إننا في لحظة يتهدد فيها الخطر الدولة المصرية كما لم يحدث من قبل، هنا علي الجيش أن يدافع عن مدنيتها وطابعها والأسس التي قامت عليها الدولة من تأسيسها .. تلقيت من الصديق الدكتور قدري حفني الرسالة التالية أنشرها بنصها: »لعلك تعرف مدي تقديري واعتزازي بشخصك وبما تكتب. لقد جمع بيننا تاريخ طويل مشترك من حب الشعب والوطن، وثقة أظنها متبادلة في نزاهة ووطنية منطلقاتنا الفكرية. ومن هذا المنطلق وددت أن أبدي لك بعض ما »صدمني« في كتاباتك الأخيرة. لقد كان كلانا مؤمن بشكل مطلق بقدرات شعبنا الخلاقة التي حافظت علي هويته الحضارية لآلاف السنين. وكان رهاننا دوما علي تلك القدرات وعلي بصيرة الشعب الثاقبة التي تجاوزت في كثير من الأحيان رؤيتنا كنخب مثقفة مهما كان اخلاصنا. ولست في حاجة لعرض ما لا حد له من أمثلة تعرفها يقينا وعايشنا بعضا منها معا. لقد لاحظت في كتاباتك الأخيرة نبرة تشاؤم صادمة. لم أتصور أن صديق عمري عاشق مصر ينعي الهوية المصرية ويودعها، وانتظرت أن تشير إلي مخرج، وتوقعت أن يكون المخرج هو استنهاض قوي الشعب المصري لحماية هوية مصر، وكانت صدمتني حين وجدت ان المخرج الذي تشير إليه في مقالك الأخير الذي تساءلت فيه »من يحمي الدولة المصرية؟« هو دعوة الجيش للقيام بالمهمة. لعلك ياصديقي تتحدث عن الجيش الذي عرفته وعايشته خلال حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر، ولعلك كنت تستعيد صورة مجلس قيادة الثورة. ولكن »ولا كل من لبس العمامة تزينه ولا كل من ركب الحصان خيال« وليس كل من لبس الكاب عبدالناصر (لقد كان خالد الاسلامبولي وعبود الزمر وغيرهما ممن يعلو هاماتهم الكاب) وليس كل من لبس بذلة عصرية مدنيا ديمقراطيا. تري لماذا لا يقوم الشعب بحماية هويته المدنية؟ أعرف أن هناك من يزعم أن شعبنا أمي متخلف بل مرتش أيضا يبيع صوته بثمن بخس، وحاشاك أن تكون ممن يرددون هذا القول. أعرف أيضا أن هناك من يقولون ان شعبنا لا تصلح له الديمقراطية الحديثة ولابد لحكمه من عصا غليظة في يد دكتاتور أو خليفة أو فرعون، وحاشاك ياصديقي أن تكون ممن يذهبون هذا المنحي. وأعرف أيضا من يقولون ان الديمقراطية بالنسبة لنا هدف مؤجل لأنه يحتاج أولا إلي عدالة اجتماعية وتعليم جيد ووعي مرتفع ومن ثم يكون الرهان علي دكتاتور عادل ينجز هذه المهمة ولعلك تتفق معي يا صديقي ان العثور علي ديكتاتور في بلادنا لا يتطلب جهدا، ولكن أن يكون عادلا أمر مشكوك فيه كثيرا. انني يا صديق العمر أشاركك رؤيتك لتاريخ جماعة الإخوان المسلمين، بل قد أزيدك من الشعر بيتا، ولكن أرجو أن تتفق معي ان الجماعة قد خاضت الانتخابات حاسرة الوجه دون محاولة للتخفي خلف راية أخري كما حدث حين تخفت خلف حزب الوفد أو حزب العمل الاشتراكي أو بالتنسيق مع الحزب الوطني. هذه المرة برح الخفاء ولم يعد هناك مجال للاحتجاج بأن الناخبين المصريين لا يعرفون جماعة عمرها ثمانون عاما ظلت محظورة قانونا لحقبة طويلة وظلت مستهدفة من غالبية الأصوات الحكومية والليبرالية لكشف عوراتها. حين تختار الغالبية النسبية للناخبين المصريين الذين أدلوا بأصواتهم مرشح هذه الجماعة، فواجبنا أن نراجع أنفسنا ومواقفنا. علينا أن نحافظ علي احترامنا للشعب المصري الذي أشدنا طويلا بحكمته وتاريخه الحضاري. ليس مطلوبا أن نتخلي عن رؤانا السابقة ولكن علينا أن نفهم لماذا لم يقتنع الشعب المصري بتلك الرؤي رغم إيماننا بصوابها؟ صديقي العزيز: هب أننا نري أن شعبنا المصري قد أخطأ الاختيار، أليس من حقه علينا ونحن أبناؤه أن نقف إلي جانبه لنساعده علي تصويب ما نراه خطأ؟ لقد آثرت ان أكتب لك هذا الخطاب الشخصي راجيا ألا يكون فيه ما يغضبك ولك أن تنشره معقبا عليه لو شئت ولك أيضا أن تلتفت عنه وعلي أي الأحوال سأظل مقدرا لك آملا أن يكون ما صدر عنك نفثة غضب فما يحيط بنا به الكثير مما يستثير الغضب. دمت لي. 11 يوليو 2102 إلي تحويشة العمر لشاعرنا الكبير الخال عبدالرحمن تعبير جميل يصف به من صفصفت عليهم المسيرة من الأحباب والأصحاب، يقول: »هذا من تحويشة العمر..«، هذا الوصف يمكن أن ينطبق تماما علي الدكتور قدري حفني والذي لا أعرف الآن عدد السنوات التي استمرت فيها صداقتنا القائمة علي التفاعل الفكري وهذه سمات بعض العلاقات العميقة، لا نلتقي كثيرا، بل نادرا، لكنني في حالة تفاعل مستمر معه من خلال قراءتي لمقاله الأسبوعي في الأهرام، اذ نلتقي في مناسبة أو ندوة نستأنف الحوار كأننا لم نفترق. انه من الشخصيات التي أحمل لها تقديرا واحتراما، لذلك كان اهتمامي بخطابه الراقي، الهام، قرأته مرارا وتمعنت فيما جاء به، وقررت المبادرة والرد كتابة، للمناقشة والتوضيح. أبدأ معترفا بتشاؤمي خلال العام الأخير، خاصة بعد انتهاء أحداث الثورة في الحادي عشر من فبراير، وتوالي الأحداث التي بدأ يلوح منها ما يتناقض مع المسار الذي يأمله الإنسان من ثورة شعبية نادرة، ولكن كما يقول الشيخ محمد أحمد ابن اياس الحنفي مؤرخ مصر في نهاية العصر المملوكي وبداية العصر العثماني »ليت لو تم ذلك..«. ليس صعود جماعة الإخوان فقط، ولكن العديد من الظواهر التي تجسد خطرا لم تعرف مصر مثيلا له إلا في مراحل انهيار الدولة المصرية والمصاحبة للأحداث الجسام وتفكك القوانين الداخلية المنظمة لمسار الحياة في مصر، حدث هذا بعد عصر بناة الأهرامات، في نهاية الأسرة السادسة، حيث انهارت الدولة المصرية المركزية، وتحولت مصر الموحدة إلي شظايا، واستغرق استعادة الوضع إلي تماسكه وظهور دولة قوية أسست للدولة الوسطي حوالي قرن ونصف من الزمان، جري ذلك بعد احتلال الهكسوس والذي استمر قرنا ونصفا من الزمان، وفي أعقاب الغزو الفارسي البشع، ثم الروماني، ثم العربي، وصولا إلي الغزو العثماني، لن أتحدث عن الدولة المصرية التي أسسها مينا موحد القطرين، ولكن عن الدولة الحديثة التي أسسها محمد علي باشا، واستمرت حتي العصر الحالي رغم كل ما مر بها من تقلبات ومنها الاحتلال الإنجليزي الذي لم يهدم الدولة القائمة، بل قام بتقوية بعض أركانها لخدمة أغراضه الخاصة، مثل رصف الطرق، والعناية بشبكة الري وزراعة القطن، وعندما قام الشعب المصري بثورته في عام 9191 تجددت الروح، وأسفرت عن نهضة ابداعية ماتزال آثارها سارية حتي الآن، تجددت الروح ولم تهدر الدولة، ثورة 9191 وثورة 2591، كانت الحيوية الليبرالية في ذروتها، بعد ثورة 2591 والتي تدرجت في المراحل من حركة الجيش المباركة إلي ثورة علي المستوي القومي، لم تتبدل الدولة، لم تهدم ولم تتغير، إنما جري تغيير قيادات في البداية ثم عمليات تطهير جري فيها شطط أحيانا. ولكن تم بناء مؤسسات وهياكل جديدة تساير العصر ومجريات الأمور. لم أشعر بالخطر الحقيقي طوال ستين عاما متصلة إلا بعد بدء تزلزل الأرض واختلال دعائم الدولة لأول مرة