قبل أن يبدأ عرض أهم النشاطات التي نفذتها مكتبة الإسكندرية في عام 2009 أمام مثقفي مصر في مختلف المجالات قال رئيس المكتبة الدكتور إسماعيل سراج الدين إنه قصد هذا العرض أمام النخبة المصرية، باعتبار أن الحضور يشكلون برلمانا للمثقفين، لكن المثقفين، تناسوا وضعيتهم النخبوية وتحولوا إلي ما يشبه البرلمان، وكأننا في مناقشة لبيان الحكومة، وكل نائب، أو مثقف يقول ما يشاء وفي أي قضية بغض النظر عن الموضوع الرئيسي المطروح للمناقشة وهو خطة عمل مكتبة الإسكندرية. علي سبيل المثال اشتكي الدكتور حسن نافعة من شطب عدد من أساتذة الجامعة من قوائم المرشحين لعضوية انتخابات أعضاء نوادي هيئة التدريس بالجامعات، وانتزعت أستاذة جامعية ورئيس قسم الكلمة عنوة لتتحدث عن التغيير السياسي، ثم نقلتنا إلي مشكلة شخصية وكيف أن زوجها كاد يطلقها.. وهو كلام ليس فقط خارج السياق، وإنما هو مشكلة تحل في محاكم الأسرة وليس داخل قاعة مكتبة! وبدا أننا في جلسة برلمانية حيث أصر معظم الحضور علي أخذ الكلمة، ومناقشة الوضع العام في البلد، من الانتخابات الرئاسية إلي التعليم، ومن محمد البرادعي إلي توكيلات سعد زغلول، وبدلا من جلسة عامة لمناقشة تقرير رئيس المكتبة وجدنا أنفسنا أسري "مكلمة " خارج السياق لمدة يومين، حتي أن أستاذ الفلسفة الدكتور مراد وهبة طالب الحضور بتقليل سقف المطالب فرئيس مكتبة الإسكندرية ليس زعيما سياسيا، ولا هو مطلوب منه القيام بانقلاب عسكري! اليومان الحافلان بالكلام في مكتبة الإسكندرية كشفا دون مواربة كل أمراض النخبة، ليس فقط الإغراق في الماضي كما ذكرت في مقال الأمس وإنما عدم الوعي بالموضوع المطروح للمناقشة، ولا بدور المكان الذي استضافهم، فمهمة أي مكتبة في الدنيا التنوير والمعرفة، و نشر الثقافة والعلوم والفنون والآداب، وهي ليست حزبا سياسيا مطلوباً منه وضع "مانفيستو" الثورة القادمة. أهم أمراض النخبة أيضا الرغبة في الكلام والاسترسال حتي ولو خارج السياق والموضوع، لمجرد الكلام وحب الظهور، وقد يكون هذا مقبولا في بلد لا توجد فيه وسائل تعبير كافية، لكن مصر مليئة بالصحف والفضائيات والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، ولا يكاد يمر يوم دون أن تطل علينا هذه النخبة بنفس الحديث ونفس المفردات ونفس الطرح في وسائل التعبير المتنوعة والمتعددة الألوان والاتجاهات. والنتيجة التي انتهي إليها يومان من حملة التعبير عن الرأي وإخراج الكبت الداخلي، أن تم إلغاء فاعليات البرنامج، فلم تجتمع خمس مجموعات بحثية، كان يفترض منها إجراء مناقشات علمية جادة في ملفات تحتاج إلي رؤي في إطار ما أسمته مكتبة الإسكندرية "مجمع فكر مصر" .. لكن للأسف لم تجر هذه المناقشات وتأجلت إلي وقت لاحق، لأننا أهدرنا يومين كاملين في كلام عقيم، واستعراض في مهارات اللغة والخطابة، يفرضه المثقفون بشكل يومي علي أجندة الوطن الذي يحتاج الآن وأكثر من أي وقت مضي إلي نخبة مختلفة!