أصدرت دار الشروق 26 كتابًا تتضمن بعض وليس كل مؤلفات الكاتب الكبير، وهذا الأمر يجب الاحتفاء به من قبل المثقفين والصحفيين والقراء، حتي وإن أصبحت مؤلفات الكاتب الكبير للأغنياء فقط؛ حيث تم تسعير المجموعة بألفين وخمسمائة جنيه، وحتي الآن لايمكن شراء مؤلفات بعينها منها وإنما يجب شراء المجموعة كاملة، والمؤلفات نفسها غير متوفرة علي الرغم من أنها سبق أن صدرت من قبل عن نفس الناشر. وبالطبع فإن الناشر يريد أن يُكرم الكاتب الكبير بإصدار هذه الطبعة الفاخرة، لكنني أختلف معه حيث أري أن تكريم الكاتب الكبير يكون عبر وضعه في سياقه التاريخي والفكري، بأن تصدر الأعمال الكاملة له، حتي يستطيع القارئ والمهتم أن يتابع مسيرته الفكرية والأسلوبية. فيستطيع مثلاً أن يقارن بين ما كتبه عن ثورة مصدق في بداية خمسينيات القرن الماضي، وما كتبه عن ثورة الخميني في نهايات نفس القرن من خلال كتابيه «إيران فوق بركان» و«مدافع آية الله ». وأن يقارن بين كتابه المهم والنادر «الطريق إلي رمضان» وكتابه «حرب أكتوبر السلاح والسياسة». ونفس الأمر فيما يتعلق بثلاثة كتب له حول حرب السويس هي: «خبايا السويس، و«قصة السويس» والجزء الأول من رباعيته «حرب الثلاثين عامًا» المسمي بملفات السويس. وكنت أتمني كقارئ أن أري بعض أعمال الكاتب الكبير يعاد طبعها، علي الرغم من أنها كانت مادة خاماً لكتابات له لاحقة عليها مثل كتبه : «يا صاحب الجلالة »و«وثائق القاهرة»، وهو كتاب كنت أسمع عنه حتي رأيته مترجمًا إلي العربية مرة واحدة في سور الأزبكية، وأنا طالب في الجامعة وطلب البائع عم عبد الله مني ستة جنيهات كاملة لم تكن معي وهو ما أندم عليه منذ ثمانينيات القرن الماضي وحتي الآن، خاصة أنني لم أجد هذا الكتاب مرة أخري أبدا علي الرغم من مروري علي السور أكثر من مرة كل أسبوع منذ ذلك الحين. كنت أتمني أن تتضمن الأعمال التي صدرت الأسبوع الماضي عددا من الكتب المهمة أو النادرة مثل :«أزمة المثقفين»، و«قصة مصر والسوفيت» وقد صدر بالإنجليزية بعنوان «القيصر وأبو الهول» وله طبعة عربية واحدة صدرت في الكويت عن مطبوعات الوطن، وهو يتضمن توثيقًا كاملاً لعلاقات مصر بالاتحاد السوفيتي منذ أربعينات القرن الماضي وحتي منتصف السبعينات تقريبا، ومن الكتب المهمة التي لم تصدر في مصر للكاتب الكبير كتابه الذي صدر في نهاية سبعينات القرن الماضي «السلام المستحيل والديمقراطية الغائبة»، وهو يعد استكمالاً لكتابه الذي صدر في المجموعة الأخيرة بعنوان «حديث المبادرة ». وأن تتضمن كتابه «حرب الخليج : أوهام القوة و النصر » وله طبعة واحدة يتيمة في مصر وتتضمن معلومات غاية في الخطورة والأهمية حول الصراع علي النفط العربي وحول علاقة حكام الخليج بالقوي الغربية. وغاب عن المجموعة أكثر كتب هيكل إثارة للجدل وهو «خريف الغضب»، وهو ما يعطي إيحاء لقراء المجموعة بأن الكاتب الكبير قد اعتذر عما جاء فيه، فهل هذا صحيح ؟ . و«خريف الغضب» صدرت له طبعات مختلفة عن دار المطبوعات للتوزيع والنشر بلبنان، وهي التي أصدرت كل مؤلفات الكاتب الكبير منذ سبعينيات القرن الماضي وحتي الآن لكنه لم يصدر في مصر حتي الآن. وتتضمن الأعمال الجديدة بعضًا من المحاضرات التي ألقاها الكاتب الكبير في مناسبات متعددة، وكان من المناسب أن يتضمن هذا الجزء مقالاته التي رفض الأستاذ مكرم محمد أحمد أن ينشرها في مجلة المصور والمقالات التي لم يستطع الأستاذ إبراهيم سعدة أن يستكمل نشرها في أخبار اليوم، وكانت حول صنع القرار السياسي في مصر. كذلك هناك مقالة مهمة للأستاذ هيكل نشرها في نهاية السبعينيات في مجلة السياسة الخارجية الأمريكية وكان من المقرر أن تنشر ترجمتها العربية علي حلقات في جريدة الشعب عندما كانت تصدر بحجم التابلويد، لكن نشرت حلقة واحدة منها وتمت مصادرة باقي