افتتحت الدكتورة نجاح العطار نائب رئيس الجمهورية السورية أمس اجتماع المائدة المستديرة لرؤساء جمعيات حماية اللغة العربية في الوطن العربي وذلك في فندق الشام بدمشق. وألقت العطار كلمة توجيهية في بداية الاجتماع نوهت فيها بالجهود التي تبذلها جمعيات حماية اللغة العربية في الوطن العربي من أجل صون اللغة العربية وإعادة الألق إليها والارتقاء بها باعتبارها وعاء المعرفة والعروة الوثقي التي تشد الاصرة العربية انتساباً وانتماء ولحمة انطلاقاً من إدراك أن اللغة فكر وضمير وتكوين نفسي وعقلي ووطني وانتماء الي تاريخ وحضارة ومقدسات. وأكدت السيدة نائب رئيس الجمهورية أن هذا اللقاء ينبني علي الإيمان بأن اللغة العربية تشكل أهم مكونات قوميتنا العربية والجامع والحافظ للتراث العربي ماضياً وحاضراً وهي اللسان الذي يوحد كل أبناء الأمة العربية والذي ضمن لها استمرار وحدتها الثقافية ووجودها عبر العصور كلها في مواجهة المحاولات الاستعمارية المتواصلة لتغييب الثقافة العربية واستلاب اللغة باعتبارها أهم مقوماتها. وأوضحت العطار أن اللغة العربية كانت ولا تزال تشد العرب بعضهم الي بعض كالبنيان المرصوص وتوحدهم في طريق الكفاح وتأخذ بهم الي الحضارة والعمل وهي في النهاية منظومة قيم رفيعة تعلمت أجيالنا في الماضي والحاضر أن تدافع عنها بروح من الشهامة والوفاء لتراب الوطن. وأشارت العطار الي الحقب المظلمة التي عبثت بمقدرات الأمة العربية وما أصاب لغتنا منها وكيف تجاوزتها من المشرق الي المغرب عبر المشروع التنويري النهضوي الثقافي في مطلع القرن الماضي وما تبع ذلك من محاولات الغزو الثقافي التي استهدفت اللغة العربية ومكانتها وطاقاتها وحيويتها وقدرتها علي الاستيعاب والتواصل كلغة للفكر والعلم والتعليم في محاولة لاستلاب أجيالنا وإخضاعها. وخاطبت الدكتورة العطار المشاركين بالقول: إنكم أيها السادة عنوان عريض لجبهة الفكر التي نريد أن نبني من أجل الدفاع عن أمتنا في وجه كل الوان الافتراء ومنه ما يزعمونه عن قصور لغتنا عن التعبير عن عصرنا الراهن وما تحقق من تطور في ميادين العلوم وسواها. وعرضت السيدة بشكل موجز للتوجهات في سورية علي المستوي الرسمي والخاص بشأن حماية اللغة العربية والارتقاء بها وتمكينها من أداء رسالتها والعناية التي يخصها بها سيادة الرئيس بشار الأسد ولاسيما من خلال المشروع الذي تقدمت به سورية في مؤتمر القمة الذي عقد في دمشق من أجل النهوض باللغة العربية للتوجه نحو مجتمع المعرفة وعمليات تطوير مجمع اللغة العربية وإنشاء لجنة التمكين التي انبسطت علي المؤسسات الرسمية في كل أنحاء القطر، إضافة الي مشاريع كثيرة أخري كالعمل علي إغناء المحتوي الرقمي العربي وسواها. وأعربت الدكتورة العطار عن الأمل بأن يشكل اجتماع جمعيات حماية اللغة العربية هذا منطلقاً لتبادل الخبرات وتطوير استراتيجيات العمل ولتحقيق خطوات ملموسة وعملية لحماية اللغة العربية وتطويرها بما يتناسب مع مستجدات العصر والتطورات العلمية الراهنة. تمكين العربية ثم بدأت الجلسة الأولي من جلسات الطاولة المستديرة، حيث عرض الدكتور محمود السيد رئيس لجنة تمكين اللغة العربية التجربة السورية في حماية اللغة العربية وتمكينها. وأكد الدكتور السيد حرص سورية قيادة وحكومة علي تمكين اللغة العربية والارتقاء بها للدخول الي مجتمع المعرفة ومواكبة أحدث العلوم والتقنيات التي يشهدها عالمنا اليوم، مشيراً الي المشروع الذي تقدمت به سورية في مؤتمر قمة دمشق من أجل النهوض باللغة العربية للتوجه نحو مجتمع المعرفة. واستعرض السيد ما حققته اللجنة بعد أربع سنوات من انطلاق عملها من تشكيل لجان في وزارات الإعلام والثقافة والتربية والتعليم العالي، إضافة الي لجان فرعية في المحافظات وعمليات التعريب في مجمع اللغة العربية للمصطلحات الأجنبية ووضع تسميات عربية لأسماء المحال التجارية وتعميم التجارب الناجحة علي المحافظات. كما قدم رئيس اللجنة