تسود الساحة الاقتصادية الدولية حاليا حرب شرسة بين الدول الصناعية المسيطرة علي صناعة التصدير في العالم مثل الولاياتالمتحدةواليابان والصين وألمانيا وانجلترا من أجل الفوز بأكبر نصيب من كعكة الصادرات. ان سلاحها في ذلك هو ضمان انخفاض عملتها لتكون لها الغلبة في بيع منتجاتها بالعملات الأخري التي يتم التعامل بها عالميا بأسعار منخفضة يسمح لها بميزة المنافسة حتي لو كانت غير عادلة. تمثلت هذه الحرب في التدخل الفوري للبنك المركزي الياباني في سوق العملات الأجنبية من خلال بيع كميات هائلة من العملة الوطنية لليابان »الين« للتأثير علي قيمتها. حدث ذلك عندما ارتفعت قيمة هذه العملة تجاه الدولار إلي مستوي قياسي. بلغت قيمة الاموال التي تم الدفع بها الي الاسواق في يوم واحد 68.1 تريليون ين بما يساوي 7.12 مليار دولار. أُتخذ هذا القرار لضمان بيع المنتجات اليابانية في اسواق العالم بأسعار معقولة خاصة في السوق الامريكي مما يقّوي من قدرتها علي منافسة منتجات الدول الأخري. ويبرر اليابانيون اقدامهم علي هذه الخطوة بأنها ضرورية لحماية المقومات الهشة لانتعاش الاقتصاد الياباني. لقد قوبل هذا التحرك الياباني في سوق المال بمعارضة شديدة من الولاياتالمتحدةالأمريكية التي يعاني ميزانها التجاري مع اليابان من عجز هائل نتيجة ارتفاع معدلات الصادرات اليابانية وعدم قدرة المنتجات الأمريكية علي منافسة مثيلاتها اليابانية ليس في السوق الامريكي فحسب وانما في اسواق العالم. لم تقتصر هذه المعارضة علي الولاياتالمتحدة بل شملت ايضا منطقة اليورو لما لذلك من تأثيرات سلبية علي تجارتها مع العالم الخارجي. وتري أوروبا أن هذا الاجراء من جانب اليابان سوف يؤثر علي المعدلات المرتفعة التي شهدتها صادراتها في الآونة الأخيرة نتيجة انخفاض قيمة اليورو تجاه الدولار الأمريكي والين الياباني وان كان الوضع قد تغير في الاسابيع الاخيرة نتيجة ارتفاع قيمة العملة الاوروبية.. بالطبع فقد أدي هذا الانخفاض الذي شهدته العملة الاوروبية لبعض الوقت الي ارتفاع الصادرات في الدول الاوروبية.. وهو ما انعكست مظاهره في ارتفاع معدلات النمو خاصة في الدول الأوروبية الرئيسية مثل المانيا. هذا الحرص من جانب اليابان في الحفاظ علي قيمة عملتها منخفضة يأتي متأثرا بإصرار الصين المنطلقة بسرعة الصاروخ للمنافسة علي احتلال قمة الدول المصدرة علي ان تبقي عملتها منخفضة القيمة بالنسبة للعملات العالمية الأخري. في هذا المجال مازالت بكين تقاوم الضغوط الأمريكية والأوروبية والمنظمات المالية الدولية من أجل رفع قيمة عملتها »الايوان«. تهدف هذه الضغوط إلي الحد من سيل صادرات السلع الصينية الرخيصة الثمن إلي أسواقها وهو الأمر الذي تترتب عليه معدلات عجز هائلة في الموازين التجارية لصالح الاقتصاد الصيني. من ناحية أخري فإن انخفاض عملة أي دولة يترتب عليه ارتفاع في تكلفة الواردات من الخارج وهو عامل مهم لتحجيمها بتأثير الارتفاع الكبير في اسعارها بالنسبة للمستهلك المحلي. وتنظر الدول المتقدمة إلي أهمية ارتفاع حجم صادراتها باعتباره عنصرا اساسيا في مواجهة البطالة حيث يتيح زيادة الانتاج المزيد من فرص العمل.. انها تحاول تعويض فترة الانكماش التي صاحبت أزمة الاقتصاد العالمي عام 8002 وما ترتب علي ذلك من زيادة كبيرة في أرقام العاطلين عن العمل باعتباره يمثل عبئا علي موازنة هذه الدول. ان تنامي ظاهرة البطالة تُحمّل هذه الموازنات مئات المليارات من الدولار واليورو والين والاسترليني اعانات بطالة. اذن وانطلاقا من كل هذه الحقائق فإنه يبدو ان خطر استمرار حرب اسعار العملات الرئيسية في العالم سوف يتواصل وهو أمر لا يمكن احتماله إلي ما لا نهاية لما له من انعكاسات وتداعيات سلبية علي مسيرة الاقتصاد العالمي. جلال دويدار [email protected]