اليوم.. الخميس 41 يونيو 2102، وحسبما نشر منذ أكثر من عشرة أيام حول تقرير المفوضين بالمحكمة الدستورية الذي تم تسريبه عمدا في أعقاب الحكم في قضايا حسني مبارك وكبار مساعديه والذي أصاب الشعب بصدمة كبيرة، سيصدر حكم في قضيتين هامتين. فالتوقيت قاتل وهو الذي يعرف في علم دراسات المستقبل، بالسيناريو القاتل في اللحظة الأخيرة الذي يستهدف العصف بكل شئ بغض النظر عن سلامته من عدمه، والتوقيت قاتل حيث يأتي قبل انتخابات الإعادة علي منصب الرئيس ب84 ساعة أقل!! ومن ثم يتضح أن تحديد الموعد من المحكمة الدستورية لم يكن بالصدفة. فقد جاء تسريب الخبر متعمدا بالموعد وما يتضمنه بالحكم في الموضوعين وهما: عدم دستورية النظام الانتخابي وبالتالي حل مجلسي »الشعب والشوري« ومدي دستورية قانون العزل السياسي الذي أصدره البرلمان خلال الأسابيع الماضية، وذلك علي خلفية ما يلي: 1 اشغال الناس وأجهزة الإعلام بسيناريو حل البرلمان واحتمالات إلغاء انتخابات الرئاسة لابعادهم عن حكم »البراءة للجميع«.. لمبارك وعصابة الحكم، لوقف تنامي ضغوط الشارع والميادين بالغاء حكم مبارك، وادماج الكل في النظام القانوني من صنيعة مبارك، أي ان الهدف صرف الأنظار عن حكم مبارك باختصار. 2 اثارة الشكوك حول احتمالات اتمام الانتخابات الرئاسية جولة الاعادة الأمر الذي يخلق حالة من الاسترخاء وتراجع حدة المنافسة في جولة الإعادة المقررة. فالحقيقة تؤكد أنه كان من الممكن نظر مسألة مدي دستورية قانون العزل السياسي وإحالته وبسرعة ودون انتظار اللحظة الأخيرة وقبل انتخابات الإعادة بساعات محدودة، ومن ثم لم يكن ذات أولوية أن يلتصق تقرير دستورية قانون انتخابات مجلسي الشعب والشوري، مع تقرير دستورية العزل السياسي، ان لم يكن في الأمر شيء ما!! ومن ثم فإن قرار هيئة المحكمة الدستورية الموقرة، بتحديد هذه المواعيد وهذا التلاصق لم يأت من فراغ، بل جاء بحسابات سياسية أكثر منها قانونية، طبقا لفهمي لعمل المحكمة ونصوص قوانينها، فالثابت أن تقرير هيئة مفوضي الدستورية العليا هو تقرير يظل دائما بعيدا عن الاعلام إلي أن يتم الحكم، إلا إذا كان تسريبه عمديا، ربما علي خلفية نظرية »ملء الفراغ« وفقا لما سبق شرحه من مبررات أراها صائبة.. فالمجلس العسكري يدير البلاد وفقا لخطوات محسوبة تحقق مصالحه السياسية ويستثمر الجميع في هذا السياق، كل علي حسب دوره، وفي نهاية المطاف، فإن استهلاك الثورة والثوار هو آلية التصفية التدريجية حتي اجهاض الثورة لتعود الأمور إلي ما كانت عليه يوم 42 يناير 1102م، ومن ثم فان السيناريو المُعد والمرتب مسبقا، وهو سيناريو »اللحظة الأخيرة« هو السيناريو الذي تنفذه حاليا حسبما هو مخطط ومرسوم، المحكمة الدستورية العليا.. ولعل تلازم الموضوعين المقرر الحكم فيهما اليوم الخميس من قبل المحكمة، يجعل من المحكمة شريكا في إخراج وتنفيذ السيناريو. وبقراءة تحليلية للنص المنشور لتقريري المفوضين بالمحكمة الدستورية يتضح ما يلي: أولاً: بخصوص موضوع قانون العزل السياسي، أظهر التقرير أن المسألة ذات شقين، الأول ما يتعلق بقانونية الاحالة من لجنة الانتخابات الرئاسية، والثاني يتعلق بدستورية نص القانون نفسه. وحيث ان المحكمة- أي محكمة- تقضي أولا بسلامة الشكل قبل النظر في المضمون، فان الدستورية العليا معنية أساسا بالحكم في مدي سلامة احالة القانون من لجنة انتخابية، وهي في الأصل ليست محكمة تنظر نزاعا بين أطراف، وذلك قبل النظر في دستورية نص القانون، فالتقرير يتضمن في هذه النقطة