قبل عام واحد فحسب كانت الصنادق السيادية توصف بأنها فرسان الانقاذ للرأسمالية الغربية، أما الآن فقد اصبحت هذه الصناديق تبدو عرضة لتأثيرات ازمة الائتمان شأنها شأن الجميع كما انها تشهد تراجعا سريعا لتوقعات نموها. ففي وقت كانت صناديق التحوط والمؤسسات المالية الكبري تلعق جراحها من الازمة الائتمانية آثار اسلوب الاستثمار لهذه الصناديق والذي احيط بضجة اعلامية تكهنات ان بوسعها فعلا ان تسند الاسواق العالمية التي اصابها الخلل. والآن يبدو مستقبلها اقل وردية مع تراجع قيمة استثماراتها ومع هبوط اسعار البترول مما يقلل دخلها مستقبلا وتطلع الحكومات لمزيد من المال للانفاق علي الاقتصاد المحلي. ومع تباطؤ وتيرة توليد الثروة فإن هذه الصناديق قد لا تحجم فقط عن شراء الاصول ذات المخاطر الاعلي بل ان بعضها قد يضطر لخفض الاستثمارات لتمويل احتياجات مالية محلية الامر الذي قد ينطوي علي زيادة الضغوط في الاسواق العالمية الواهنة. والكثيرون مقتنعون بدور هذه الصناديق المتزايد في الاقتصاد العالمي لكن الخبراء يقلصون توقعاتهم للسرعة التي ستنمو بها اصول الصناديق السيادية التي تبلغ ثلاثة تريليونات دولار خلال السنوات المقبلة. ويتوقع الآن بنك الاستثمار مورجان ستانلي علي سبيل المثال ان تنمو اصول الصناديق بحلول عام 2015 إلي عشرة تريليونات دولار انخفاضا من 12 تريليون دولار في تقديره السابق. كما يتوقع بنك ميريل لينش ان تبلغ قيمة الصناديق خمسة تريليونات دولار بحلول عام 2012 بدلا من 2011 في تقديره السابق اخذا في اعتباره تباطؤ معدلات تحويل الاموال من البنوك المركزية إلي الصناديق. وربما تتراجع التوقعات بدرجة اكبر إذا واصلت اسعار البترول انخفاضها وطال انتظار انتعاش اسواق الاسهم وغيرها من الاصول. وقال ستيفن جن رئيس ابحاث العملات لدي مورجان ستانلي "نحن بحاجة للتسليم بأن قوة نيران الصناديق السيادية ربما تكون قد قيدت بعض الشيء، ونحن نأخذ بكل جدية الآن امكانية ان تضطر بعض الصناديق إلي ابطاء وتيرة مشترياتها من الاصول ذات المخاطر بدرجة حادة أو ان تصفي اجزاء من محافظها في العام القادم أو نحو ذلك". ويقدر جن ان الصناديق ربما منيت بخسائر علي الورق في حدود 25% هذا العام بفعل انخفاض اسواق الاسهم العالمية والاستثمارات البديلة. فقد بلغ انخفاض الاسهم العالمية هذا العام 47% بينما منيت الاسهم في الاسواق الناشئة حيث نشأت الكثير من هذه الصناديق بخسائر اكبر تجاوزت 60% . وقال الكسندر ميرتشيف رئيس مجلس مديري صندوب كازينا القازاخستاني "ستواجه قيودا شديدة علي عملياتها، وستوقف الاتجاه الذي سار في طريق.. الاستثمارات المقرونة بالضجة والانفاق الكبير". وقال ميرتشيف وهو يشغل ايضا منصب مستشار اقتصادي لرئيس وزراء البلاد ان الصناديق ستحول تركيزها علي الارجح إلي الاصول المنتجة التي ترتبط باقتصاد بلادها مثل الموارد الطبيعية والتكنولوجيا وذلك من اجل البقاء. واضاف: "ستعمل علي التخلص من الاصول غير الاساسية التي اشترتها خلال فترة الازدهار، ولن تشتري فنادق في برمودا في وقت تحتاج البلاد لشيء آخر". ويتوقع بنك ميريل لينش انه في ضوء خسائر الاسهم والاستثمارات البديلة