة الداخلية مهمة أكثر من أي وقت مضى.. ولن نتخلى عن برنامجنا النووي السلمي    انتصار تاريخي.. السعودية تهزم هايتي في افتتاحية مشوارها بالكأس الذهبية    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الاثنين 16-6-2025.. هبوط كبير تجاوز 900 جنيه    "عايزة أتجوز" لا يزال يلاحقها.. هند صبري تشارك جمهورها لحظاتها ويكرمها مهرجان بيروت    مدرب بالميراس يتوعد الأهلي قبل مواجهته في مونديال الأندية    بعد تعرضها لوعكة صحية.. كريم الحسيني يطلب الدعاء لزوجته    3 أيام متواصلة.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والبنوك والمدارس (تفاصيل)    عمرو أديب: كنت أتمنى فوز الأهلي في افتتاح كأس العالم للأندية    "بعد لقطة إنتر ميامي".. هل يلقى حسين الشحات نفس مصير محمد شريف مع الأهلي؟    مجموعة الأهلي| شوط أول سلبي بين بالميراس وبورتو في كأس العالم للأندية    هل الزيادة في البيع بالتقسيط ربا؟.. أمين الفتوى يرد (فيديو)    إيران تعلن اعتقال عنصرين تابعين للموساد الإسرائيلى جنوب طهران    أمين الفتوى: الله يغفر الذنوب شرط الاخلاص في التوبة وعدم الشرك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسامة أحمد شاكر..نموذج رائع لأبناء العلماء
نشر في المصريون يوم 03 - 04 - 2010

قلَّ أن تجد في عصرنا هذا من يموت من العلماء فيحرص أبناؤه على تبليغ رسالته والعناية بما خلَّفه من علم نافع ، فالكثير من أبناء العلماء لا يأبهون لما ورثوه فيتركونه عرضة للإهمال والضياع . ويقابل هذا العقوق عقوقًا آخر أشد وأنكى هو أشد إيلامًا ويدل على ضياع قيمة الوفاء حين يكون صادرا من من أصحابه وتلاميذه ، ورحم الله الإمامَ الشافعيَّ حين قال عن الإمام الليث بن سعد " الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به " . وإذا كنا نتحدث عن العلماء ومن يقوم بعدهم بنشر تراثهم من الأبناء والأصحاب والتلاميذ فنحن اليوم أمام رجل من طراز رفيع ، أخذ من البر بحظ وافر ، وبارك الله في عمره فعن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من أحب أن يُبسط له في رزقه ، ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه ) متفق عليه . فلم يكن بارًّا بوالده فحسب بل وبجدِّه وأعمامه في الحياة وبعد الممات ، فحرص على نشر ما تركوه ورعاه أتم رعاية ، وحق له ذلك ؛ فهو سليل أسرة علمية قلَّ أن تجد لها نظيرًا في عصرنا الحاضر ، هو الأستاذ أسامة أحمد شاكر الذي رحل عن دنيانا الخميس الماضي 25 / 3 / 2010م .
والذي دعاني للحديث عنه أولا : الوفاء والعرفان له ولأبيه العلامة المحدِّث أحمد محمد شاكر الذي أحبه كثيرا فهو صاحب أشهر مدرسة علمية في نشر التراث في العصر الحديث ، يكفينا أن نذكر من ثمراتها علمين من أشهر شوامخ المحققين الكبار هما : شقيقه الأصغر الأستاذ الأديب الكبير محمود شاكر ، وابن خاله العلامة الكبير عبد السلام هارون ، رحمهم الله .
وثانيا : لنشر قيم البر الأصيلة التي رأيتها في معاملاته وسلوكه تجاه أبيه وجده وأعمامه في وقت نحن أحوج ما نكون فيه لتعريف أبنائنا بهذه النماذج الرائعة . من هنا كانت هذه اللمحات السريعة من حياته ؛ لعلها تساهم في التعرُّف على جوانب مهمة من حياة هذه الأسرة العلمية الطيبة .
