نبىل زكى هل تتكرر في الانتخابات الرئاسية نفس المخالفات والانتهاكات والتجاوزات للقواعد، المعروفة والمعلنة، للدعاية الانتخابية؟ ما نعرفه ان المادة الثالثة من قرار لجنة الانتخابات الرئاسية رقم »10«، لسنة 2012 بشأن ضوابط الدعاية الانتخابية تنص علي ما يلي: »يحظر علي المرشح ومؤيديه، اثناء فترة الدعاية الانتخابية.. تناول ما من شأنه زعزعة ثقة المواطنين في العملية الانتخابية وعرقلة اتمامها، والمساس بالوحدة الوطنية وقيم ومبادئ وأعراف المجتمع المصري، واستخدام شعارات أو رموز دينية«. والسؤال: هل يلتزم كل المرشحين بهذه المادة الثالثة؟ ثم ان المادة الخامسة من قرار لجنة الانتخابات الرئاسية ينص علي حظر استخدام المرافق العامة ودور العبادة والمدارس والجامعات، وغيرها من مؤسسات التعليم العامة والخاصة في الدعاية الانتخابية. ومع ذلك، فإن الشيخ أحمد المحلاوي، خطيب مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية، أعلن مؤخرا ان من حقه أن يختار مرشح إحدي الجماعات وذكره بالاسم وان يقوم بالدعاية له من علي منبر المسجد، لان انتخاب هذا المرشح »نصرة للدين«! وأضاف الشيخ قائلا: إنه علي المصلين ان يذهبوا إلي الجمهور وينصحوهم بانتخاب هذا المرشح الذي يريده الشيخ لأن المصلين اذا تركوا الجمهور ينتخب غيره.. فإن الله سيكون غاضبا عليهم!! الأخطر من ذلك أن الشيخ يطالب بإلغاء قرار حظر الدعاية الانتخابية ُفي المساجد، لأنه حسب رأيه من حق الإمام »ان يستدعي المرشحين، ويناقشهم في دينهم أمام الجمهور، لكي يعرفوا هل يصلي أم لا؟.. وهل يأكل بالحلال أم يأكل بالربا؟ وهل يرضي الله أم يرضي الشيطان؟! وفي رأي الشيخ ان الانتخابات يجب أن تكون علي أساس ديني، ويتساءل: إذا لم تكن كذلك.. فإن الانتخابات تكون علي أي أساس؟ هل أساس إلحادي؟! الشيخ يتكلم كما لو كانت الدولة الدينية قد تأسست بالفعل، ولم نعد بحاجة إلي الاعلان عن وجودها.. فإنها قائمة في الواقع، وهي أكثر تطرفا من أنظمة عصور الظلام والاستبداد ومحاكم التفتيش في الضمائر. ومرة أخري نتساءل: هل تستطيع لجنة الانتخابات الرئاسية ان تمنع الشيخ الذي اعلن التحدي لقواعدها من استغلال المسجد وتسخيره للدعاية الانتخابية لمرشح معين؟ أم انها اكتفت بوضع القواعد واصدار القرارات، ولا يهمها اذا كانت ستوضع موضع التنفيذ أم سيضرب بها عرض الحائط، كما كان الحال في السابق مع اللجنة العليا للانتخابات البرلمانية التي لم تكن تري أو تسمع أو تتكلم؟!.. ولم تكد فترة الدعاية الانتخابية تبدأ رسميا.. حتي نشطت الفتاوي.. فقد اصدر أحد علماء الجمعية الشرعية المقرب من جماعة الإخوان المسلمين فتوي لتحريم التصويت لاثنين من المرشحين لموقع الرئاسة. وقال الرجل في فتواه ان التصويت لأمثال هؤلاء سيكون بمثابة »تعاون معهم علي الإثم والعدوان، وركون للظالمين، وخذلان للصادقين، وتضييع للأمانة، وخداع في الشهادة، وكتمان للحق، وإظهار للباطل.. وذلك هو الفساد في الأرض«. أما عضو مجلس شوري جماعة الإخوان المسلمين محمد عبدالله سياف فقد طرح ما يشبه الفتوي عندما اعلن ان دعم مرشح الجماعة »فريضة إسلامية«! وتطوع أحد من يصفون أنفسهم بأنه »داعية إسلامي«، لكي يؤكد أن السلفيين الذين أيدوا مرشحا غير مرشح جماعة الإخوان.. إنما »يحاربون الحق ويخشون تطبيق شرع الله«!.. والشيخ محمد عبدالمقصود، وكيل الهيئة الشرعية للإصلاح عن الدعوة السلفية يخاطب كل من يريدون انتخاب مرشح معين غير مرشح جماعة الإخوان قائلا: اتقي الله، لأنك ستكون عاصياً.. فهذا الرجل الذي ترغب في انتخابه يريد تدريس كتب الكفر في