تألمت كثيرا وأنا أشاهد حفيدتي في السنة الأولي الابتدائية وهي تحمل حقيبة المدرسة مملوءة بحوالي خمسة عشر كتابا وكراسة، بالإضافة طبعا إلي زمزمية ماء، وبعض السندوتشات التي يتطلبها وجودها في المدرسة وعودتها منها حوالي ست ساعات متواصلة، وعندما رأيت أمها وهي تشد أحزمة الحقيبة علي ظهرها، والبنت المسكينة تتألم لكنها لا تستطيع أن تعلن شكواها تذكرت علي الفور وثيقة حقوق الإنسان العالمية، وكيف أنها أغفلت المتاعب التي يتعرض لها الأطفال في تلك السن المبكرة، ومنها تحميلهم أثقال تكسر ظهورهم، وتؤثر علي فقراتها. والسؤال المهم: لماذا تطالب المدرسة المصرية تلاميذها بحمل تلك الحقيبة الممتلئة بكل كتب المدرسة مع أنهم لا يحتاجون منها إلا ما يدرسونه في اليوم الواحد؟ لسبب لا يوجد له سبب آخر، وهو الاهمال والتسيب من إدارة المدرسة في عدم وضع جدول للحصص يلتزم به المدرسون، بحيث يكون معلوما للتلميذ أن يوم كذا لديه عدد من الحصص المعينة، فيحضر لها بالتالي الكتب والكراسات اللازمة، ويترك الباقي في البيت، أما أن نجبر التلميذ المسكين علي حمل كل هذه »البضاعة« الثقيلة الوزن، والمؤثرة طبيا علي عموده الفقري فهذا هو الاهمال بعينه، ولا شئ سواه! لقد كانت مدرستنا في الخمسينيات أكثر دقة وتنظيما من مدرسة القرن الحادي والعشرين، التي تخضع لمعايير الجودة وشهادات الأيزو.. فقد كان الجدول الدراسي محددا بدقة ومن أول يوم في العام الدراسي، وعندما يغيب أحد المدرسين يكلف الناظر غيره بتدريس نفس المادة لنا، وكانت الاختبارات الشهرية تسير علي نحو جاد جدا، وبعد تصحيح المدرسين، وتوقيع مدرس الفصل المسئول علي الشهادة نأخذها معنا إلي البيت لتوقيع ولي الأمر عليها، حتي يكون علي معرفة مستمرة بأحوال ابنه في المدرسة.. وكان اليوم الدراسي يبدأ في الثامنة صباحا وينتهي في الثالثة والنصف، ويحتوي علي فسحة تزيد علي ساعة لممارسة مختلف الأنشطة الرياضية والفنية، أما الرحلات فكانت توسع آفاقنا بالاطلاع علي معالم مصر الرائعة ومن هنا يبدأ الانتماء. إنني أتحسر علي تلاميذ مصر الذين يطبق عليهم نظام الجودة الهلامي، ويرسب مدرسوهم في اختبارات الكادر، وينشغل أولياء أمورهم بتدبير الدروس الخصوصية.. أما حقيبة المدرسة فتظل من الأمور التي تتطلب تدخلا من منظمات حقوق الإنسان.. ان لم تقم بحلها الوزارة المعنية.