* * *
- ولد الأستاذ أسامة شاكر - رحمه الله - في 18 يناير سنة 1919م ، وسمَّاه والده باسم ثلاثي مرَّكب هو : محمد أسامة المعتز . ويعدُّ - رحمه الله - الحفيد الأكبر لجده العلامة محمد شاكر من أكبر أولاده الشيخ أحمد شاكر . وهو يشبه في صورته وصوته الأستاذ عبد الوهاب المسيري رحمه الله كما أن أخاه محمود الفرناس – رحمه الله - إذا رأيته فكأنك رأيت الشيخ أحمد شاكر فهو يشبهه تماما .
- تخرج أسامة شاكر من كلية التجارة ( قسم العلوم السياسية ) عام 1945م ، وواصل دراسته العليا للماجستير ولم يكملها لتغيير موضوعه فيها الذي أراده لنفسه عن القضية الفلسطينية ولم يوافق عليه ، كما سيأتي .
- كان مديرًا عامًّا للمصروفات ( الشؤون المالية ) بديوان عام محافظة القاهرة .
- بعد أن نُقل الشيخ أحمد شاكر قاضيًا بمحكمة الإسماعيلية سنة 1928م ألحق أسامة شاكر بمدرسة الإسماعيلية الابتدائية ( حيث كان بالسنة الثالثة الابتدائية ) وكان مدرسه للغة العربية ذلك الوقت الشيخ حسن البنا رحمه الله . يقول أسامة شاكر : ( ولمَّا علم الشيخ حسن البنا أنني ابن الشيخ أحمد شاكر طلب مني استئذان الوالد في زيارته فأجابه إلى طلبه ، وتناقش معه في الدعوة إلى الأخذ بالكتاب والسنة ، فشجعه الوالد على ذلك ، على أن تكون الدعوة عن طريق مقارعة الحجة بالحجة ، واستمر اتصالهما بعد انتقالنا إلى القاهرة سنة 1932م للإقامة مع جدي الشيخ محمد شاكر ، وبعد ذلك حينما لمس والدي انحراف فئة من الإخوان المسلمين إلى الالتجاء إلى العنف انقطعت صلته بالشيخ حسن البنا ونصحه مرارا بإبعاد هذه الفئة من الجماعة ، فلم يعر ذلك أي اهتمام واضطر أخيرا إلى كتابة مقاله سنة 1948 – 1949 بعنوان " الإيمان قيد الفتك " ، وهو من أجرأ ما كتبه الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله - في أعقاب مقتل محمود فهمي النقراشي باشا – تعرض فيه للقتل السياسي ، وذكر فيه أن الله - سبحانه - توعد أشد الوعيد على قتل النفس الحرام .. ) .
- وهنا وقفة مهمة للغاية ودراسة مهمة تستحق العناية للأستاذ أسامة شاكر تجيب على سؤال كيف ضاعت أراضي فلسطين وكيف استولى عليها اليهود إلى جانب أنها تطلعنا على مدى تأثره بالقضية الفلسطينية إلى الحد الذي جعله لا يكمل دراسته العليا في مرحلة الماجستير .
يقول رحمه الله : إنه في أثناء دراسته بكلية التجارة – جامعة فؤاد الأول ( القاهرة حاليا ) سنة 1944/ 1945 حيث كان بالسنة الرابعة ( قسم العلوم السياسية ) لنيل درجة البكالوريوس قامت الكلية برحلة لفلسطين كان برفقته فيها زملاؤه السفير أشرف غربال – سفير مصر الأسبق بأمريكا ومحمد رياض محمود رياض وزير الدولة للشؤون الخارجية الأسبق ، وقد كان السفر بالقطار عن طريق الجولان ، وبعد أن وصلوا القدس يقول : ( صلينا بالمسجد الأقصى وقبة الصخرة ، وزرنا مُدُنًا ، منها الخليل ورام الله وبيت لحم .. وفي الطريق زرنا عدة بلاد أخرى صغيرة ، واجتمعنا مع زعمائها وقادتها ، وقد استفسرنا منهم عما يشاع من أنهم يبيعون أراضيهم لليهود ، فقالوا : إن هذه ليست الحقيقة ؛ لأن الحقيقة المرة خافية عن المسئولين بالدول العربية الأخرى ، ولكن تلك الإشاعات يروجها الصهيونيون لضرب العرب بعضهم بالبعض الآخر ثم الإشاعة بأن وعد بلفور هو بدء المشكلة الفلسطينية ، ولكن الواقع أن وعد بلفور هو بداية النهاية للمشكلة الفلسطينية وليس بدايتها . أما بدء المشكلة ؛ فإنه بعد دعوة " هرتزل " قبل سنة 1900 بإنشاء وطن قومي لليهود من النيل إلى الفرات قام المليونير الصهيوني " روتشلد " بالحضور إلى مصر لمحاولة إنشاء بنك في مصر لتمويل قروض أصحاب المزارع المصريين ، فرفض الخديوي عباس حلمي الثاني ، فقام " روتشلد " باستغلال سذاجة سلطان الدولة العثمانية آنذاك باقتراح إنشاء هذا البنك فأنشئ البنك العثماني الذي أنشأ فروعا متعددة له على أرض فلسطين لإقراض المزارعين السذج . وكانت شروط القروض في ظاهرها سخية ، ولكن في حقيقتها مصيدة لهم إذ كانت أهم شروط البنك قيام البنك العثماني بإقراض ملاك الأراضي الزراعية مقابل رهن أراضيهم أمام شروط سخية ، أهمها – وهي الأخطر – أن تكون فائدة القروض بسيطة ، وشروط السداد حينما يتيسر للمقترض الساذج ، أو عند طلب البنك سداد القرض ، ومن سذاجة أصحاب الأراضي حصلوا على قروض كثيرة ) .
ويتابع قائلا : ( ثم بعد وعد بلفور بدأ التخطيط الصهيوني للاستيلاء على الأراضي والمدن الفلسطينية ، فكان الصهيونيون – بالاتفاق مع إدارة البنك يحددون للبنك العثماني الأماكن المطلوب الاستيلاء عليها ، فيقوم البنك بمطالبة أصحاب الأراضي المحيطة بالبلدة - في أول الكردون من الخارج – من جميع نواحيها ( المدينون ) بسداد القروض فورا طبقا للشروط بأن يتم السداد عند الطلب مع تحديد فترة زمنية قصيرة لسداد القروض ، وطبعا يعجز المدينون عن السداد ، فيقوم البنك بمصادرة الأراضي وتسليمها لليهود مقابل سداد القيمة فيستولي اليهود على جميع الأراضي فيحاصرون البلدة بأكملها من الخارج ويمنعون أصحاب الأراضي الأخرى داخل كردون المدينة من تصريف منتجاتهم حتى يتعرضوا للإفلاس ، فيتدخل البنك بالمطالبة بالقروض ثم تتم مصادراتها وتسليمها لليهود لإنشاء مستعمرات ( التي كانوا يطلقون عليها كيرين كيميت وكيرين هيزود وهي كلمات عبرية لا أذكر معناها ) وبذلك ضاعت أراضي العرب . ثم يطلق الصيونيون إشاعاتهم بأن العرب الفلسطينيين هم الذين يبيعون لهم أراضيهم عن طيب خاطر ، ويترتب على ذلك أن الدول العربية الأخرى يتهمونهم بالخيانة ) .
يذكر الأستاذ أسامة أنه تعمد دراسة هذه الوقائع ؛ لأنه كانت لديه رغبة في دراسة الماجستير في العلوم السياسية عن فلسطين . يقول : ( وفعلا عندما أنهيت دراسة الماجستير ( السنة الثانية في مايو 1947 ) كنت قد أبلغت الكلية بموضوع الرسالة وبدأت إعدادها ، وفوجئت بعد فترة باستدعائي لمقابلة عميد الكلية آنذاك حسين كامل سليم - رحمه الله – ولما قابلته أبلغني بأن هناك تعليمات ( التي تسمى الآن توجيهات ) بعدم إعداد تلك الرسالة أو الخوض في تلك المشكلة إطلاقا ، وأنبأني بأنهم قد اختاروا لي موضوعا آخر وهو " البترول وأثره في التنافس السياسي والاقتصادي بين انجلترا وروسيا في إيران " فاعترضت على ذلك وقلت له : " الأفضل أن نتعرض لمشاكلنا قبل التعرض لمشاكل الغير " ، فأصرَّ على رأيه .
