بإيجاز شديد يمكن القول أن الساحر واحد من بيننا.. انسان عادي مثلي ومثلك.. وقد تكون انت ساحرا.. وقد اكون انا كذلك!! السبت: نحن نصادف من حين الي اخر بعض الاشخاص الذين يقومون بأعمال تثير الدهشة او اعمال خارقة غير مألوفة، مثل ثني اسياخ من الحديد دون لمسها.. او تحريك اجسام ثقيلة بمجرد الاشارة اليها.. او كسر لوح زجاجي في نافذة بمجرد تركيز النظر عليه.. او معرفة ما يدور في رءوس الاخرين كما لو كانوا يقرأون صفحة في كتاب.. وعندئذ قد نشعر بالاستغراب، او الانبهار.. وقد نقول انه السحر.. حتي لا نرهق تفكيرنا.. فما هو السحر؟. يقول تعالي في الآية 201 من سورة البقرة: »وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَي المَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّي يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ المَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ«. ويقول تعالي في الآيات 79 و80 و81 من سورة يونس: »وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (79) فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَي أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ (80) فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَي مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ المُفْسِدِينَ«. واذا كانت آيات من القرآن الكريم قد تحدثت عن السحر، فإن التوراة قد حفلت بما يؤكد وجوده كقدرة عند بعض الاشخاص.. والعهد الجديد ايضا حفل بمثل ما حفلت به التوراة. وقد جاء في انجيل مرقص: »وكان في مجمعهم رجل به روح نجس، فصرخ قائلا آه مالنا ولك يا يسوع الناصري، أتيت لتهلكنا، أنا أعرفك من أنت قدوس الله فانتهره يسوع، اخرس واخرج منه فصرعه الروح، النجس وصاح بصوت عظيم وخرج منه فتحيروا كلهم حتي سأل بعضهم بعضا قائلين ما هذا، ما هو هذا التعليم الجديد، لانه بسلطانه يأمر حتي الارواح النجسة فتطيعه«. وبعد هذه الاشارات السريعة لبعض ما ورد في الكتب المقدسة عن السحر لابد ان يكون السؤال التالي مباشرة عن الساحر، من هو؟ وماذا يفعل؟.. وكيف يفعل؟!. وبايجاز شديد يمكن القول ان الساحر واحد من بيننا.. انسان عادي مثلي ومثلك.. وقد تكون انت ساحرا، وقد اكون انا ايضا.. ولكننا لم نفطن الي ذلك لاننا لم نكتشف انفسنا حتي هذه اللحظة. السحرة أنواع! والسحرة ثلاثة انواع.. الاول: يمارس افراده ما يسمي بالسحر الابيض.. وهم يعتزلون الناس للتعبد والتأمل في اماكن قصية.. ويترفعون فوق كل متع الحياة، ويعزفون عن ملذاتها كي تشتد عزائمهم، وتقوي إراداتهم ، ويتحقق لهم السمو الي حالة من الشفافية تمكن نفوسهم من التحرر من اغلال اجسادهم المادية، كي تحلق في الآفاق الرحبة لتصبح ملكاتهم اكثر توهجا، واكثر قدرة علي الانطلاق دون ان يعوقها عائق، او يحدها حد.. وهم بعد ذلك يمارسون السحر لما فيه الخير للناس. والنوع الثاني: يمارس افراده الاعمال الشريرة، او ما يسمي ب السحر الاسود.. ويمارسون طقوسهم الغريبة لايذاء الناس في غفلة منهم.. وهم يأوون في بيوتهم حيوانات مكروهة او مرعبة.. افعي سامة مثلا، او حرباء، او فئران، او حشرات سامة مثل العقارب، والعناكب، والديدان.. ويقيمون علاقات شاذة مع حيوانات مثل الحمير والماعز