خلال الفترة الماضية تصاعدت وتيرة حرب العملات العالمية الرئيسية لتأثيرها المباشر علي الصادرات والواردات وحركة التجارة الدولية وما يلحق بها من فوائض وعجز في موازين التجارة الخارجية للاقتصادات الكبري. وعلاقتها بمعدلات النمو والبطالة والاحتياطيات الدولية من النقد الاجنبي وغيرها من المؤشرات الاقتصادية المهمة والرئيسية التي لاتحدد فقط مدي صحة وعافية اقتصادات الدول ولكنها تحدد ايضا مدي المكانة الاقتصادية التي تحتلها الدولة في الترتيب الاقتصادي العالمي, وقد ارتبطت حروب العملات الأخيرة بالمتغيرات في وزن اقتصادات الدول وقيمة صادراتها وما افرزته الأزمة المالية العالمية من تقدم ملحوظ للاقتصاد العيني من حيث الوزن الكلي والترتيب وكذلك من حيث القدرات التصديرية. وحول تصاعد حرب العملات الدولية خاصة بين امريكا والصين وما تعكسه من مؤشرات ترتبط بنجاحات الاقتصاد الصيني وتصاعد قدراته التنافسية دوليا يوضح الدكتور فؤاد ابو ستيت استاذ الاقتصاد بالجامعة البريطانية بمصر أن أحدا لايستطيع ان ينكر ما حققه الاقتصاد الصيني خلال فترة الثلاثين عاما الماضية. حيث أصبح يمثل ثالث أقوي الاقتصادات العالمية من حيث حجم الانتاج, والتصدير, وإستحواذه علي أكبر إحتياطي من العملات الاجنبية والاستثمارات الخارجية, حيث بلغ حجم الناتج المحلي الاجمالي في عام2009 حوالي4.91 تريليون دولار.كما حققت اكبر فائض في الميزان التجاري بحوالي226 مليار دولار وحققت أكبر حجم للصادرات ورابع دولة من حيث الواردات. واستحوذت علي اكبر حجم للاحتياطي العالمي حيث قدر بنحو2.4 تريليون دولار ويعزز من اهمية ذلك المؤشرات الاقتصادية التالية: {{ ان الصين اصبح منافسا حقيقيا لأقوي الدول الاقتصادية مثل الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الأوروبي واليابان. وانعكست كل هذه التطورات في انها حققت معدل نمو بلغ حوالي10% منذ بداية عام2010 في حين حققت دول الاتحاد الاوروبي معدل نمو بلغ0.2%. كما ان كثيرا من الدول الأخري تحاول بالكاد الصمود والخروج من تأثير الأزمة المالية العالمية علي اقتصاداتها. {{ وتشير الاحصائيات الي أن الصين اصبحت تمثل واقعا اقتصاديا لايمكن الاستهانة به بل يجب التعامل مع هذه الحقيقة حيث أصبح يكبد اقتصادات الدول الصناعية الأخري الكثير من الخسائر الاقتصادية. فعلي سبيل المثال يتعرض الاقتصاد الأمريكي إلي فقد العديد من فرص العمل مما أدي الي زيادة معدلات البطالة حيث تشير التوقعات الي فقد الاقتصاد الأمريكي نحو مليون ونصف المليون فرصة عمل. كذلك الحال في دول الاتحاد الاوروبي واليابان ويرجع السبب الرئيسي وراء ذلك إلي إنخفاض تكلفة الانتاج الصيني نتيجة لانخفاض تكلفة العمالة والدعم الذي تقدمه الحكومة لقطاع التصدير والذي يعمل فيه نحو50 مليون عامل حسب آخر الاحصائيات في2009. بالاضافة إلي دعم سعر صرف اليوان امام الدولار, وبالتالي امام العملات الدولية الرئيسية وهنا يكمن جوهر القضية, حيث يري معظم الاقتصاديين أن دعم العملة الصينية أمام الدولار يؤدي الي زيادة صادرات الصين الي معظم دول العالم حيث حققت نموا بلغ44% في الربع الأول من عام2010 علاوة علي انخفاض قيمة وارداتها حيث بلغ حجم صادرات الصين نحو1.94 ترليون دولار في حين بلغت فيه الواردات نحو992 