يقول أسامة شاكر : ( ولكنْ نظرًا لأننا قد تربينا على أن يكون المرء صُلب الرأي – طالما هو مقتنع به – لا يحني رأسه لأحد ، فقد رفضت إعداد الرسالة التي حددتها الكلية لي في موضوع لا أرغب أن أكتب فيه ، وكثرت مكاتبات الكلية لي ، وآخرها أنهم سيلغون موضوع الرسالة ، فلم أرد عليهم وأهملت الموضوع ) .
كما يؤكد أن صراحته ومواقف جده الشيخ محمد شاكر وكيل الأزهر الأسبق من القصر الملكي كانت سببا في استبعاده وعدم تعيينه بوزارة الخارجية ، في الدفعة التي عين فيها باقي الزملاء ، أشرف عبد اللطيف غربال وإسماعيل فهمي ، ومحمد رياض محمود رياض ، وذلك حين سئل عن رأيه في مشكلة فلسطين ؟ فأجاب بمنتهى الصراحة : إنه طالما أن هناك فُرقة بين العرب فسينتهي الأمر إلى أن تقسم فلسطين إلى دولتين ؛ دولة صهيونية ودولة فلسطينية ( إن أنشئت ! ) وقد صدقت توقعاته !
* * *
- وهو معجب جدًّا بجده الشيخ محمد شاكر وكيل الأزهر الأسبق وشيخ علماء الإسكندرية وقاضي قضاة السودان ، ودوره الكبير في إصلاح المحاكم الشرعية ، وفي وضع خُطَط التعليم بالأزهر . ودائما ما يحكي لنا قصة هو أحد الشهود عليها ، وأنه كان حاضرا وقائعها سنة 1933 ، وهي قصة رفض الشيخ محمد شاكر – رحمه الله - التعيين شيخا للأزهر في أعقاب أزمة الشيخ الظواهري ، وعلل رفضه لأسامة بأنه تعيين أصطدم فيه مع الأزهريين بعد تنفيذ رغبات الملك ثم يتم إقالتي من منصبي وذكر له أسبابا أخر.
- وأشد أبحاث والده الشيخ أحمد شاكر إعجابا عنده هو بحث الشيخ أحمد شاكر في إثبات أوائل الشهور العربية وهل يجوز شرعًا إثباتها بالحساب الفلكي ؟ فيستعرض معك الأدلة التي ساقها والده ويزيد لك عليها .
- كان - رحمه الله - الساعد الأيمن لأبيه في حياته ، يكتب له أبحاثه على الآلة الكاتبة في ذلك الوقت . وقد أعطاني قائمة مهمة بمؤلفات والده كان قد كتبها عام 1956م ( قبل وفات والده بعامين ) وعليها توقيع الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله - . كا كان يترجم له بعض الأشياء من الكتب التي تفيده مثل طبعات المستشرقين وغيرهم . فهو رجل مثقف جدًّا يتحدث في كثير من المجالات بعلم وخبرة .
ومع عنايته بأبيه حيًّا فقد كان نعم الابن البار لمراعاة تراث أبيه بعد وفاته فقد تعرفتُ عليه منذ 25 عاما تقريبا عن طريق أخيه الفاضل محمود الفرناس - رحمه الله - ( توفي عام 2001م ) ، والذي كان يعمل بهيئة قناة السويس ويسكن بالإسماعيلية معنا . فوجدتُ منه حماسًا منقطع النظير ، فعرفته بصديقي الشيخ شرف حجازي - رحمه الله - صاحب دار الكتب السلفية ( السنة حاليا ) والشيخ عبد الفتاح الزيني ، فأثمر الأمر عن طبع الكثير من مطبوعات الشيخ آنذاك . وفي الوقت نفسه إشرافه المستمر على طبع بعض كتب الشيخ في دار التراث بشارع الجمهورية لصاحبها الحاج إسماعيل عبيد - رحمه الله - . كما صنف كتابا سماه ( من أعلام العصر ) طبعه على نفقته الخاصة ، وأهداني منه نسخة عليها توقيعُه ، ترجم فيه لأبيه وجدِّه الشيخ محمد شاكر وعمّه العلامة الأديب الكبير الأستاذ محمود شاكر - رحمهم الله جميعا - .
