تلبدت السماء بالغيوم وانعدمت الرؤية السياسية وأصبحنا في فتنة تدع الحليم حيرانا, فالكل يدعي مصلحة الوطن والحرص عليها, ولا أري إلا الحرص علي المصالح الحزبية والمذهبية والكل يجري نحو الهاوية التي لا أري لها قراراً ولا تحقق استقراراً . لقد ازدادت حيرتي بين الأقوال والأفعال واختلطت بناظري الألوان فلم أعد أري إلا سواداً اختلط فية الحق بالباطل فلا أستطيع أن أصف ما أراه هل هو حق أريد به باطل أم هو باطل أريد به حق. وللوقوف علي شيء من الحقيقة فهناك تساؤلات : أولا فيما يتعلق بالإعلان الدستوري : إن كان سيادة الرئيس -كما أفهم من كلامه- يريد الاستقرار وعدم زعزعة موقفه كرئيس من خلال تحصين الإعلانات الدستورية والقرارات السابقه واللاحقة فلم يخلطها سيادته بموضوعات أخري تثير الجدل وتبعث علي الشكوك وخاصة أنه يملك إعادة تشكيل اللجنة التأسيسة للدستور . إن كانت إقالة النائب االعام مطلبا ثوريا فلِمَ قام سيادته بتعيين نائب عام جديد بمعرفة سيادته ولم يترك الامر للسادة القضاة للقيام بهذه المهمة فلا تبدو هذه الخطوة وفيها كل هذا الاستعداء لرجال السلطة القضائية. لٍمَ هذا الإسراع في طرح مسودة الدستور قبل أن تتوافق عليها جموع المعارضة ولٍمَ هذا الإصرار علي استخدام نفس أساليب نظام مبارك . ثانيا : فيما يتعلق بموقف الهيئات القضائية : أسأل ضمير كل قاض في مصر ماذا لو كانت مخاوف السيد الرئيس في محلها وجاءت الأحكام بالغاء الإعلانات الدستورية وبحل مجلس الشوري وبحل الجمعية التأسيسية. فما هو الحال حينئذ وإلي أين ستصير الدولة المصرية . وأنا علي يقين أن الأحكام لا تصدر من قضائنا المحترم عن هوي ولكن تصدر بصحيح القانون واحترام الإجراءات ولكن هل تطبيق القانون واحترامه أولي حتي وان ذهب بنا إلي الهاوية . إن كانت الحالة العامة -في بعض الظروف- تستدعي تعطيل حدود الله ولا تطبق, فهل قوانين البشر أكثر قداسة من حدود الله فلا تعطل ولا تمس تحت أي ظرف من الظروف . ثالثا : فيما يتعلق بموقف الجبهة الوطنية المعارضة : إن كانت المعارضة تري أن الرئيس ومعه التيار الإسلامي يحاولون تمرير مسودة الدستور فلٍمَ لاتخرج لنا المعارضة بورقة مكتوبة لما يرونه من عوار دستوري ويصيغوا لنا بنودا بديلة متوافق عليها بينهم وتطرح علي الجميع للمقارنة . إن كان الإعلان الدستوري به علي الاقل بعض من مطالب الثورة فلم لا توضح لنا المعارضة بنود الاتفاق ولماذا الإصرار علي إلغاء الإعلان الدستوري كله. لٍمَ كل هذة المخاوف من التيار الإسلامي ومن تطبيق الشريعة رغم أن تطبيق الشريعة في مصر لن يكون إلا من خلال رؤية تحكمها ثقافة المجتمع المصري ,أم أن البعض يريد أن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض . أريد أن اقول للإخوة الآقباط إن جميع ما تطالبون به من حقوق مكفول بالشريعة الإسلامية ولا خلاف علي ذلك, فلم تقبلوا أن تكونوا أحد أوراق الضغط في اللعبة السياسية. وأخيرا وحيث إنني لا أستطيع أن أميز الظالم من المظلوم ولا الحق من الباطل في هذا المشهد الكئيب فلا أملك إلا أن أذكر بقول الله تعالي "وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ« الانفال (25).