منذ انهيار جهاز الشرطة خلال أحداث الثورة، ثم تقدم الجماعة الوحيدة المنظمة والتي أحجمت عن المشاركة في الثورة خلال الأيام الأولي ثم قرر قادتها المشاركة بعد اتضاح اتجاه الرياح، بدأت الجماعة ذات التنظيم القوي، والمستمرة في العمل السري منذ ثمانية عقود وممتدة النشاط إلي المحيط الدولي الأممي، بدأت في الظهور والهيمنة وأحكام القبضة من خلال مسارات عديدة، وأيضا بدأ ظهور التيار السلفي الذي كان كامنا والمتعاون مع الجماعة إلي حين، ومع تقدم الجماعة تحديدا في اكتساب المواقع، سواء في البرلمان أو مجلس الشوري، وصولا إلي الرئاسة، بدأ مشروعها في التجسد عبر الواقع، وهذا نقيض للدولة المصرية القائمة منذ عصر محمد علي باشا والذي أسس أركانها من خلال برنامج يحقق الوسطية بين الحداثة والمحافظة. لم تكن حداثة معادية للدين أو مؤسساته، إنما كان هدفها إقامة الدولة القوية انطلاقا من مركز مصر وتراثها وطبيعة دورها، وكان الجيش المصري أول المؤسسات التي عني محمد علي باشا بتأسيسها، واعتمد علي المصريين الذين استبعدهم الغزاة المتعاقبون من الجندية وحالوا دون ظهور جيش مصري خالص منذ انهيار الأسرة الثلاثين وانتهاء الحضارة المصرية القديمة. كان محمد علي باشا عبقريا في فهم طبيعة المصريين وخصائصهم، ومنهم أوفد البعثات العلمية التي شملت جميع المجالات ومنهم نبغ محمد مظهر باشا، ومحمود الفلكي وعلي باشا مبارك وغيرهم، وقد تحالفت القوي الاستعمارية ضد المشروع المصري وكان تحطيم الأسطول المصري في نافارين عام 0491 مختتم لمرحلة، وبداية أخري في مسار الدولة التي استمرت، ورغم تعاقب الظروف فإنها لم تعرف الانهيار، حتي بعد الاحتلال الإنجليزي، هنا يحتاج الأمر إلي ذكر تفاصيل عديدة، لكنني انتهي إلي تلك النتيجة المؤكدة من وجهة نظري، ان مصر رغم كل التقلبات والظروف لم تعرف محاولة لهدم الدولة. أو تداعيات لبنائها إلا بعد ظهور جماعة الإخوان المعبرة عن مشروع مناقض للدولة المصرية، انه الدولة الدينية، ومن أغرب النتائج التي ترتبت علي ثورة يناير، ان حدثا تاريخيا عظيما كهذا يؤدي إلي تمكن حركة تعود بالتاريخ والواقع إلي الوراء، من هنا مصدر اعرابي عن تشاؤمي الشديد، غير أن هذا التشاؤم ليس قصده الاحباط، إنما الإعراب عنه تنبيها إلي المخاطر التي تتهدد وجودنا، تحفيزا للمقاومة، فعندما أقول »وداعا لمصر التي نعرفها« أحاول تنبيه القوم إلي خطورة ما يجري، مثل التصرف الإنساني عند مواجهة الخطر المباغت، بإطلاق الصرخة علي أمل بدء النجدة أو تنبيه القوم. ان التعبير عما أشعر به بصدق من تشاؤم أفضل من التزام تفاؤل مفتعل. نعم ان مصر في خطر حقيقي، بل خطر داهم. ولذلك أسباب. يقول الصديق العزيز الدكتور قدري محذرا من امكانية ظني بالشعب التقصير والحيدة عن حسن السبيل، وانتخاب الإخوان بالرشوة، وإذا تابع أخي ما أكتب لا أظنه سيشك في إيماني بالشعب المصري، سواء من خلال اجتهادي لمعرفة وفهم العمق الحضاري الذي يؤدي إلي التميز والخصوصية في المسار الإنساني. أو محاولة تقديم فهم لعناصر التكوين، غير ان الشعوب تخطئ أحيانا مثل الأفراد نتيجة عمليات تضليل واسعة خاصة عندما يستخدم الدين من خلال دعاة والوسائل ذات التأثير مثل الفضائيات التي كان يظهر من خلالها شيوخ يدعون إلي انتخاب أسماء بعينها، وأطلق بعضهم تعبير »غزوة الصناديق«، اضافة إلي ذلك استخدم التيار