الأسبوع الماضي في انتخابات الرئاسة هو أسبوع الارتباك بامتياز. ففي بداية الأسبوع, كانت لدينا قائمة تشمل23 مرشحا, وساحة سياسية منقسمة بسبب ترشيح الإخوان لخيرت الشاطر, ثم ترشيحهم لمحمد مرسي مرشحا بديلا, وبسبب ترشح عمر سليمان, وأيضا بسبب الجدل الذي دار حول أهلية حازم صلاح أبوإسماعيل للترشح, وكذلك بسبب إصدار مجلس الشعب لقانون العزل السياسي. وما إن بدأنا إجراء المقابلات التي استقينا منها المعلومات المستخدمة في هذا المقال, وذلك في يوم السبت14 أبريل, حتي صدرت في نهاية اليوم قرارات اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية باستبعاد عشرة من المرشحين, بمن فيهم المرشحون الثلاثة الذين كانوا سببا في إثارة كل هذا الجدل. وبينما كان باحثونا ينفذون الجزء الباقي من المقابلات, كان الناخبون غير متأكدين مما إذا كان مرشحهم المفضل سيبقي ضمن المتنافسين في السابق الرئاسي, أم أن القرار النهائي للجنة وبعد فحص الطعون المقدمة سيخرج هؤلاء المرشحين نهائيا من المنافسة, في الوقت نفسه فإن قابلية قانون العزل السياسي للتطبيق مازالت أمرا غير محسوم بعد أن تم وضع الأمر في يد هيئة مفوضي المحكمة الدستورية العليا, التي حكمت أخيرا بعدم اختصاصها بهذا الأمر. صدر القرار النهائي للجنة الانتخابات الرئاسية باستبعاد عشرة من المرشحين مساء الثلاثاء17 أبريل, وهو اليوم نفسه الذي كان باحثونا قد أنهوا فيه إجراء جميع المقابلات, والنتيجة هي أن القسم الأكبر من المادة التي اعتمدنا عليها في كتابة هذا المقال قد تم جمعه في فترة الريبة الناتجة عن عدم التأكد من القائمة النهائية للمرشحين, الأمر الذي يجب أخذه بعين الاعتبار عند تفسير النتائج والمؤشرات الواردة في هذا المقال. لو تجاهلنا كل عوامل الشك والريبة هذه, فإن الصورة التي بدت عليها تفضيلات الناخبين ظهرت علي النحو المبين في شكل رقم1, الذي يبين أن مؤيدي حازم صلاح مازالوا شديدي التمسك بمرشحهم الذي بدا في نظر أنصاره كما لو كان يتعرض لاستهداف سياسي بسبب الأفكار التي يحملها, فيما بدأت موجة الحماس التي أطلقها لدي البعض ترشح اللواء عمر سليمان في التراجع, فانصرف عن عمر سليمان جزء ليس قليلا من مؤيديه حوالي ثلث المؤيدين, في الوقت الذي بقي فيه مرشحا الإخوان المسلمين خيرت الشاطر ومحمد مرسي في مكانة متأخرة. فالنتائج الواردة في شكل رقم1 تعكس اتجاهات الرأي العام إزاء المرشحين المختلفين في ظروف عدم اليقين التي أحاطت بالانتخابات الرئاسية الأسبوع الماضي, ولا يدل علي هذا أكثر من أن خمسين بالمائة من حجم التأييد الذي تم التعبير عنه يتجه لمرشحين لم يعودوا مدرجين ضمن قائمة المرشحين المؤهلين لاستكمال السباق, الأمر الذي يجعل الصورة الفعلية لنصيب المرشحين المختلفين من التأييد تختلف كثيرا جدا عن الصورة المعروضة في الشكل رقم.1 الخطوة الأولي للتعرف علي ما يمكن للصورة الحقيقية أن تبدو عليه في ظل غياب مرشحين رئيسيين عن السباق هي النظر في المرشح الثاني المفضل لدي ناخبي المرشحين الذين لم يتم استبعادهم, وهو ما تبينه الأشكال2-.4 فالشكل رقم2 يبين أن القسم الأكبر من أنصار عمر سليمان يمكن له أن يذهب للمرشحين عمرو موسي وأحمد شفيق علي الترتيب, فيما يمكن أن يذهب جزء أقل وإن ظل مهما للدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح. أما فيما يتعلق بمؤيدي حازم صلاح, فإن القسم الأكبر من تأييدهم مرشح للذهاب للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح, فيما سيحصل عمرو موسي علي تأييد قسم مهم من هذا التأييد, ويبين التباين بين ما يمثله كل من أبو الفتوح وموسي الطبيعة المتنوعة لمؤيدي حازم صلاح, الذين لا يمثلون كتلة إيديولوجية منسجمة علي عكس ما توحي به جماعة مؤيدي حازم صلاح الأكثر إخلاصا, التي حملت علي أكتافها عبء حملته الانتخابية أولا, ثم عبء الاحتجاج علي قرار استبعاده ثانيا. مؤيدو خيرت الشاطر يواجهون معضلة بعد إخراج مرشحهم المفضل من السباق, ومصدر هذه