الاتصال بدائرة القضاء له آداب يجب أن يتبعها كل من تطأ قدماه أرض المحاكم، وبخاصة في داخل قاعات الجلسات، وتشمل لياقة المظهر، واللغة المتداولة فيها، وطبقة الصوت المعبر عن قصد المتحدث، فالمكان يفرض علي الحاضرين لغة الحديث وبنهم عن مدي انضباط شاغليه من حيث اتساق الالفاظ مع مكانة جميع الحضور ومقام رئاسة الجلسة. فعن المظهر نذكر تصرف محكمة جنايات الاسكندرية حيال محام شهير خلع طربوشه، الذي كان عليه ان يرتديه مع الروب، امام المستشارين الذين ارتدي كل منهم معطفه الاسود وعليه وسامه الاخضر، فلفت رئيس الدائرة نظر المحامي بأن يلبس الطربوش، فلبسه وعندما طالت الجلسة عاد، ليخلعه، فنبهه الرئيس بإعادة لبس الطربوش فأجاب المحامي بأنه لايطيقه صيفا فرد الرئيس بتأجيل الدعوي إلي الشتاء مع استمرار حبس المتهمين. وإن كان الكاتب لايتفق مع ما أمرت به المحكمة خلافا علي ما جاء في التنزيل ب »لاتزرو وازرة وزرة اخري« ولكن راعت المحكمة حسن المظهر الذي يليق بسمو القاضي وكرامته، فكان عليها ان تلزم المحامي بما تلتزم هي به واليوم يندر ان نري قاضيا لايلبس ملبسا محتشما ووقورا سواء في عمله أو في حياته الخاصة، وهو ينتظر ان يحاكي بالمثل. فله الحق في التصويت والتأديب، عند اللزوم فمثاليات القاضي ليست ترفا باعتبار انه قدوة للواقفين امامه ولكل- المجتمع- وإنما هي ضرورة، عليه ان يلتزم بها، وجميع من حوله. وينطبق ذلك علي رفع الصوت الذي معه يصعب علي القاضي سماع أحد الخصمين، مما يضطره احيانا إلي رفع الجلسة، ليأخذ جرعة من الصبر تجنبا للغضب والقلق وما عليه إلا ان يتحلي بالبشاشة تشجيعا للمتقاضين عند عرض قضاياهم وفي ذلك يراعي ما جاء في قوله تعالي: »ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك« وتلك حقائق يجب ان يعرفها جميع الناس، فالباحث عن الحقيقة يصبر عليها، اذ ربما يرد في المرافعة عبارة أو جملة تكون هي المدخل إلي العدل في القضية. غير انه ظهرت أخيرا لغة عربية ملات شاشات الاعلام المرئي في عدد من المحاكمات التمثيلية وقد استعملت فيها عبارات يخشي ان تشيع بين عامة الجمهور علي انها لغة دور القضاء، مثل ذلك مخاطبة رئيس المحكمة بعبارة: »يا..باشا« كما لو كان القاضي من عامة الناس،والباشا كلمة استعملها الاتراك السلجوق منذ القرن الثالث عشر، وأخذها عنهم العثمانيون للانعام علي كبار العسكريين وقد ذاعت في البلاد التي وقعت تحت نفوذهم حتي عام4391 والغيت رسميا في مصر عند قيام النظام الجمهوري في 2591، ولكنها عادت اليوم لتطلق عشوائيا في الاماكن العامة، وعرفيا في الدائر الرسمية حتي بلغ شيوع استعمالها في السجون والمقاهي، وكانت من قبل تعتبر تحرشا بالنساء لمن يقول لإحداهن: »ياباشا .. ياباشا « الأمر الذي يجب التصدي اليه قبل ان تصبح الكلمة مستعملة ليس فقط في التمثيليات، بل وفي قاعات المحاكم فيجب ان تمنع بحيث لايخاطب القاضي سوي بعبارة »سيادة الرئيس« وليس الريس الذي يخاطب به العمال »وهي بالانجليزية your honor وللمحكمة ان تأمر بالتصويب فوريا. كما يجب ان يمنع استعمال عبارات لاتمثل الحقيقة ويطلقها للأسف صغار الموظفين، حتي علي بعض المحامين، مثل لقب »المستشار« بدلا من »القاضي، أو »وكيل النائب العام« فالمستشار في اللغة هو من تطلب مشورته وليس من يطلب منه الحكم بالحق المعروض عليه وهو ايضا لقب رفيع لايمنح سوي بمعرفة المجلس الأعلي للقضاء لذوي الخبرة الواسعة، والسيرة القضائية المرموقة بجانب لقبة الاصلي اي »المستشار القاضي« اللصيقة بمكانته وصحيح موقعه. وبتلك الضوابط سوف يعود للتقاضي وقاره ويتضح للمتقاضين واقع ما يقدمون عليه، وتعلو مهابة الذين يقفون امامهم.. وللحديث بقية. كاتب المقال رئيس الجمعية المصرية لرعاية مرضي السكر