أسلوب اليسار في العمل بين الفقراء، والمناطق المهملة، وهذا ما تخلي عنه اليسار مع انحساره وتراجعه، وتجمده داخل أطر معينة. لقد ملأت التيارات المستخدمة للدين الفراغ المترتب علي انهيار اليسار ولكن لتحقق رسالة أخري مضادة لليسار بكل أطيافه، رسالة لا تدعو إلي التقدم، ولكن لتحقق الدولة الدينية التي لا تتعامل مع المواطنين طبقا لمبدأ المواطنة، والتي تؤسس للطائفية، والعنصرية، وعصمة بعض البشر، لكن الظروف التي أدت إلي صعود هذا التيار خاصة في الانتخابات البرلمانية لن تتكرر بعد الأداء الباهت في المجلس المنحل، والأهداف المعلنة لمجلس الشوري الذي يرأسه صهر الرئيس الحالي، لقد جرت الانتخابات في ظروف معقدة استخدم فيها المال والتضليل والتزوير، ومقاومة هذا تحتاج إلي مدي طويل يتم خلاله تنفيذ مشرع حقيقي للنهضة، قوامه الارتقاء بالتعليم والاقتصاد وضرورة اتحاد القوي والتنظيمات العاملة من أجل مجتمع مدني، والحفاظ علي مؤسسات الدولة التي تعمل جماعة الإخوان بالتحديد علي اختراقها وهدمها واحلال أخري مكانها، وهم الآن يركزون علي المؤسسات الصحفية القومية لتغيير خمسة وخمسين رئيسا للتحرير دفعة واحدة، لاستبعاد الكفاءات الحقيقية، وتولية الموالين إخوانيا، ثم يأتي دور الخارجية والمؤسسات الأمنية ومنها الداخلية التي يستهدفها الإخوان بشكل خاص لأنها الجهة الأمنية المتولية نشاطهم منذ التأسيس، وأيضا المخابرات العامة، ولنا أن نتخيل خطورة استيلاء جماعة ذات حضور أممي لا نعرف إلي أين يمتد علي هذه المؤسسة الوطنية التي حمت الوطن من أخطار عديدة، وأخيرا المؤسسة الأهم، الجيش. مطلوب أحترام تبادل السلطة واسس الدولة ، هل نتخيل رئيسا امريكيا ديموقراطيا أو جمهوريا يأتي ثم يعلن تغيير النظام الي ماركسي أو ديني . يقول صديقي العزيز انني استدعي الجيش لإحداث التغيير المفروض أن تقوم به القوي المدنية، ولعله فاته التوقف أمام ما ذكرته بوضوح الأسبوع الماضي، انني لا أتمني الانقلاب العسكري ولا أدعو إليه، لأن نتائجه مخيفة، خاصة ان تكوين الجيش وظروفه تختلف تماما عن عام 2591، غير انني اعتبر الحفاظ علي الجيش مهمة أساسية للقوي الوطنية لأنه العمود الفقري للحفاظ علي الدولة، وقد جري الهجوم الفعلي علي الجيش منذ بدء هذا الشعار الخطير، »يسقط حكم العسكر« وقد شرحت مرارا دلالته التي تحيل إلي الانكشارية، وأكدت ان الجيش المصري ليس من المرتزقة ولا جند احتلال ولا جيشا يعمل لخدمة فئة أو عصابة مثل جيوش أمريكا اللاتينية. أقول لصديقي وأخي الدكتور قدري، ان الجيش لم يتغير في جوهره، وان تكوينه وعقيدته الوطنية لم تتبدل ويكفي ان أشير إلي بعض النقاط. مهام رئيسية لم تتبدل عقيدة الجيش التي تحكم تنظيماته واتجاهات حركته، رغم الضغوط الشديدة التي مورست علي قيادته خلال النظام السابق بهدف التخلي عن اعتباره العدو الرئيسي من الشرق، وتحويله إلي قوة لمكافحة الإرهاب والمشاركة في حملات دولية هنا وهناك. رفض قيادة الجيش القيام بدور في ليبيا، أو التدخل في سوريا، وبذل جهود أستطيع أن أفهم بعضها مما ينشر، للحفاظ علي المستوي القتالي ، فقد انقطعت علاقتي بالقوات المسلحة عام أربعة وسبعين عندما تقاعدت بقرار مني منهيا عملي كمراسل حرب لجريدة الأخبار مع بدء المشروع السياسي للرئيس السادات، والذي مازلت أري انه لا يتناسب مع الأداء العسكري للجيش خلال حرب