تنهض الامم وتتقدم عندما تتوافر لها مقومات اربعة: الرؤية والارادة والكوادر البشرية والقيادة. وهذا ما تحقق لكثير من الدول والامم عبرالعصور، ولعل احدثها هو ما حدث في الثورة الصينية، ولكن ايضا في تشيكوسلوفاكيا وانقسامها إلي دولتين بطريقة حضارية بل ان قيام الولاياتالمتحدةالامريكية وتحررها من الاستعمار البريطاني هو نفسه نموذج لتوافر تلك المقومات الاربعة، ولو ذهبنا لابعد من ذلك نجد انطلاق الإسلام وبناء دولته ينطبق عليه مثل هذا التحليل ثم تدهور الحضارة الاسلامية وتحللها وخضوعها للقوي الاخري، هو محصلة غياب هذه المقومات وتصارعها. ولو ألقينا نظرة متفحصة علي خطاب وزير الخارجية الاسرائيلي افيجدور ليبرمان في الدورة الخامسة والستين للجمعية العامة للامم المتحدة فإننا نجد نموذجا مجسدا لهذا الفكر، وهو ما يجعلنا نستعير من المؤرخ البريطاني العالمي المشهور ارنولد توينبي اطروحته عن التحدي والاستجابة. فأطروحات ليبرمان تمثل تحديا للفلسطينيين والسؤال هل يقبل أو يستطيع الفلسطينيون تقديم الاستجابة الصحيحة للتعامل مع هذا التحدي؟ أم يظلون في الحلقة المفرغة التي يعيشون فيها وتضيع الفرصة كما ضاعت فرص اخري عديدة؟ يمكن تلخيص اطروحات ليبرمان في الجمعية العامة: 1- ان خمسة من اليهود قدموا فكرهم لتغيير العالم، بتركيز كل واحد منهم علي مفهوم محدد وواضح سعي لنشره في العالم وهم: موسي ركز علي القانون، ويسوع ركز علي المحبة، وكارل ماركس ركز علي المال وفرويد ركز علي الجنس واينشتين ركز علي النسبية. 2- ان الاسرائيليين متحدون- وليسوا منقسمين - حول العمل من اجل السلام، ولكن الاختلاف هو في كيفية تحقيق ذلك. 3- ان الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، علي نفس الارض، وينبع من وجود قوميتين وشعبين ودينين ولغتين مختلفتين، ولابد ان يتحقق تعايش واعترف كل منهما بالاخر وان تقوم الدولتان علي اساس قومي علي هذه الارض. 4- ان حل النزاع يستدعي العودة للجذور، وهو وجود نوعين من المشاكل العاطفية والمشاكل العملية. فالمشاكل ذات الطبيعة العاطفية ترتبط بعدم الثقة العميقة بين الطرفين وبالقدس وباللاجئين وبيهودية الدولة، والمشاكل ذات الصفة العملية تنبع من الاحتكاك المباشر بين الطرفين لوجودهما معا، والحل الذي يمكن ان يكون مؤقتا وانتقاليا بعيد المدي قد يخلق الثقة بعد ظهور جيل جديد لا يعتمد علي مشاعر التطرف والتحريض، وهذا يعالج الجذور العاطفية، وإما الحل بالنسبة للمشاكل العملية فهو بالانفصال، واقامة الدولتين، وتحريك الحدود علي اساس الكثافة الدميغرافية المتواجدة. 5- ان هناك اطروحات ثلاث سائدة وخاطئة، الاولي: هي ان النزاع الاسرائيلي الفلسطيني هو سبب الحروب وعدم الاستقرار في المنطقة. وسرد ليبرمان عدة احداث مثل حرب العراق ايران وحرب الخليج ومذابح سوريا في حماة والصراع بين اللبنانيين وبعضهم وبين اليمنيين في الشمال والجنوب وفي السودان كنماذج لاثبات عدم صحة هذه الاطروحة. والثانية: ان الاحتلال والاستيطان اساس المشكلة ويحول دون قيام دولة فلسطينية. وذكر ليبرمان ان يهودا والسامرة وغزة كانت تحت سيطرة العرب 91 سنة، ولم يتحدث احد عن دولة فلسطينية، واقيم السلام مع مصر والاردن رغم وجود الاستيطان في حين عندما انسحب الاسرائيليون من غزة تحولت لسيطرة حماس التي اطلقت صواريخ ضد جنوب اسرائيل ولم يتحقق السلام. كاتب المقال : باحث في الشئون الدولية