عبدالقادر شهيب اسوأ ما في الانتخابات الرئاسية التي اشاد بها الاجانب قبل المصريين ليست تلك الفتاوي الدينية التي استخدمت في توجيه الناخبين، ولا السلع والاموال التي استخدمت في كسب اصواتهم، ولا في تلك الشائعات التي روجت لتشويه المنافسين والخصوم.. انما الاسوأ في الانتخابات الرئاسية هو ما حدث ما بعد انتهائها واتمام عملية فرز الاصوات وظهور نتائجها وتحديد رد فعل بعض المنتمين للنخبة علي هذه النتائج. لقد حاول هؤلاء الفيديون اخفاء اخفاقهم في تحليل المشهد الانتخابي، وعدم صحة توقعاتهم التي لاحقواء الناخبين بها، باطلاق اقتراحات يدركون هم قبل غيرهم استحالة تحقيقها، وذلك لاضافة مزيد من الارتباك علي الساحة السياسية، ولكي يظل الاعلام يركض وراءهم ينقل ما يقولون ويهمسون حتي لا يفقدوا البريق الساحر لكاميرات الفضائيات. ففي خلال الحملة الانتخابية اختار هؤلاء مرشحين محددين للتنافس في السباق النهائي الرئاسي، وظلوا ينظرون لمن حققا بالفعل اعلي الاصوات علي انهما خارج السباق.. ولذلك كانت صدمتهم هم شخصيا كبيرة عندما حصل هذان المرشحان علي نحو نصف اصوات الناخبين الذين ادلوا بأصواتهم في انتخابات المرحلة الاولي.. لكنها في الحقيقة صدمة من لم يقرأ المشهد الانتخابي والقوي المؤثرة فيه، او بالاصح لم يعرف ما حدث ويحدث في الساحة السياسية المصرية علي مدي اكثر من عام مضي.. وبدلا من ان يعترف هؤلاء باخفاقهم ويراجعوا انفسهم اثروا للتغطية علي اخفاقهم في تحليل المشاهد الانتخابي ان يطلقوا علي الناس قذائف من المقترحات المستحيل تنفيذها، وذلك ليظل الارتباك مسيطرا علي الرأي العام، حتي يستمروا هم يتحدثون ويتحدثون، وتظل كاميرات الفضائيات تتابعهم استهلاكا لساعات البث التليفزيوني. ولعل اكثر هذه المقترحات مدعاة للدهشة هو ذلك الاقتراح الخاص بتنازل د. محمد مرسي لصالح حمدين صباحي حتي يتمكن من المشاركة في انتخابات الاعادة مع الفريق شفيق، وذلك لان الذي تقدم بهذا الاقتراح منهم اساتذة للعلوم السياسية المفروض انهم علي المام ومعرفة بقانون الانتخابات الرئاسية، وبالتالي القواعد الحاكمة للعملية الانتخابية، التي تقضي بأن الاعادة تتم بين الحائزين علي اعلي الاصوات، وانه اذا تنازل احد المرشحين الذين سيخوضان انتخابات الاعادة فهذا يعني تلقائيا تسليم واقرار بنجاح المرشح الاخر.. اي ان تنازل مرسي ان حدث لن يفيد صباحي، انما سوف يفيد شفيق اساسا.. فضلا عن انه من الصعب مجرد تصور او تخيل ان يتنازل الاخوان عن خوض معركة اعتبروها معركة عمرهم كله، وانفقوا الكثير من الجهد والمال للفوز بها، حتي يمسكوا بزمام السلطة التنفيذية مع السلطة التشريعية.. واظن وليس كل الظن اثما ان اصحاب هذا الاقتراح النخبوي يدركون ذلك كله.. اي يدركون استحالة تنفيذ اقتراحهم العجيب غير ان ذلك لم يمنعهم من الترويج له، لانهم يروجون من خلاله لانفسهم، غير مكترثين بأنهم يثيرون الارتباك في الساحة السياسية، ويغررون بشباب اعتقد انهم حازوا الخبرة وامتلكوا الحكمة، او بمواطنين بحثوا لديهم عن الرأي السديد.. فهل هناك اسوأ من ذلك اقترن بالانتخابات الرئاسية؟!. وهذا الاسوأ الذي ظهر مع ظهور نتائج الجولة الاولي للانتخابات الرئاسية يكشف عما جناه هؤلاء الذين ينتمون للنخبة السياسية علي شباب الثورة، او الشباب الذين كان لهم فضل المبادرة بتفجيرها حينما تولي الدعوة للتظاهر وتقدم الصفوف في المظاهرات منذ اليوم الاول.. لقد قدم هؤلاء النخبويون انفسهم لهذا الشباب بوصفهم قادرين علي الفهم، وبالتالي تحديد الخطي، لكنهم في الحقيقة كانوا يهتمون بمصالحهم الضيقة قبل مصلحة هؤلاء الشباب ومصلحة الثورة التي ضحي من اجل قيامها هؤلاء الشباب.. لذلك كانت مقترحاتهم دوما علي مقاس مصالحهم الضيقة، مستغلين قدراتهم علي الكلام، حتي وان تقلصت هذه المصالح الي حد البقاء في بؤرة الاهتمام الاعلامي. ولذلك لم يخلص هؤلاء النخبويون ابدا النصيحة لشباب الثورة، بل علي العكس ضللوهم ووجهوهم دوما في الاتجاه الخاطيء.. اي الاتجاه الذي يقودهم الي فقدان القدرة علي التأثير في صياغة المستقبل السياسي للبلاد الذي كانوا يحلمون به وانتفضوا لكي يحققوه. وكانت البداية هي حبس هؤلاء الشباب في الاطار الاحتجاجي وحده دون الانطلاق الي ساحة الفعل السياسي، والذي انشغلت به قوي التيار الديني السياسي، استعدادا للانتخابات البرلمانية بهدف السيطرة علي السلطة التشريعية، وبالتالي التحكم في الآلية التشريعية واستخدامها في تنفيذ خطتها للتحكم في السلطة التنفيذية وعملية صياغة الدستور الجديد. وهكذا ظل الشباب لا يسمع من هؤلاء النخبويين سوي ما يدفعهم فقط الي مزيد من الاحتجاج، ولا يحثهم علي الانخراط في فعل سياسي يحشد قواهم ويجعل لضغوطهم من خلال التظاهر السلمي ثأثيرا اكبر.. وهذا ما نبه اليه مبكرا مسئول الاتحاد الاوروبي في مصر الذي طالب الشباب بتطوير احتجاجاتهم الي فعل سياسي، والخروج من ميدان التحرير والانتشار في القري والنجوع والاحياء الشعبية والعشوائية والالتحام ببسطاء الناس الذين ستحدد اصواتهم شكل المستقبل السياسي للبلاد. ان مشكلة مصر الاساسية هو هذا الظل الواضح في التوازن السياسي بين قوي مدنية تعاني من تخمة النجوم النخبوية وتفتقد للقاعدة الجماهيرية، وما بين قوي التيار الديني السياسي صاحبة التنظيم الاكبر والاكثر انضباطا وفعالية حتي وان كانت تفتقد للنجوم النخبوية.. وما لم تعالج القوي المدنية هذا الخلل سوف يظل شباب الثورة غير قادر علي ما هو اكثر من الاحتجاج فقط.. والاحتجاج ضروري لتفجير الثورة، لكنه لا يكفي لنجاح الثورة في صياغة المستقبل السياسي للبلاد طبقا لاهدافها والمتمثلة في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.