كانت صناعة البهجة هي الفن الذي برعنا وأبدعنا فيه كمصريين.. كنا نعرف كيف نرسم أحلي ابتسامة علي وجوهنا.. كنا نطلق نكاتنا فتصل أصوات ضحكاتنا عنان السماء.. كنا نسخر فتتفت أحزاننا مهما تحجرت القلوب .. كنا ملوك النقد السياسي ونحن مبتسمون.. والمسيطرون علي أزمات الجوع ونحن متكاتفون والحانون علي من حولنا ونحن راضون ! كنا نضحك من قلوبنا ونحن نشاهد أفلامنا السينمائية وروعة نجومنا في الكوميديا.. وكنا نذهب للمسارح كي نزيد من اتساع مساحات فرحنا..كنا نغني للحب كي ترتقي وتتسامح مشاعر كل من حولنا.. كنا شعب من المبسوطين.. تحسدنا كل الشعوب علي خفة دمنا.. كنا نستمتع بمرحنا كمانحين ومتلقين ! أما الآن فقد حصلنا علي الزيرو الكبير في فن صناعة البهجة، وعلي التفوق بنسبة (مليون ٪) في فن صناعة النكد ! حولنا بيوتنا لثكنات لولادة النكد.. ومدارسنا لمؤسسات تعليمية لتكريس النكد.. ومقار أعمالنا لأماكن صراع مفرزة لمكونات النكد.. جعلنا السياسة نكدا.. وجعلنا من الفتاوي الدخيلة علي ديننا عبادات إرهاب وتهديد ووعيد .. وجعلنا من شوارعنا مدافن ألم.. ومن مدافننا مساكن للأسي.. ومن فنونا وآدابنا مولدات للقهر.. ومن مستقبلنا قبرا للأحلام ! لقد احتفظنا باللون الأسود وحده، وألقينا بباقي الألوان التي خلقها لنا الله في قاع نيلنا.. وقطعنا الأشجار التي تحدت بلونها الأخضر كآبتنا.. ولوثنا بسموم الغضب بحارنا التي استماتت كي تغسل عيوننا بلونها الأزرق الصافي.. لقد أمسكنا بفرشاة الألوان وصبغنا بإرادتنا حياتنا باللون الأسود، وجدران بيوتنا باللون الأسود، وقصص حبنا باللون الأسود، وأحلام صغارنا باللون الأسود.. وبعدها ارتدينا الثياب السوداء بدعوي الحزن علي أنفسنا، واتهمنا وطننا وقدرنا وزمننا بالتسبب في يأسنا! لقد أتقنا كما لم نتقن من قبل فن صناعة اليأس الأسود.. بعدها بكينا بالدموع علي انهيار صناعة فن البهجة في وطننا ! مسك الكلام.. ياصناع البؤس انصرفوا.. كي نستعيد بهجة الألوان التي خلقها لنا الله في حياتنا!