* * *
لقد استفدت كثيرا منه - رحمه الله - في دراستي عن الشيخ أحمد شاكر ومعرفة جوانب كثيرة من حياته وأعماله ، بما قدم لي من أوراق وكتب خاصة أفادتني جدًّا .وحين كنت أزوره أرى فيه جدية كبار السن في الزمن الماضي من الالتزام بالمواعيد بدقة ، والحرص على إعطاء كل ذي حق حقه ، ولكثير من الأمور المهمة التي فرّط فيها للأسف الكثير من الناس اليوم .
- زرته آخر مرة في العام فبل الماضي بمنزله بروكسي بمصر الجديدة ، وكان بصحبتي ولدي الصغير أسامة أشرف ، ولما وصلنا للبيت وجدتُه بانتظاري ولمحتُ في عينيه شيئا مهمًّا ، وكان كعادته بجواره الكثير من الجرائد اليومية التي يحرص على مطالعتها فرحَّبَ بنا ولاطَفَ أسامة الصغير لما عرف أنه سَمِيُّه ، ودار حديثه عن سن التسعين ، وأنه سيكمل هذ العام التسعين . ولم يبق في العمر بقية . ويومها أحسست بأنه يودعني حيث أعطاني الكثير من النُّسَخ الشخصية لبعض مؤلفات الشيخ أحمد شاكر ، وعليها استدراكاتٌ له وأوراقًا خاصة لأستعين بها في دراستي عنه وفي طباعتي لبعض أعماله التي اتفقنا معه على طبعها ، كان منها تقرير مهم كتبه الشيخ أحمد شاكر ناصحًا الملكَ عبدَ العزيز عن " التعليم والقضاء " نشرتُه في حينه . كما رأيت منه إصرارًا عجيبا في حثي على نشر تراث جده الشيخ محمد شاكر - رحمه الله - والذي ظلم كثيرا فاتفقتُ معه على ذلك وأعطاني إذنًا بطبع أعماله .
وحديثه – رحمه الله - عن سن التسعين يذكرني بِسَمِيِّه الأمير المجاهد مؤدب الصليبيين أسامة بن منقذ - الذي أحبه الشيخ أحمد شاكر كثيرا ، وكم كان يتمنى أن يعد كتابا عنه وعن أسرته – فقد عاش ما يقارب 96 عاما ، وألف كتابه العظيم ( لباب الآداب ) - الذي حققه الشيخ أحمد شاكر ونشر سنة 1935م - وهو فوق سن التسعين . ومن تأثر أسامة شاكر بوالده وحبه لهذا الأمير المجاهد فقد سَمَّى أحد أبنائه ( أحمد منقذ ) .
- آخر اتصال بيني وبينه كان في رمضان الماضي عندما اتصل بي أستاذ الحديث الدكتور أحمد معبد - حفظه الله - ليبلغني بأن جائزة الأمير نايف للسنة النبوية قد كانت من نصيب الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله - ( بعد نصف قرن من وفاته ) وتريد لجنة الجائزة أحدًا من أبنائه ليستلم الجائزة ، فاتصلتُ به وبلغته الخبر ففرح وقال لي : أعطهم تليفوني ليتصلوا بي لأنسق معهم .
- وفي يوم الخميس الماضي كنت أواصل بعض الأبحاث التي تتعلق بالشيخ أحمد شاكر فجاء على بالي وهممت بالاتصال به لأطمئن عليه ، فأحسست بوجل أن يقال لي شيء .. فأرجأته للغد ، وفي صباح الجمعة وأنا أطالع الأهرام وجدت نعيا له لوفاته بالأمس الخميس 25 / 3 / 2010 فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون !
* * *
رحم الله الأستاذ أسامة شاكر وأسكنه فسيح جناته ، ورحم أباه العلامة المحدث الشيخ أحمد شاكر ، ورحم الله جده العلامة محمد شاكر وعمّه الأديب الكبير محمود شاكر وعمّه الشيخ علي شاكر – الذي عاون الشيخ أحمد شاكر واشترك معه في إخراج وتصحيح الكثير من الكتب - و خاله العلامة الشيخ هارون عبد الرازق وابنه العلامة الأستاذ عبد السلام ، وجزاهم الله خيرًا عما قدموه للإسلام والمسلمين .
أشرف عبد المقصود
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.