محمد على خىر فور تنحي الرئيس السابق، أعلن المجلس الأعلي للقوات المسلحة بصفته السلطة السياسية التي تدير البلاد في بيان له، أن المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد والمسئول عن إدارتها لن تزيد علي ستة أشهر، لكن لأسباب كثيرة - كلنا نعرفها- فإن تلك الفترة الانتقالية قد طالت، ورغم أن المرحلة الانتقالية تتركنا أو تكاد، بعد أن وقعنا في شباكها طوال عام ونصف العام. فإن الشواهد المحيطة تشي الي أن بلادنا ليست في سبيلها الي الاستقرار، وربما كان عدم وضوح الرؤية حول مستقبل العملية السياسية هو ما يدفعنا الي هذا الاعتقاد، فرغم طول الفترة الانتقالية إلا أن حجم الملفات المفتوحة (المتروكة دون حسم) كبير جدا، وحجم الخلاف (لا أقول الاختلاف) أكبر وأعمق، وربما يمكن تسجيل تلك الشواهد علي النحو التالي: 1-الدستور:حتي الآن لم ننته من عملية كتابة الدستور الذي يستحقه شعب أشعل تلك الثورة العظيمة، وعندما تبحث بعمق عن السبب، فإنك لن تجد ماهو جوهري، فالخلاف علي معايير اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور واسع، وكل تيار سياسي بشخوصه وأفكاره يريد فرض إرادته السياسية علي الموقف، دون محاولة للوصول الي صيغة توافقية تفرضها خصائص المرحلة الانتقالية، ولانعرف حتي الآن كيف سيدير رئيس الجمهورية القادم شئون البلاد دون تحديد صلاحياته، ثم هل سيستمد تلك الصلاحيات من الإعلان الدستوري الحالي أم سيتم إضافة مواد لهذا الإعلان تنظم طبيعة عمل السلطات بالدولة، ورغم كل تلك الأسئلة، فإن أحدا لايعرف الي أين ستنتهي بنا الأحوال. 2- البرلمان:رغم حرص المصريين علي الاصطفاف في طوابير طويلة آملين بذلك رسم أولي خطوات الطريق الي بناء دولة ديمقراطية حديثة، فإن بقاء هذا البرلمان (إن لم يكن بسبب أداء نوابه) أصبح في علم الغيب ثم علم المحكمة الدستورية، حيث يتوقع خبراء دستوريون حل مجلس الشعب بسبب عدم دستورية قانون الانتخاب الذي جري التصويت عليه، ولا نعرف ماهو رد فعل القوي السياسية والأحزاب الكبري التي أعلنت أن قرار حل البرلمان بيد البرلمان نفسه، ناهيك طبعا عن حجم التشابك والتداخل بين السلطات الثلاث (القضائية والتنفيذية والتشريعية) مما ينذر بعواقب غير جيدة. 3- الاستقطاب: زيادة حدة الاستقطاب السياسي بين جميع التيارات السياسية دون استثناء، مما انعكس علي الشارع فأصبح حجم الاختلاف في المواقف بين المصريين يتزايد يوما بعد آخر بشكل مرضي مما يهدد معه نسيج الوطن، وقد برز هذا الاستقطاب بعد أيام من تنحي الرئيس السابق، وكان الاستفتاء علي التعديلات الدستورية هو أول ظهور له، عندما جري قسمة المصريين بين مجموعتين، الأولي والتي تنادي بنعم للاستفتاء والثانية لمن تنادي بلا، ثم انتقلنا الي الصراع حول الدولة الدينية مقابل الدولة المدنية، والدستور أولا مقابل الانتخابات أولا، وهكذا جرت الفترة الانتقالية، مما أحدث شرخا كبيرا في نسيج مجتمع يمارس الديمقراطية للمرة الأولي في تاريخه، أضف الي ذلك أنه جري استخدام الدين لتحقيق المصالح والمكاسب السياسية السريعة، وجري استغلال سيادة الشعور الديني بين المواطنين، وللمرة الأولي نجد بيننا من يعلن جهارا نهارا أن من يصوت لنصوص دستورية أو لأحد المرشحين للبرلمان أو الرئاسة سيدخل الجنة، وهكذا، وهذا الاستقطاب لم نشهده قبل ذلك مما يستدعي معه وقتا طويلا لمعالجة آثاره. 4-المؤسسة العسكرية: فور نزول الجيش بأفراده ومعداته مساء جمعة الغضب في 28يناير 2011 انتشرت اللافتات والهتافات المؤكدة بأن (الجيش والشعب ايد واحدة) لكن جري في نهر الفترة الانتقالية الكثير من الأحداث المأساوية التي خدشت أو بعبارة أدق جرحت هذا الشعار، وربما سيحتاج الوطن منا جميعا الإسراع لرأب الصدع في العلاقة بين قطاع كبير من المواطنين وبين مؤسسته الوطنية العسكرية، وهذا يتطلب من كثيرين ممن يتصدرون المشهد السياسي الآن البعد عن المزايدة واللعب علي عواطف الجماهير وإعلاء مصلحة مصر العليا فوق المصالح الحزبية والشخصية الضيقة، ولايمكن القبول بفكرة عودة الجيش الي ثكناته دون اصلاح هذا الشرخ الذي وقع، والذي يساعد البعض في اشتعاله بشكل مستمر. 5-غياب القانون:سوف نخرج من الفترة الانتقالية سريعا لكننا في غمرة الاشتباكات والمشاحنات وعمليات الاستقطاب، جري الاعتداء علي القانون من الجميع دون استثناء، وكانت السلطة في المقدمة (مثال:قضية التمويل الأجنبي والمتهمين الأمريكان الذين جري تسفيرهم لبلادهم رغم أنهم متهمون علي ذمة قضية ينظرها القضاء) ثم جري الاعتداء علي القانون باستخدام قوة الحشد الجماهيري في الميادين (حالة المرشح الرئاسي حازم صلاح أبو اسماعيل الذي استبعدته اللجنة العليا المشرفة علي الانتخابات الرئاسية لعدم انطباق أحد شروط الترشح عليه فحشد أنصاره في الشوارع) ثم التهديد والوعيد للقضاة في المحاكم أثناء نظر القضايا، وجري الاعتداء علي القانون من بعض المواطنين أيضا (البناء علي الأراضي الزراعية وكسر اشارات المرور كنموذج)، وسوف نحتاج وقتا ليس قصيرا لاستعادة هيبة القانون والذي يعني مباشرة هيبة الدولة والتي ضاعت أثناء الفترة الانتقالية. سنخرج إن آجلا أو عاجلا من الفترة الانتقالية لكن بأي قدر من الخسائر، وهل كل الخسائر يمكن تعويضها وكم سنستغرق من الوقت؟ السؤال لنا جميعا.