أكتوبر. الحقيقة الناصعة التي يجب ألا تغيب عنا ان الجيش المصري انحاز إلي الثورة وحماها، وأنهي تماما مشروع التوريث، وعزل الرئيس السابق. لقد أصبحت تفاصيل ذلك معروفة، وقد لعب المشير طنطاوي دورا رئيسيا في هذه المراحل، لقد تم الحفاظ علي تقدم القوات المسلحة، وهذا ليس بالهين بالنسبة لجيش ضخم وقوة رئيسية لم يعد سواها في العالم العربي خاصة ان مصادر تسليحه الرئيسية من الولاياتالمتحدة. هذا الجيش هدف رئيسي للقوي التي تستهدف وحدة مصر وتسعي إلي تفتيتها وتقسيمها علي أساس عرقي وطائفي، ومنها الولاياتالمتحدة وإسرائيل، وهو هدف أيضا لجماعة الإخوان التي تسيطر الآن علي مفاصل الدولة وتسعي إلي تغيير هويتها. لقد صعد الإخوان بالانتخابات، ولن يذهبوا بها، بل يسعون إلي تغيير طبيعة الدولة، ومن هنا التناقض القائم الآن، وجود قائد أعلي طبقا للمفهوم القديم ينتمي إلي جماعة تستهدف هذا الجيش، وقد بدأت ميليشياتها البديلة في الظهور تحت مسميات المساهمة في أعمال النظافة والمرور. هنا أقول بصراحة، ان الجيش المصري عليه أن يتدخل ليحمي الدولة المدنية، ان أبناء الجيش الذين يرتدون الزي العسكري أكثر انتماء إلي الدولة المدنية، إلي المجتمع المدني من الرئيس الحالي الذي يرتدي حلة مدنية، لأنه فكريا ينتمي إلي جماعة تقوم علي مبدأ السمع والطاعة باسم الدين، وهذا أخطر بكثير من جيش محترف يؤمن قادته ان وقت الانقلابات العسكرية قد انتهي، والدليل أنهم أدوا دورهم ولي عليه ملاحظات عديدة بعد الحادي عشر من فبراير، وقد ذكرتها صراحة ، ان دور الجيش حماية التراب الوطني وجوهر الدولة. ولأن الدولة المصرية تتعرض الآن لما يشبه الغزو ولكن من الداخل فلابد أن يؤدي الجيش دوره، بحماية اسس الدولة ، الحفاظ علي التوازن بين السلطات ، عدم تمكين جماعة من السيطرة التامة علي الدولة وتغيير هويتها من مدنية الي دينية، هذا موقفي وقد كتبته مفصلا الأسبوع الماضي، وجاءت تصريحات المشير طنطاوي أول أمس لتؤكد وعي قيادة الجيش بالخطر الماثل وهو سعي الجماعة إلي الهيمنة التامة وهذا سيؤدي إلي انهاء الدولة، إلي الفوضي، إلي الاقتتال الداخلي، ولذلك يجب وقوف جميع القوي المدنية إلي جانب الجيش انقاذا للدولة وليس انتظارا أو بحثا عن الديكتاتور العادل، فلن يكون أبدا دكتاتورا وعادلا معا. الجيش مؤسسة يجب أن يدافع عنها المصريون جميعا، وعلي أولئك الشراذم من الشباب المضلل، أو المضلِّل أن يكفوا عن تغذية الحرب المعنوية ضد الجيش، انني لا أفهم ولا أستوعب تحالف أي شخص ثوري مع الجماعة التي تعمل تحت غطاء الدين، لم تكن من قوي الثورة ولن تكون لأن لديها مشروعها القديم الخاص، ولذلك فأي تأييد لها هو عمل في اتجاه هدم الدولة وانهاء مصر كوطن للجميع وحضور في المسار الإنساني، اننا في مواجهة غزو داخلي هو الأخطر علي الاطلاق ويجب مقاومته حتي يزول خطره، أقول لصديقي الدكتور قدري حفني، انني لا أعرب عن تشاؤم ينكص بالقوم، لكنني أطلق صيحة التحذير خشية الدمار الذي أري لهبه وخطره، رغم ما قد يتهددني من أخطار لا تخفي، ولكن علمتني التجربة وحب هذا الوطن ألا يخاف الإنسان وألا يخشي إلا الخالق سبحانه عندما يحدق الخطر بالوطن أيا كان نوعه أو مصدره. لعلي أكون قد أوضحت أيها الصديق العزيز. من ديوان النثر العرب »الاستشارة عين الهداية ، وقد خاطر من أستغني برأيه « سيدنا علي بن أبي طالب