مليار دولار. وانعكس ذلك علي تحقيق الفائض في الحساب الجاري. {{اتبعت الصين نظام ربط عملتها الوطنية بالدولار, حيث بلغ سعر صرف اليوان في عام2005 حوالي0.8 للدولار ومنذ ذلك الحين بدأت الصين في التخلي عن ربط عملتها بالدولار نظرا لانخفاض قيمته الحقيقية وانخفاض ايضا القوة الشرائية للدولار. مما انعكس سلبا علي احتياجاتها من العملات حيث تخلت عن ربط عملتها بالدولار منذ2005 وتقوم الآن بربط عملتها اليوان بسلسلة من العملات تشمل الدولار الامريكي واليورو والين والدولار الكوري لتفادي التقلبات في أسعار سعر الصرف وتقليل الخسائر الناجمة عن ذلك. وتحت ضغوط أمريكية وأوروبية بضرورة تخلي الصين عن دعم عملتها وتعديل سعر الصرف قامت بخفض سعر الصرف إلي6.81 للدولار, اي بإرتفاع بلغ حوالي15% منذ2005, والذي يراه البعض خاصة في الولاياتالمتحدة انه غير كاف, ويجب علي الصين الاستمرار في القيام بتخفيض قيمة عملاتها واتباع نظام سعر الصرف الحر الذي يتحدد من خلال قوي الطلب والعرض والذي يمثل تحديا للسياسة النقدية في الصين والعالم ايضا, وذلك لأن إتباع نظام سعر الصرف الحر قد يعرض الاقتصاد الصيني لهزات اقتصادية نظرا لعدم مقدرة الجهاز المصرفي فيها علي التعامل مع هذه السياسة, ويقترح البعض ضرورة اتباع سياسة التدرج في تحرير سياسة سعر الصرف حتي الوصول الي سعر صرف يعكس القوة الشرائية الحقيقية لليوان مما يصاحبه انخفاض الفائض الكبير في معاملاتها مع العالم الخارجي. ويشير الدكتور فؤاد أبوستيت الي ان تحقيق التحول التدريجي لتحرير سعر صرف العملة الصينية يتطلب القيام باتباع العديد من السياسات الاقتصادية المالية والنقدية الأخري مثل التحول إلي الإنفاق المكثف علي البنية التحتية, والصحة, والتعليم, وتطوير الجهاز المصرفي والتوجه الي سياسة الإقراض الشخصي ورفع الدعم المادي والعيني عن كثير من السلع والتحول من سياسة تحقيق النمو من خلال التصديرExportLeadGrowth الي تحقيق النمو من خلال الإنفاقconsumptionLeadGrowth حيث إن الصين في المدي الطويل لا تستطيع الدفاع عن سعر عملتها الحالي الذي يثير الدول الآخري ويدفعها لاتباع العديد من السياسات المضادة والضغوط خاصة من جانب الولاياتالمتحدة. *** إن الطموح الصيني في الوصول الي مصاف المنافسة علي قمة الاقتصاد العالمي قد تحقق الكثير منه من خلال زيادة معدلات النمو الاقتصادية من حيث حجم الانتاج والفوائض المالية وارتفاع حجم الاحتياطيات من العملات الأجنبية وغيرها, كما أن هذا الطموح اصبح في مواجهة مع التحديات الاقتصادية الأخري التي تضعها الدول الصناعية مما يؤكد ضرورة الاهتمام بسياسات جديدة تسهم في تحرير سعر الصرف وتحويل الاقتصاد الصيني الي اقتصاد قادر علي المنافسة الاوسع بعيدا عن كل صور الدعم بصورة تدريجية من خلال السياسات المالية والنقدية المختلفة, ويؤكد كل ذلك أن هناك تحديات امام متخذي القرار في الصين لابد أن تدفعهم للأخذ في الاعتبار سياسة تحرير العملة الوطنية التدريجي والتوجه الي خفض الفائض مع الدول الآخري, وضرورة اتباع سياسة مالية تقشفية ومحاولة التغلب علي مشكلة انخفاض سعر سوق الأصول في الصين البناء والتشييد مما قد يعرض الاقتصاد الصيني لهزة اقتصادية لو حدثت لكان لها تأثيرها الواسع النطاق علي الاقتصاد العالمي.