المدارس، مثل كتاب »أولاد حارتنا« وهي رواية نجيب محفوظ كما أنه رجل يعادي الشريعة لأنه يحرم الحدود.. ولا يخاف الله عز وجل! إذن.. فإننا بإزاء نفس سيناريو الانتخابات البرلمانية: المتاجرة بالدين والزعم بأن هناك من يناصرون الدين وهناك من يعادونه! ورغم انه لا وجود للكهنونة في الإسلام،.. ورغم انه لا يحق لأحد أن يتكلم باسم الله.. فإن هناك من يقدمون أنفسهم علي أنهم وكلاء العناية الالهية علي الأرض، وانهم أصحاب القرار في تحديد من هم المؤمنون ومن هم غير المؤمنين! ويعلنون تأييدهم لمرشحين يعتبرونهم الأقرب إلي الله ويحذرون من انتخاب آخرين لا يعرفون الله! وهذه المخالفات، التي اتوقع ان تزايد خلال الأيام القليلة القادمة.. هي التي دفعت المجلس القومي لحقوق الإنسان إلي عقد اجتماع مشترك مع اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية لتحديد أسس التعاون بين الطرفين.. وقد دعا المجلس القومي لحقوق الإنسان إلي تطبيق الاجراءات المنصوص عليها في القانون لوقف استغلال دور العبادة في الدعاية الانتخابية. نزاهة أية انتخابات تتوقف علي التطبيق الدقيق والحرفي لقاعدة حظر استخدام الشعارات الدينية، وحظر استغلال دور العبادة في الدعاية الانتخابية، ومراقبة تمويل الحملات الانتخابية الرئاسية. غير أن هناك عنصرا آخر يمكن أن يكون له تأثير علي سلامة ونزاهة الانتخابات، وهو التخويف والإرهاب الفكري. وقد بدأت عملية التخويف بتصريحات علي لسان قادة التيار الديني عن النزول إلي الشوارع والميادين »في حالة تزوير الانتخابات«. والسؤال هو: من الذي سيقرر اذا كانت الانتخابات نزيهة أم مزورة؟ والاجابة: اذا فاز مرشح اصحاب هذه التصريحات والتهديدات تكون الانتخابات نزيهة، واذا سقط تكون الانتخابات مزورة!.. ويبدو ان بعض الزملاء ينساقون بحسن نية وراء حملة التخويف والإرهاب الفكري، وهم لا يدركون أن هذه الحملة يمكن أن يكون لها تأثير في عمليات التصويت، ومثال ذلك ما نشر أول أمس حول »سيناريو الرعب في حالة عدم فوز الإسلاميين بالرئاسة«!!.. والرسالة التي تصل إلي المواطن من خلال تلك السطور هي: انه اذا جاءت الانتخابات برئيس ليس علي هوي الإسلاميين، فإن ذلك قد يدفعهم إلي »مليونيات«، و»ثورة ثانية«، بحيث لا يجد المجلس العسكري أمامه سوي اعلان الأحكام العرفية لتدخل مصر في دوامة جديدة من الفوضي. والواضح ان الذين يقودون حملات التخويف يريدون التأثير علي اتجاهات التصويت لدي كل مصري يتطلع إلي الأمن والاستقرار. ما هو المطلوب منا لتجنب الدخول في هذه الدوامة الجديدة؟ هل المطلوب ان ننتخب من يطلقون علي انفسهم صفة »الإسلاميين«، حتي »نأمن شرورهم«، ونتمتع بالهدوء والاستقرار؟ ألا تخدم عمليات التخويف أغراض من يريدون فرض مرشحهم عن طريق الابتزاز؟.. ثم.. ألا يتعارض هذا التخويف مع ما نصت عليه المادة الثالثة من قرار لجنة الانتخابات الرئاسية حول حظر زعزعة ثقة المواطنين في العملية الانتخابية؟ ان ذلك يفرض علي المجلس الأعلي للقوات المسلحة والحكومة وكل الأحزاب والقوي السياسية ومنظمات المجتمع المدني ورجال القانون والقضاء.. اصدار بيان مشترك للاعلان عن موقف موحد وحاسم وقاطع. علي جميع الأطراف احترام نتائج الانتخابات الرئاسية، مهما كانت هذه النتائج، والالتزام بذلك منذ الآن التزاما مطلقا غير مشروط وفي كل وقت، ومن يخالف ذلك يعد خارجا علي القانون والنظام العام مما يستوجب توقيع العقاب، ونقطة البداية هي الالتزام بقواعد الدعاية الانتخابية. وتلك هي كلمة السر في الحفاظ علي ما تبقي من كيان الدولة المصرية ومن ثورة 25 يناير.