إيمان أنور دقت أجراس العام الدراسي الجديد.. وإختلف معها يومنا.. نلمح في الصباح الباكر الباصات الصفراء وهي تحمل الطلاب من بيوتهم وعيونهم ما تزال مغمضة ناعسة.. وجيوبهم منتفخة.. وحقائبهم المكتظة تنوء بها أجسادهم الغضة ويحاولون إلقاءها علي أول درج الباص.. ولا يترددون في الصراخ والعويل.. خاصة من هم في أوائل أيامهم الدراسية وهم يغادرون البيوت التي إعتادوها إلي أماكن غريبة يرتادونها لأول مرة.. باص المدرسة إستدعي ما كان.. وإستحضر الذكريات.. فدار في مخيلتي شريط طويل طويل.. عندما كانت أمي ُتيقظنا أختي وأنا مع أول خيط للصباح.. في هذه الساعة الرائقة الندية.. نقوم في كسل واحدة تلو الأخري إلي الحمام.. ثم نرتدي المريلة الزرقاء الداكنة.. والجوارب البيضاء الناصعة.. تصفف أمي شعرنا بضفيرة طويلة تمتد حتي الخصر.. وتقول محذرة وهي تقبلنا عند الباب.. كلوا كل السندوتشات وإنتبهوا لدروسكم في الفصل.. ننزل سلالم بيتنا قفزا بعد أن ذهب النعاس وإكتملت اليقظة ننتظر الباص والسكون يلف الأماكن كلها بينما تتمايل أغصان الأشجارفتبعث بروائحها الذكية.. نرتعد من البرد ُنرَقِص أقدامنا ونفرك أيدينا.. وننفخ في الهواء لنري الدخان يتطاير ويختفي إلي غير رجعة.. ندلف إلي الباص وتبدأ النظرات السريعة.. والضحكات البريئة.. وربما المشاجرات أيضا.. ويستعرض كل منا مواهبه.. ويتباهي بحذائه الجديد.. وحقيبته المزركشة بالألوان.. وفي حوش المدرسة نصطف في طابور الصباح لتحية العلم.. ويجري كل منا إلي فصله الدراسي.. نتلقي أول الدروس ونحن لا نزال بعد صفحة بيضاء تخط أول سطورها.. ونتبادل الحوار والود.... ثم تتوالي الخطوات حثيثة إلي أن تصل إلي ذروتها في التلقي والإبداع والعطاء.. ويكتشف كل منا تفرده عن غيره في شئ ما.. هذه في الرياضيات وتلك في العلوم وثالثة في اللغات بينما كنت عاشقة للتاريخ.. وأشعر دائما أنني أسبح في رواياته وقصصه وحكاويه.. من هنا.. من المدرسة كانت الطريق تبدأ إلي "الآن" معلمون حقيقيون.. شدة عندما يلزم الأمر.. وأمومة في وقت الحرمان.. كان العلم باب البوابات.. بعد يوم دراسي طويل يدق أخيرا جرس الفسحة فننطلق إلي حوش المدرسة للعب واللهو والشجار والنقار.. أيام جميلة مضت كلمح البصر.. ذكرتني بها باصات المدارس هذا الصباح!