المعضلة هو أن مرشحهم المفضل الثاني حازم صلاح- لم يعد ضمن المتنافسين علي الرئاسة, والأرجح أن تتوزع أصوات مؤيدي خيرت الشاطر بين كل من الدكتورين عبد المنعم أبو الفتوح ومحمد مرسي, مع ما في هذا من مفارقات ناتجة عن الطبيعة المتناقضة لعلاقة كل منهما بجماعة الإخوان المسلمين التي ترشح الشاطر باسمها. فعبد المنعم أبو الفتوح هو الخصم اللدود لقيادة الجماعة التي طردته من صفوفها بعد إعلان ترشحه قبل عام, ومحمد مرسي هو المرشح البديل للجماعة ورئيس ذراعها السياسية المتمثلة في حزب الحرية والعدالة. لو أخذنا كل هذه التفضيلات في الحسبان, ولو افترضنا أن الناخبين سيصوتون لما أعلنوه اختيارا بديلا أو ثانيا لهم إذا استحال تصويتهم للمرشح الأكثر تفضيلا, فإن توزع الأصوات بين المرشحين في اللحظة الراهنة يبدو علي الصورة الواردة في الشكل رقم.5 ويمكن بناء علي هذا الشكل القول إن انتخابات الرئاسة المصرية تتجه لأخذ شكل سباق ثنائي يتصدره المرشحان عمرو موسي وعبد المنعم أبو الفتوح, مع وجود فرصة ما لكل من المرشحين أحمد شفيق وحمدين صباحي. أما من ناحية تأييد الاتجاهات الإيديولوجية المختلفة, فإن الصورة تبدو علي الشكل الذي يبينه الشكل رقم6, الذي يبين أن كتلة الليبراليين الإصلاحيين المشكلة من المرشحين عمرو موسي وأحمد شفيق تأتي في المقدمة بنسبة تدور حول الخمسين بالمائة, بينما تأتي الكتلة الإسلامية المكونة من الدكتورين عبد المنعم أبو الفتوح وسليم العوا ومحمد مرسي في المرتبة الثانية بنسبة حوالي ثلاثين بالمائة. فيما تأتي كتلة المرشحين الثوريين من ليبراليين واشتراكيين, وتضم كلا من حمدين صباحي وهشام البسطويسي وأبو العز الحريري وخالد علي, في المرتبة الثالثة. البيانات السابقة تثير سؤالا يتعلق بالمعايير التي يتبعها الناخب لتحديد اختياراته بين مرشحي الرئاسة المختلفين. ومنذ شرعنا في تنفيذ هذه السلسلة من الاستطلاعات ونحن نسأل المواطنين سؤالا يتعلق بتفضيلاتهم بين المرشحين وفقا لثلاثة معايير: العلاقة مع الأحزاب السياسية والإيديولوجيا وطبيعة الخبرة السياسية. وبشكل شديد الاتساق كانت الإجابات التي نحصل عليها تبين أن الناخب المصري يفضل مرشحا مستقلا عن الأحزاب, محسوبا علي التيار الإسلامي, وله خبرة سابقة في شئون الإدارة والحكم. ويبين الشكلان7-8 ملخصا لما حصلنا عليه من مؤشرات طوال الأسابيع الأربعة الماضية. المرشح الذهبي صاحب الفرصة الأكبر للفوز بانتخابات الرئاسة المقبلة هو مرشح مستقل عن الأحزاب, إسلامي التوجه, بني تاريخه السياسي وخبرته من خلال العمل داخل مؤسسات الدولة. ولأن المرشح الذي توجد فيه هذه الصفات الثلاث مجتمعة غير موجودة, فإن علي الناخبين المفاضلة بين مرشحين مختلفين يتوافر في كل منهم بعض من هذه الصفات والخصائص المرغوبة, بحيث يكون علي الناخب التركيز علي ما يعتبره الأكثر أهمية من هذه الخصائص, فيما يضحي بما يراه أقل أهمية منها. ويبين الجدول رقم1 نصيب المتنافسين الرئيسيين من هذه الخصائص والصفات, ويظهر فيه أن المرشحين الثلاثة الذين يحتلون مقدمة السباق الرئاسي يتوافر في كل منهم صفتان من الصفات الثلاث المفضلة لدي القسم الأكبر من الناخبين, فيما لا تتوافر سوي صفة واحدة منهما فقط في المرشحين الأخيرين, الأمر الذي ربما يسهم في تفسير الآليات التي يكون المواطنون وفقا لها تفضيلاتهم بين المرشحين المختلفين, والذي ربما ساعدنا في تخيل المسار الذي ستتقدم فيه المنافسة الرئاسية في الأسابيع الباقية الحاسمة. فالسؤال الحاسم في الأسابيع المقبلة هو ما إذا كانت هذه الطريقة في صياغة تفضيلات المواطنين واختياراتهم ستحتفظ بأثرها, أم أن هناك فرصة لظهور طريقة بديلة لصياغة التفضيلات والاختيارات. ويرتبط بذلك سؤال حول فعالية ماكينة التنظيم والدعاية الإخوانية, التي لم تبدأ بعد في العمل بكامل قوتها لمساندة المرشح الإخواني, وما إذا كان دخول هذه الماكينة مرحلة العمل بكامل الطاقة يمكن له أن يغير الصورة التي تبدو عليها الأمور الآن.