سألتها: كيف جئت بهذه الفكرة؟ أجابت: "كان ما يشغل بالي دائما هو قدرة شخص ما علي التأثير في الآخرين من حوله إلي درجة الإيمان التام بأفعاله وأقواله، وأعتقد أن هذا أمر فريد ولا يمتلك القدرة علي أداته سوي أشخاص استثنائيين، نجحوا في أن يلعبوا دوراً مهماً في تحويل مجري التاريخ وتحريك عواطف البشر ومعتقداتهم الدينية والأخلاقية". اندهشت لما ذهب إليه تفكير زميلتي ثناء رستم حتي إنها راحت تقتفي أثر هؤلاء الرجال ممن وصفتهم بالعباقرة الذين امتلكوا الموهبة والإصرار علي الاستمرار. وقد أسعدني أن تقدم ثمرة هذا الجهد في سفر ضخم هو مولودها الأول، علي الرغم من أنها كاتبة وناشرة وزوجة ناشر له باع طويل في الساحة، وقد صدر منذ أيام عن دار الآفاق العربية بعنوان لافت هو "أئمة الخفاء في الأديان".. كل الأديان السماوية المنزلة: اليهودية والمسيحية والإسلام. وأنت، عزيزي القارئ، قد تعرف أسماء بعض الشخصيات التي يدور هذا الكتاب حولها مثل: السامري، راسبوتين، شكري مصطفي، صالح سرية، وليم ميللر، آريوس، نسطور، ماني، شبتاي تسفي، ديفيد كورش، تشارلز راسل، جورج سميث، وحسن البنا، ولكنك بالتأكيد لم تتوقف من قبل أمام أسماء مثل: الحسن بن الصباح، طه السماوي، شوقي الشيخ، عبدالله بن ميمون القداح، هاشم بن حكيم، عبدالسلام فرج، مجدي الصفتي، ديفيد جورج، وعنان بن داوود. وكل واحد من هؤلاء عمل علي تكوين العقيدة الخاصة به، بل ونجح في تجنيد أتباع له كانوا مستعدين للتضحية بأرواحهم من أجل نظرة منه. وتقول مؤلفتنا: في هذا الكتاب، أنا لا أحاكمهم، بل أقوم فقط برصدهم وتقييمهم من بداياتهم وحتي تربعهم علي عرش الكلمة التي بها حكموا رعاياهم وأتباعهم لمئات السنين، لتبقي الكلمة دائمًا أقوي من السلاح، وليمنح هؤلاء العباقرة درساً خالداً لمن جاءوا من بعدهم "لا تقاوموا الكلمة إلا بالكلمة". وفي تقديمها للكتاب تذكر المؤلفة: "منذ أن بدأت الحياة البشرية علي الأرض بهبوط آدم وحواء من الجنة عرف الإنسان الله بواسطة الرسل والأنبياء الذين تعاقبوا في الظهور علي الأرض حسب حاجة تلك المجتمعات لوجود مرشدين وهادين ومصححين لمسار الإنسان كلما تخلي عن القواعد الأخلاقية والتعليمات الإلهية، وأصبح للدين المقام الأول في حياة الإنسان، ولم يستطع منذ البدايات التخلي عن فكرة وجود الله وأنبيائه ورسله، واكتسب الدين ورجاله والقائمون عليه مكانة خاصة مكنتهم من التحكم في مصائر الشعوب مع نزول الديانات السماوية وكتبها المقدسة، وأصبح الدين مصدراً للقوة والسلطة في كثير من الأحيان، وهذا ما أدي إلي خلق شكل فاضل للمجتمع الإنساني تحكمه قواعد دينية مستمدة من الكتب السماوية وتعاليم الرسل والأنبياء". ولكن هذا الأمر لم يرق لبعض الشخصيات التي ظهرت في فترات تاريخية مختلفة رأت أن الدين السائد لا يلبي حاجتها ولا يتوافق معها أو يحقق لها وضعاً خاصاً. وهؤلاء الأشخاص الاستثنائيون قرروا أن يبتكروا مذاهبهم وأديانهم الخاصة بهم منشقين عن الدين الأساسي الذي كانوا يتبعونه، وقد تحولوا إلي أئمة يبحثون لهم عن أتباع ومريدين لأفكارهم الجديدة. ومثل هذا الكتاب الذي يؤكد جُرأة مؤلفته وناشره يتطلب من القارئ أن يصدر عليه حكمه بنفسه دون وسيط مثلي. ومن هنا تكون مطالعة صفحاته التي تصل إلي 580 صفحة ضرورة لا يغني عنها رأي أو تلخيص. بقي أن أقول أن ثناء رستم التي اختارت دراسة علم الاجتماع، ثم اشتغلت بالصحافة وأثبتت أنها قادرة علي لمس العصب الحساس في المجتمع المصري من حولها، تثبت من خلال هذا الكتاب أنها خليفة لكاتب مثل صلاح عيسي، أو تلميذة لعالم كبير مثل الدكتور أحمد أبو زيد.