والكلاب.. ويتجنبون الاقتراب من الماء بالشهور.. فقط يشربونه.. ولكنهم يستعيضون عنه باللبن الحليب عند الاغتسال.. ويقترفون الكثير من المحرمات، ويدوسون بأقدامهم علي اغلب المقدسات.. ويحفظون من الطلاسم والتعاويذ ما يمكنهم من الاتصال بالجن، والتعامل معه، والاستعانة به!!. وأما النوع الثالث فان افراده يعيشون حياة عادية معظم الوقت.. ولكن قدراتهم المتفوقة تتوهج في اعماقهم فجأة، دون ارادة منهم فيصبحون قادرين علي السمع ابعد والرؤية اعمق.. ويستطيعون التأثير فيما وفيمن حولهم. والساحر في النوعين الاول والثاني يكون مختلفا عن سائر الناس في سلوكه.. فهو يبدو مستهينا لا مباليا. ولا يتقيد بقواعد او اصول التعامل المتعارف عليها بين افراد المجتمع الذي ينتمي اليه.. يرتدي من الثياب ما تقع يده عليه ولا يأبه بما يقوله غيره عنه.. ربما لانه يؤمن انه صاحب رؤية ثاقبة، تجعله علي بينة بما وراء الاقنعة الزائفة التي يخفي الناس رغباتهم المنحطة خلفها.. وربما لان قدرته علي توقع النتائج تجعله يدرك ان المشقة التي تبذل في السعي لتغييرها تعتبر ضربا من العبث!!. ونحن نصادف احيانا افرادا من هذه الانواع الثلاثة في كل زمان ومكان.. وعندما تحيرنا اعمالهم الخارقة، ونعجز عن معرفة كيف يستطيعون القيام بها، نريح انفسنا بالقول انه الخداع.. خداع البصر.. او خداع السمع.. ولذلك بقيت كلمة »كيف« بغير اجابة، حتي جاء العصر الحديث بعلومه المتقدمة، وآمن الناس بالسبب والنتيجة.. وقال الماديون ان عصر الخوارق قدا نتهي.. وان الحديث عن السحر والمعجزات ليس سوي نوع من التخريف.. لان كل شيء اصبح خاضعا للفحص والقياس.. كل شيء حتي مشاعر الانسان واحاسيسه!. القدرات المتوهجة! رغم التقدم العلمي، لم يختلف اصحاب القدرات والملكات المتفوقة ولم يتوقف الذين اصطلح علي تسميتهم ب »السحرة« عن القيام بأعمالهم الخارقة.. ولم يكن في وسع عدد من العلماء الذين يؤمنون ب السبب والنتيجة، ان يتجاهلوا هذه الاعمال غير العادية، او ان يغضوا الطرف عنها، باعتبارها اعمالا شاذة.. فقرروا ان يستخدموا وسائل الاختبار، والفحص والقياس، في اعادة دراسة كل ما وصفه الماديون بأنه تخاريف.. وبعد مجهود شاق بذلوه في دراسات جادة، توصلوا الي عدد من النتائج فماذا قالوا؟. قالوا: ان بني آدم جميعا يتميزون عن سائر المخلوقات التي تدب علي الارض، بأنهم ذوو ارادة.. وبانهم يمتلكون القدرة علي التصور، والاستنتاج والابداع والتعبير عما يدور في عقولهم بغير الصوت والحركة!!. وقالوا: ان بعض بني آدم يمتلكون غير حواس الذوق، والشم، والبصر، والسمع،واللمس.. حواسا اخري تمكنهم من قراءة افكار غيرهم، ومعرفة ما يخفونه في سرائرهم!!. وقالوا: ان بعض الاشخاص استطاعوا التنبؤ بأحداث قبل وقوعها.. ثم وقعت فيما بعد كما رووها تماما.. وان بعض الاشخاص استطاعوا رؤية ما يجري خلف الجدران وان يصفوه بمنتهي الدقة، معتمدين علي قدراتهم المتفوقة فقط.. وان اخرين كان في استطاعتهم رؤية اجسام مدفونة في باطن الارض!!. وقالوا: ان افرادا عاديين في مظهرهم، بسطاء في ثقافتهم، كان في مقدورهم ان يروا، بوضوح كامل، اجساما دقيقة وضعها اخرون علي بعد عشرات الكيلومترات بقصد اختبار قدراتهم وان يصفوها بدقة مذهلة!!. وقالوا: ان افرادا ممن لا