قديما قالوا (اللغة هي وعاء الفكر) .. عندما يبغي الإنسان إيصال فكرة أو رأي إلي الآخرين فإن مقدرته علي إيصال هذه الفكرة أو هذا الرأي تتوقف علي مهارته في قولبة رسالته في قالب لغوي يستطيع من خلاله التواصل مع الخارج عنه ( سواء كان هذا الخارج شخصا يحدثه أو مجتمعا عاما يخاطبه ) ومن المعروف أن الإنسانية علي اختلاف حضاراتها وثقافاتها لم تجد أفضل من اللغة كوسيلة لصياغة أفكارها وتسطير خصوصية شأنها ..صحيح أنه كانت هناك وسائل أخري لتوثيق مفردات الحضارات علي اختلاف جغرافية موقع كل منها مثل التوثيق عن طريق الرسوم الجدارية أو المنحوتات الحجرية والجيرية إلا أن اللغة ظلت هي الوعاء الأمثل لترجمة الحال وشرح الأحوال وأيضا كانت هي الوسيلة المثلي لصياغة القوانين ووضعها في بنود ومواد يسهل الرجوع إليها حتي لا يحدث خلاف في التفسير. ومع مرور الأيام وتقادم الزمان وتوالي السنين والأعوام أصبح للإنسانية رصيد هائل من الثقافة والفكر والتراث والحضارة وكل هذا مصغ ومحفوظ في غالبيته في قالب لغوي - مع وجود والأخري مثل المنحوتات وغيرها - وهذا السجل اللغوي بما يشمله من آداب وفنون وشعر وقصة وقوانين وعاؤه اللغة، فاللغة هي التي حفظته وهي التي جعلت منه مادة مفهومة لأجيال لم تعاصر ما تم تدوينه .. ومن المعروف أيضا أن اللغات التي عرفها الإنسان لاتعد ولا تحصي أو أنها من الكثرة بحيث يتعذر حصرها هذا غير اللغات الميتة والمنقرضة وهي ميتة ومنقرضة إما بحكم زوال الألسنة التي تتحدث بها أو بحكم فقر إسهام هذه اللغة في الحضارة الإنسانية بشكل عام. لا أدعي في هذا المقام أنني عالم متخصص في أنثروبولوجيا اللغات ولا أقول أنني عليم بمجمل الحضارات التي عرفها الإنسان ولكني أستطيع وبناء علي الشاهد المتاح أمامنا من وسائل اتصال حديثة ومن موثقات رقمية حوت الكثير من الثقافات الإنسانية بناء علي ذلك أقول أن هناك من اللغات ما يمكن إعتباره لغات إنسانية حية وهناك لغات أخري ميتة وأن أي محاولة لإعادة إحياء هذه اللغات الميتة هي من قبيل العبث والعناد الطفولي المحبب لنفوس ضعاف العقل والعاطفة. اللغات الحية تكاد تكون معروفة وهي حية بحكم حيوية المتحدثين بها و إسهامهم الدؤوب في الحضارة والثقافة الإنسانية أو بحكم التراث الذي تحمله هذه اللغة في طياتها والأمثلة معروفة ... إن أشد اللغات حيوية في عصرنا هذا هي اللغة الإنجليزية وهي لغة حية لأسباب معروفة ومفهومة، هي لغة أقوي دولة في العالم وهي لغة الإنترنت الأولي وقبل كل هذا هي لغة دون بها الكثير من روائع الآداب العالمية وغير ذلك وهذا الحال ينطبق أيضا علي اللغتين الفرنسية والإيطالية وغيرهما من اللغات الأوروبية. وتحتل اللغة العربية مكانة جيدة ما بين لغات العالم المتحضر وهي إحدي اللغات المعترف بها دوليا كلغة حديث رسمي والمكانة التي تبوءتها اللغة العربية لم تأت من فراغ فهي لغة موثق بها أدب وشعر من أعظم وأجل ما عرفته الإنسانية هذا غير التاريخ والوثائق التي صيغت بهذه اللغة الجليلة وغني عن الذكر أنها لغة مقدسة لدي ما يقرب من مليار ونصف مليار من المسلمين حيث إنها لغة العبادة والصلاة لديهم. إن ما دفعني لكتابة مكتوبي هذا هو تلك الأخبار التي بدأت تتواتر عن الأصوات التي تطالب بإحياء اللغة القبطية بل البدء بالفعل في تعليمها للنشء والصغار في بعض الكنائس وكأن المجتمع في حاجة لما يزيده تفسخا عما هو عليه؟! أن تقام الصلوات في الكنائس باللغة القبطية شيء وأن يتعلمها الصغار كلغة حديث وتخاطب شيء آخر تماما. اللغة العربية هي لغة المصريين الأولي، كل المصريين - مسيحيين ومسلمين - وأي محاولة لاختراق هذا الجدار الثقافي المتين الذي يحفظ الهوية ويصونها يعد من قبيل العمل علي تقويض دعائم ثقافة نحن في أمس الحاجة لتقوية بنيانها والتمترس حولها. إن اللغة القبطية تعد لغة غير معروفة لدي الغالبية العظمي من سكان الكرة الأرضية ( بما فيهم ملايين المسيحيين ) أي أنه لا يمكن اعتبار اللغة القبطية لغة معتمدة ورسمية للمسيحية كما يحاول البعض إيهام البسطاء منهم بذلك. اللغة القبطية كانت إحدي أطوار مراحل التطور اللغوي الذي مرت به مصر هذا امر لا ينكره أحد ولكن أن يحاول البعض إحياء هذه اللغة مرة أخري فهذا -لعمري - أمر عجاب ؟!! ولنا أن نتخيل مقدار المعرفة التي من الممكن أن يتحصل عليها إنسان يجيد الإنجليزية أو الفرنسية مقارنة بإنسان آخر يتحدث القبطية أو البشتونية وللعلم فإن اللغة البشتونية هي اللغة التي يتحدث بها الأفغان فأي تواصل يرجي مع العالم المتحضر لمن يصرون علي الحديث باللغة البشتونية أو الذين يسعون لإحياء القبطية التي لا يعرفها إلا القلائل ممن يظنون أنهم يحافظون علي هويتهم الدينية بحفاظهم عليها ! وما كثير من الظنون إلا وهم لا وجود له إلا في خيال أصحابه.. وسبحان مدبر العقول والأفهام.