تحديدا عدم مشروعية أو قانونية الاحالة من لجنة الانتخابات الرئاسية لقانون هي ملزمة بتطبيقه فورا، وقد تنازع التقرير اتجاهان، الأول باعتبار ان لجنة الانتخابات الرئاسية جهة قضائية مثل المحكمة والآخر باعتبارها لجنة إدارية إشرافية. ومن ثم فان الأخذ باعتبارها لجنة إدارية يستحيل علي الدستورية اعتبارها هيئة محكمة لها سلطة الاحالة للدستوردية تعارضا مع نص قانون المحكمة الدستورية نفسه، وإلا ستكون سابقة خطيرة وغير مسبوقة إذا اعتبرت المحكمة الدستورية لجنة الانتخابات هي محكمة، فتكون بذلك قد أضافت إلي البنيان القضائي »شيئا غير مسبوق، وأضفت مشروعية دستورية علي لجنة هي في الأصل إدارية حتي لو كانت مكونة من قضاة، لأنها قد تكون من غير القضاة غدا أو بعد غد. والأرجح عندي، أن المحكمة ستأخذ بمنحي أو بخيار أن لجنة الانتخابات الرئاسية هي لجنة إدارية تفتقر في سلطاتها المحددة بقانون، إلي احالة القوانين المطلوب تنفيذها إلي الدستورية، ومن ثم بطلان الاحالة، وما يترتب علي ذلك من بطلان استمرار شفيق مرشحا رئاسيا، وهو ما يفتح الباب أمام اجتهادات عديدة منها: اعادة الانتخابات الرئاسية برمتها وهو ما يعني التأجيل إلي مالا نهاية، أو شطب شفيق واستبداله بحمدين صباحي وتأجيل الانتخابات ثلاثة أسابيع، أو الاستفتاء علي مرسي فقط والنجاح بنسبة 01٪ كما قال المستشار »بجاتو« في حديث له خلال الأيام الماضية، أو الإعادة بين 21 مرشحا مرة أخري!! وكل هذه الاحتمالات واردة، ولا أحد يستطيع التكهن باحداها!! ثانياً: بخصوص موضوع دستورية قانون انتخابات مجلسي الشعب والشوري فقد أظهر التقرير عدم دستورية هذا القانون. وقد تباري البعض في الاكتفاء ببطلان ثلث أعضاء المجلسين فقط، بينما رأي آخرون أن عدم الدستورية ينصرف إلي القانون بأكمله، الأمر الذي من المرجح أن يقضي بالبطلان الكامل لمجلسي الشعب والشوري، حسب تقديري بما يتفق مع ما جاء في تقرير هيئة مفوضي الدستورية.. ولاشك ان التلازم في نظر الموضوعين مسألة محسوبة بدقة، ومؤسسة علي احتمالات ما هو متوقع في انتخابات الرئاسة لو تمت، فضلا عن أن الفترة الانتقالية الأولي قد حققت أغراضها، ويحتاج الأمر لفترة جديدة. والأرجح في تقديري وفقا لتداخل حسابات السياسة والقانون والتفاعلات والمخططات والمصالح السياسية«، فان السيناريو هو: 1 بطلان إحالة قانون العزل السياسي من اللجنة الرئاسية، تجنبا لمآزق قادمة مع الاحتفاظ بتقاليد المحكمة الدستورية، ومن ثم عدم الخوض في مدي دستورية القانون نظرا لعدم سلامة الشكل. ومؤدي ذلك هو تأجيل الانتخابات الرئاسية وكل الخيارات مفتوحة. 2 بطلان نظام انتخابات مجلسي الشعب والشوري، الأمر الذي يقضي ببطلان المجلسين، ومن ثم يصبح حل المجلسين حتميا. وفي ضوء ما سبق، فإن هذا السيناريو يقضي بانتهاء المرحلة الانتقالية الاولي فبراير 1102 - يونيو 2102، والتي قادت إلي لا شئ باعتبار انها سارت في الطريق »اللاثوري«، وسقط القناع عن الجميع، والأمر يحتاج إلي الانتقال إلي المرحلة الثانية وهي المسار الثوري الحتمي«. وهو ما يعني إعادة النظر في كل شئ مرة أخري، وإلا فان تدشين مرحلة أخري من أصحاب المصالح الذين كشفوا كل أوراقهم بلا حياء أو خجل وعلي جثث شهداء الثورة بمنتهي »الفجور السياسي« غير المسبوق، تصبح علي الأبواب لتنتهي الثورة تماما وأخيرا فان السيناريو المطروح، قد يكون بداية لموجة حقيقية للثورة تفرض المسار الثوري وهو ما نتوقعه حتي تستمر الثورة وتنتصر، ولازال الحوار مستمرا ومتصلا.