يعرفون القراءة او الكتابة بأي لغة تمكنوا اثناء اخضاعهم لتأثير التنويم المغناطيسي من الاتصال بعلماء وملوك واباطرة وقادة عسكريين رحلوا عن الدنيا منذ عشرات المئات من السنين والحصول منهم علي اجابات دقيقة لعدد من اسئلة معقدة قام باعدادها علماء متخصصون.. وعندما تم التأكد من صحة هذه الاجابات بعد الرجوع الي الوثائق والمخطوطات المحفوظة في المتاحف، اتضح ان اغلبها صحيح!. وقالوا: ان بعض الاشخاص الذين تم اختبارهم كانوا يرددون بعض الكلمات والارقام بترتيب خاص، فتتحرك كتل حجرية كبيرة في أماكنها، ويرتفع بعضها ليصبح معلقا في الهواء.. وتم التأكد من انها لم تكن مشدودة بشيء من اعلي، او مستندة علي شيء من اسفل.. وعندما طلب منهم انزالها، رددوا كلمات وارقاما اخري، فهبطت الاحجار برفق حتي استقرت في اوضاعها الاولي!!. وقالوا: ان بعض الاشخاص كانوا يمدون ايديهم في الهواء فيأتون بعملات نقدية قديمة، او اوراق نقدية متداولة، او فاكهة في غير موسمها، او قطع من الحلوي والشيكولاتة الطازجة، رغم انهم قد تم تفتيشهم تفتيشا دقيقا قبل دخولهم غرفة الاختبارات، ولم يسمح لهم بارتداء سوي الملابس الداخلية التي تستر عوراتهم، امعانا في الحيطة!!. وقالوا: ان بعض الاشخاص من اصحاب القدرات المتفوقة يستخدمون ارادتهم المتوهجة في التأثير علي الاخرين، واخضاعهم خضوعا كاملا وجعلهم ينفذون ما يأمرونهم به حتي لو كان الموت!!. وقالوا: ان بعض الاشخاص كان في استطاعتهم التأثير في بعض العناصر بمجرد تركيز ابصارهم عليها فتتغير معالمها او جعلها تندمج مع عناصر اخري لتكوين مواد جديدة لها مواصفات مختلفة!!. ولم يكن في وسع العلماء الذين قاموا باجراء كل تلك الاختبارات سوي القبول علي مضض بما قاله بعض الذين تم اختبارهم بان مخلوقات اخري غير منظورة تساعدهم في اداء الاعمال الخارقة وان من بين تلك المخلوقات عفاريت من الجن!! وايضا بما قاله اخرون من انهم يمتلكون قدرات وملكات تجعلهم قادرين علي القيام بما لا يستطيع غيرهم القيام به!!. ما هو السحر؟! يقول الفيلسوف اليوناني »ارسطو« الذي تعلم السحر علي ايدي الكهنة المصريين، ونقله الي اليونان بعد ان اتقنه: ان السحر فن له اصول وقواعد.. اما استاذه »افلاطون« فيقول ان كل ما يخدع الناس يمكن وصفه بانه سحر، ولذلك يمكن اعتبار السحر كذبة رديئة!!. والفيلسوف العربي ابن خلدون له رأي مختلف في السحر، سجله في مقدمته، حين قال: »ان السحر والطلسمات، علوم بكيفية استعدادات تقتدر النفوس البشرية بها علي التأثير في عالم العناصر، اما بمعين، او بغير معين«. وقال ايضا: »وعلوم السحر كانت معروفة عند اهل بابل من السريانيين والكلدانيين، وعند اهل مصر من القبط وغيرهم.. وكان لهم فيها آثار ومؤلفات، ولم يترجم لنا من كتبهم عنها الا القليل، الذي اخذه الناس فيما بعد وتفننوا فيه«!. اما علماء النفس فيقول فريق منهم: »ان السحر قدرة متفوقة علي الايحاء، يستطيع من يمتلكها نقل افكاره وتصوراته الي عقول الاخرين فيرون ما يريد لهم ان يروه«.. ويقول فريق آخر »ان هناك ظواهر لايزال العلم عاجزا امامها، لانها فوق المستوي المادي المحسوس، وتحتاج الي منهج جديد للتفسير لم يتم التوصل اليه حتي الان، ومن هذه الظواهر.. السحر«!!. »وللحديث عن السحرة والسحر .. بقية«