الأعداد التي كان من المقرر أن يستكمل نشر المقالة بها وكانت حول السياسة الخارجية المصرية. وللكاتب الكبير مؤلفات مهمة في زمنها ووقتها كان من الواجب أن تصدر ضمن أعماله الجديدة حتي يستطيع القارئ أن يعرف كيف كان هيكل سابق عصره علي صعيد أدوات التحليل السياسي، وعلي صعيد الوصول إلي المعلومة، مثل كتابه المهم «ما الذي جري في سوريا»، وكتابه الآخر «محاضر محادثات الوحدة ». وكتابه «نحن وأمريكا»، وهو يتضمن مقالات أثارت لغطًا في الواقع المصري عندما دعا إلي تحييد أمريكا، لكن جاءت التطورات بعد ذلك لتجعل بعض من عارضوا الكتاب يضعون 99% من أوراق الصراع العربي الإسرائيلي في يد أمريكا ذاتها. ومثل هذه الأعمال الكاملة كان من المفروض أن يتم تقديمها بكتاب مستقل عن الكاتب الكبير، أري أن أفضل من كان يقدر علي هذه المهمة هو الأستاذ جميل مصر، محرر أفضل كتاب عن الكاتب الكبير الراحل أحمد بهاء الدين بحيث يوضع الكاتب الكبير في سياقه التاريخي من حيث مواقف القوي السياسية المختلفة منه، وتطور مؤلفاته وأدوات التحليل لديه، وأسلوبه اللغوي والمصادر الفكرية التي استفاد منها في مؤلفاته. ففيما يتعلق بموقف القوي السياسية منه سنجد أن اليسار المصري خاصة الماركسي منه كان يتخذ موقفاً مناهضًا للكاتب الكبير، واعتمد هذا الموقف علي سببين: الأول قرب هيكل من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي تم حل التنظيمات الشيوعية في عهده وبناء علي طلب منه، ولأن هذا العهد اعتقل الشيوعيين، أما السبب الثاني، فيرجع إلي أن التحليل الاجتماعي غاب عن كتابات محمد حسنين هيكل، حيث إنه لم يعط اهتمامًا للصراع الطبقي ودور الشعوب في تحديد مسار الأحداث التي يكتب عنها. لكن اليسار عاد بعد سنوات وغيَّر موقفه من هيكل وأصبحت كتبه أحد أهم مصادرهم عندما يريدون القراءة عن حدث ما من تلك التي كتب عنها. بل أصبحت بعض تحليلاته من تلك التي يستخدمها يساريون في أحاديثهم الخاصة بل أيضا في بعض كتاباتهم. ولعلاقتي كقارئ بكتب محمد حسنين هيكل قصة يجب أن تروي لأن هذه الكتب التي شكلت جزءًا من وجداني ووجدان الكثير من أبناء جيلي، كانت ممنوعة في مصر وكنا نحصل عليها من مصدر واحد فقط في القاهرة هو مكتبة مدبولي، حيت كان الحاج مدبولي رحمه الله يحضرها لنا مع مرتجعات الكتب الآتية من المعارض المختلفة التي يشارك فيها، وهي لم تكن تخضع للرقابة لأنها مرتجعات وكنا نذهب إليه أنا وعبد اللطيف المناوي- رئيس قطاع الإنتاج في التليفزيون حاليا، ونطلب الكتب فيدخل الحاج أو مساعده حسن ويأتيه لنا ملفوفا في ورقة جرنال، وكنا نذهب بسرعة إلي منازلنا لأننا لم نكن نستطيع أن نصبر علي عدم قراءة الكتاب. بالمناسبة فإن أحد أهم مميزات كتب محمد حسنين هيكل بالنسبة لي هي بساطة الأسلوب مع عمق التناول في نفس الوقت، وهذه ميزة لا يستطيع أي كاتب أن يحققها إلا بعمق الثقافة والمداومة علي قراءة الأدب والشعر وليس فقط الاكتفاء بقراءة الكتب السياسية التي عادة ما تكون جافة. وعلي الرغم من العسف الذي كان يواجه الكاتب الكبير من السلطة في مصر في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات فإن بعضاً منا كان يحلم أن يصبح محمد حسنين هيكل جديدًا. هذه ملاحظات لا تقلل من أهمية الحدث الثقافي المهم المتمثل في صدور هذه الأعمال دفعة واحدة، وإن كنت أتمني علي الأستاذ إبراهيم المعلم، رئيس دار الشروق، والأستاذ أحمد الزيادي مدير الدار أن يبحثا عن حل لمعضلة السعر بأن يسمحا ببيع أي كتاب منفردا أو أن يصدرا طبعة تجليد عادي منها يمكن شراء أي كتاب منها منفردا مثلما حدث مع الأعمال الكاملة للأديب الكبير نجيب محفوظ، وأن يستكملا نشر باقي الكتب المهمة والنادرة التي أشرت إليها في طبعة جديدة تستكمل بها الأعمال الكاملة للكاتب الصحفي الكبير.