نماذج لما قامت به الوزارات في ضوء خطة اللجنة كوزارة التربية التي عممت علي المعلمين التحدث بالعربية الفصحي وتدريب الطلاب علي المهارات اللغوية وتفعيل دور المسرح المدرسي وإحداث قناة تربوية وضبط الكتب المدرسية بالشكل وغيرها. وأشار الي ماقامت به وزارة التعليم العالي من تكثيف للجهود في مجال التدقيق اللغوي للكتب المترجمة وعممت علي الجامعات الحكومية والخاصة أن تستخدم الهيئة التدريسية اللغة العربية الفصحي في المحاضرات والمناقشات، إضافة الي تعميم تدريس المناهج في الجامعات الخاصة باللغة العربية. وكذلك عرض الدكتور السيد ما قامت به وزارة الإعلام من اعتماد الكلمات العربية في الإعلانات واستبعاد العامية والأجنبية منها، إضافة الي البرامج الإذاعية والتلفزيونية والزوايا والمواد الصحفية التي تركز علي التوعية اللغوية الي جانب ماقامت به وزارة الثقافة من طباعة كتب تعالج التحديات التي تواجهها لغتنا، إضافة الي إقامة ندوات تعرف باللغة العربية الفصحي في جميع المراكز الثقافية، فضلاً عن إقامة معارض للكتب. كما شمل العرض ما قامت به وزارات الأوقاف والداخلية والاقتصاد والشؤون الاجتماعية والعمل واتحاد الكتاب العرب وكذلك لجنة التمكين للغة العربية. بدوره قدم الدكتور فؤاد فهمي أمين عام جمعية حماة اللغة العربية المصرية عرضا للتجربة المصرية في حماية اللغة العربية والتعريف بخصائصها وميزاتها في الابداع الأدبي والفني والفكري والعلمي، مشيراً الي أن الجمعية التي تأسست عام 2000 تحرص علي إيصال ثلاث رسائل تتعلق باللغة العربية تتمثل الاولي في الاعتزاز الكامل بمنزلتها ويقين بقيمتها رغم كل مظاهر الإهمال وعناصر التحديات، إضافة الي عتاب مرير لما يحدث من أهلها من هجر ومجافاة، إضافة الي الدعوة لتذكر الماضي بثقة والنظر للمستقبل بأمل. وأشار فهمي الي أن حماية اللغة العربية في مصر لا تقتصر علي دور جمعيته فقط إنما هناك عدد من الجمعيات الأخري من بينها جمعية لسان العرب والجمعية المصرية لتعريب العلوم. من جانبه ركز الدكتور موسي الشامي رئيس الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية علي ملامح التجربة المغربية لحماية اللغة العربية ولاسيما الخطوات التي قامت بها الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية منذ تأسيسها وحتي الآن. ولفت الشامي الي أن الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية تقوم بعملها في إطار ذلك وفق اتجاهين الأول اتجاه علمي بحت يتولاه علماء اللغة العربية والمختصون واتجاه ميداني يتم فيه التعريف بقيم اللغة العربية وثرائها اللغوي عبر إنشاء المراكز والمشاركة في الفعاليات والندوات وغيرها من النشاطات. ودعا الي إنشاء اتحاد عربي لحماية اللغة العربية يعمل علي استكمال مهام اللجان والجمعيات المحلية في كل بلد عربي. التحديات الآنية بدوره قدم الدكتور عثمان السعدي رئيس الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية سرداً تاريخياً لواقع اللغة العربية في الجزائر والظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مرت بها حتي الآن. ووصف السعدي وضع اللغة العربية في الجزائر بالغريب لأنها ولمدة طويلة كانت تعامل كلغة أجنبية وكان يتم اعتماد اللغة الدارجة كلغة رسمية في البلاد، وقال إنه قبل استقلال الجزائر تأسست الجمعية الجزائرية للدفاع عن العلماء الجزائريين عام 1931 التي استطاعت بناء 400 مدرسة من تبرعات الشعب الجزائري، حيث كان يتم فيها تعليم اللغة العربية. وأضاف أما الآن فإن المدرسة في الجزائر هي القلعة التي تحمي اللغة العربية ولاسيما أن هناك أكثر من 8 ملايين طالب يتعلمون اللغة العربية وفق أصولها. ودعا السعدي لتضافر الجهود جميعها وتكامل الأدوار بين الجهات الحكومية الرسمية والجمعيات المحلية المعنية لحماية اللغة العربية وتكريسها وتمكينها في تفاصيل الحياة تماماً كما في المدرسة ومقاعد العلم.