والمكاسب الهامشية في ادوات الدخل الثابت فإن محفظة ذات استثمارات موزعة علي هذه الفئات الثلاث من الاصول بنسب 50 و20 و30% تسجل عائدا سالبا بنسبة 16.7% في الربع الثالث من العام الجاري. وقد استثمرت هيئة أبوظبي للاستثمار التي تعتبر اكبر الصناديق السيادية في العالم 7.5 مليار دولار في مجموعة سيتي جروب في نوفمبر من عام 2007 ومنذ ذلك الحين انخفض سهم المجموعة بنسبة 75%. وبغض النظر عن الخسائر علي الورق فإن هناك قوي اساسية اخري ستبطئ نمو صناديق الثروة في الاجل الاطول. فقد انخفض سعر البترول الذي يعد المصدر الرئيسي للايرادات بالعملة الاجنبية للدول ذات الصناديق السيادية الكبيرة اكثر من 90 دولارا للبرميل منذ ان سجل مستوي قياسيا في يولية الماضي ليهبط دون 54 دولارا ويسجل ادني مستوي منذ عامين. وعلاوة علي ذلك فإن تغير اتجاه الدولار من الهبوط الذي استمر سبع سنوات وانكماش العجز التجاري الامريكي نتيجة لتراجع الطلب المحلي من الامور التي تشير إلي ان القوي الاقتصادية الناشئة ستقل حاجتها للتدخل في سوق العملات وتزيد احتياطياتها بالنقد الاجنبي. ومن ثم فإن نمو احتياطيات الفوائض عن حد تغطية الواردات لفترة أربعة أشهر لأغراض موازين المدفوعات والسيولة سينكمش علي الأرجح في السنوات القليلة المقبلة. وتتوقع مؤسسة أي. اتش. اس جلوبل انسايت الاستشارية أن يتباطأ نمو احتياطيات الفوائض إلي 5% العام المقبل ثم يتحول إلي اتجاه سالب لمدة ثلاث سنوات من عام 2010 بعد نمو بلغ 29% و 16% علي الترتيب في عامي 2007 و 2008. وقال جان راندولف رئيس قسم المخاطر السيادية في المؤسسة "نمو صناديق الثروة السيادية يرتبط ارتباطا وثيقا بالاختلالات العالمية. والعجز الأمريكي يتضاءل كما أن الفائض يتضاءل في مناطق أخري أيضا وهذا يعني أن الدخل أقل كثيرا وأن الثروة السيادية المتاحة أقل كثيرا". وفي بعض الدول مثل روسيا اضطر البنك المركزي للسحب من الاحتياطيات للدفاع عن العملة المحلية مع هروب رأس المال من الأسواق الناشئة. وانخفضت احتياطياته من النقد الأجنبي بمقدار الخمس إلي 475.5 مليار دولار منذ أغسطس. وطلبت الكويت من صندوق الثروة السيادية فيها تأسيس صندوق طويل الأجل للاستثمار في البورصة المحلية. ويعني تباطؤ النمو أن صناديق الثروة السيادية تضطر لإعادة التفكير في استراتيجياتها التي تميل بشدة لصالح البنوك وتنويع استثماراتها. وقال مايكل نوبريجا رئيس صندوق أوميرز الكندي لمعاشات التقاعد "الموارد التي تزود الصناديق السيادية بالمال بدأت تنضب ومن الضروري الاستثمار في أصول عالمية ممتازة يمكن أن تولد سيولة نقدية مستمرة للأجيال المقبلة". واضاف: "الاصول الممتازة هي العقارات الكبري والبنية التحتية وما يرتبط بها من اصول خاصة في الاسواق". ولصندوق اوميرز شراكة مع مؤسسة الاستثمار الحكومية في سنغافورة للاستثمار معا في الشركات الخاصة. كما انه يجري مباحثات مع هيئة أبوظبي للاستثمار للقيام باستثمارات مشتركة بمليارات الدولارات في البنية الاساسية والعقارات. وقال نوبريجا: "حماقة التركيز بصفة مبدئية علي قطاع واحد واضحة الآن للصنادق السيادية التي منيت بخسائر كبيرة في القطاع المالي.