هل سيتوقف الجدل غير المسبوق بين فقهاء القانون وأساتذته حول الحكم الذي أصدرته المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب، والقرار الجمهوري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي بدعوة مجلس الشعب إلي استئناف مجلس الشعب جلساته وكأن شيئاً لم يحدث؟!لا أظن. فرغم أن المحكمة الدستورية عززت حكمها السابق بإصدار حكم جديد أوقفت فيه تنفيذ القرار الجمهوري بدعوة البرلمان إلي الانعقاد، إلاّ أن ذات الجدل بين الفرقاء من فقهاء القانون وأساتذته لا يزال مستمراً مع تمسك كل فريق من الفريقين المتعارضين المتناقضين برأيه وموقفه استناداً إلي ما تحت يديه من نصوص قانونية ومواد دستورية يفسرها بعكس تفسيرات الفريق الآخر!الأخطر من »الحرب الكلامية« المشتعلة بين الفقرات عبر وسائل الإعلام ما فعله أحد المحامين أثناء مرافعته أمام المحكمة الدستورية بالتطاول علي هيئة المحكمة، واتهامهما علناً ب"ارتكاب جريمة تزوير" صاحبت الحكم الأول بحل مجلس الشعب (..). وتمادي المحامي مؤكداً عزمه علي رفع دعوي لرد هيئة المحكمة عن نظر القضية (..). الأغرب كان رد فعل هيئة المحكمة الذي لم يزد علي " رفع الجلسة"! وكان المنتظر أن ترد المحكمة باتهام المحامي ب "إهانة المحكمة" وينفذ الحكم عليه فوراً بالحبس تحت التحقيق أو علي الأقل الطرد من القاعة. ظاهرة الاجتراء علي الأحكام، وتشويهها، امتدت للأسف الشديد للتطاول علي القضاة. والأكثر إيلاماً أن يأتي ذلك من رجال قانون أو من أساتذة جامعات مثل أحدهم أستاذ علوم سياسية ظهر أمس علي قناة العربية و وصف أحكام المحكمة الدستورية العليا المتعلقة ببطلان مجلس الشعب و وقف تنفيذ القرار الرئاسي بدعوة المجلس للانعقاد بأنها "مسيسة"! ورداً علي هذه الظاهرة المؤسفة والمستفزة تلقيت رسالة من الأستاذ الدكتور أكمل رمضان أستاذ القانون جاء فيها: يجب أن يعلم الشعب ما الذي يعنيه قرار الأخ رئيس الجمهورية واجتراءه علي أحكام القضاء، لكنه أي الشعب لن يعلم من خلالي ولا من خلال فقهاء القانون، وانما من خلال واقعة شهيره حدثت مع رئيس الوزراء البريطاني الراحل ونستون تشرشل. فقد كانت هناك قاعدة جوية قريبة من ضواحي منطقة سكنية علي مشارف لندن وكان اقلاع الطائرات الامريكية والبريطانية والفرنسية وهبوطها يسبب ازعاجا كبيرا لسكان تلك المنطقة. فتقدموا للمحكمة العليا بدعوي تضرر من موقع القاعدة. فأصدر القاضي قراراً بنقل القاعدة الجوية من مكانها. وتم تبليغ القرار لقائد القاعدة الذي هرول بصحبة رئيس هيئة الاركان العامة و وزير الحرب إلي رئيس الوزراء ونستون تشرشل الذي يتوق للفوز في الحرب ضد هتلر آملين في قرار منه يمنع تنفيذ حكم المحكمة، لأن البلاد في حالة حرب، ولأن الضرورة الاستراتيجية توجب ان تكون القاعدة في موقعها. وكانت المفاجأة أن ونستون تشرشل رد عليهم ردا صريحا بليغا للغاية قائلاً: يُنفذ حكم القضاء فوراً. فخير لبريطانيا أن تخسر الحرب من أن يقال إنها امتنعت عن تنفيذ حكم قضائي. وعن الظاهرة المؤسفة للتصريحات الخاطئة لبعض من يسمونهم أساتذة القانون أو الفقهاء الدستوريين، يقول الدكتور جورجي ساري أستاذ القانون الدستوري بجامعة المنصورة في رسالة تلقيتها منه أمس: سمعت من أحدهم قوله بالنسبة لمجلس الشعب الذي قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية المواد التي تم انتخابه وتشكيله بناءً عليها وبالتالي بطلان تكوينه "إنه يمكن إجراء استفتاء علي عودة مجلس الشعب المنحل"(..). وهذا القول يصطدم بالمبادئ الأساسية للبناء القانوني والدستوري للدول الحديثة. أولاً: لأن اللجوء إلي الاستفتاء يجب ان يكون منصوصاً عليه في الدستور الذي يتضمن المبادئ الحاكمة للمجتمع، ويضع الأسس التي يقوم عليها. وحالياً لا يوجد في مصر مثل هذا التنظيم لعدم وجود دستور أصلاً، وعدم تنظيم هذه الوسيلة، ولم يُلجأ إليها منذ ثورة 25 يناير إلا في 19 مارس 2011 للاستفتاء علي التعديلات الدستورية المشبوهة التي وضعتها لجنة البشري وصبحي صالح، فيما أطلق عليه "غزوة الصناديق". ثانياً: انه حتي مع وجود دستور والنص علي اللجوء للاستفتاء في بعض المسائل والموضوعات، فلا يُعرف اللجوء إلي هذه الوسيلة للاستفتاء علي أمر صدر فيه حكم من القضاء. وأحكام القضاء متي صارت باتة تعتبر عنواناً للحقيقة. وتصبح ملزمة للكافة ولجميع السلطات، إلا إذا تغيرت الأوضاع وصدر دستور أو قانون ينظم ذات المسألة بشكل مختلف. ولكن في جميع الاوقات لا يجوز قانوناً ولا دستورياً الاستفتاء علي إعادة مجلس الشعب الذي تم حله كنتيجة طبيعية وحتمية لحكم صادر من المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية النصوص التي تم انتخابه وتكوينه وتشكيله وفقاً لها. فما بني علي باطل فهو باطل.. كما تقضي القاعدة القانونية المستقرة. شكراً للأستاذين الدكتورين: أكمل رمضان و جورجي ساري علي ايضاح ما كان خافياً علي كثيرين.