كثيراً ما نشكك فيما نسمعه من المنجمين، الذين يتصورون أنهم من العالمين ببواطن الأمور، وفي استطاعتهم أن يستشفوا أحداث المستقبل من خلال هبات وقدرات ينفردون بها عن بقية البشر! رغم تشكيكنا الدائم في مصداقية تلك التنبؤات والتخمينات، إلاّ أن أغلبنا ينصت إليها، ويتخوف البعض منها إذا كانت تحمل كوارث ونكبات مستقبلية في حين يفرح البعض الآخر لتنبؤات تبشره بالنجاح والتفوق والثراء والشفاء إن لم يكن غداً فبعد غد علي الأكثر! كم سمعنا عن »مشايخ« قيل إنهم »رُفع عنهم الحجاب«، وإن القدر اصطفاهم حالياً ومنحهم ميزة تمكنهم من »كشف الستار عن أسرار مستقبلية في أي شيء وكل شيء«! والأدهش أن العقود العديدة الماضية شهدت إقتناع الكثير جداً من السياسيين وكبار المسئولين والعلماء والفنانين والإعلاميين من رجالات ونساء مصر بمواهب وقدرات بعض الشيوخ المنجمين. وفي صحفنا القديمة والمعاصرة قصص وروايات وحكايات عن »نوادر« رموز مصريين في زياراتهم للشيوخ الموهوبين أو خلال استقبالهم في منازلهم وفيلاتهم ليطمئنوا منهم علي حالهم ومستقبلهم! في المقابل هناك من يرفض تنبؤات أولئك »المرفوع عنهم الحجاب« كما يزعمون حتي وان تصادف.. وصدقت واحدة منها. لكن الفارق الكبير بين مصداقية »المنجم« »موشوش الودع«، و»قاريء الكف«، و» البخت« وبين باحث أكاديمي، ومحلل سياسي، يستطيع أن يعطي رأيه ويطرح توقعاته لمستقبل قضية من القضايا الدولية ليس بناء عن تسريبات حصل عليها في أحد أحلامه، وإنما نتيجة لمتابعته الجادة والمكثفة لكل ما يمت لهذه القضية من قريب أو بعيد. فمثلاً.. الباحث، والكاتب: »صمويل هنتنجتون« ألف كتاباً شهيراً تنبأ فيه منذ زمن طويل بصراع الحضارات، والديانات، بعد أن أمضي وقتاً في متابعة ما جري ويجري من نزاعات، وصراعات، وحروب، وهجمات، شملت مناطق شاسعة من الكرة الأرضية، وانتهي إلي الاقتناع بأن حرب الحضارات آتية لا ريب فيها.. مادامت جهود العقلاء من كل الحضارات والمعتقدات لم تأت بنتائج حاسمة في التصدي لتلك الصراعات التي تعيد البشرية إلي أهوال عصورها الوسطي وما قبلها. والباحث الآخر: »جيرالد سيلانتا« أمريكي، يرأس معهد الاتجاهات الجديدة، ويصدر صحيفة دورية منذ 13عاماً نشر منذ أيام دراسة تنبأ فيها بمستقبل تشاؤمي للمسلمين في أوروبا، مع استمرار احتقان العلاقة بينهم وبين شعوب القارة الأصليين. موقع »إذاعة هولندا / الناطقة بالعربية« بث تلخيصاً لهذه الدراسة كتبه الإعلامي:»محمد عبدالحميد عبدالرحمن« نقلاً عن الصحيفة الهولندية (دي بيرس ) موضحاً أن »جيرالد سيلانتا« مشهود له بتاريخ يثبت قدرته علي التنبؤ بالتحولات الكبري علي مستوي العالم. فلقد سبق له أن تنبأ بسقوط جدار برلين قبل خمس سنوات من انهياره الفعلي. وفي عام 1993 تنبأ بأن »الإسلام سيصبح بديلاً للشيوعية بالنسبة للغرب«. وفي عام 1998 تنبأ بانهيار سوق العقارات في الولاياتالمتحدة، وهو ما تسبب بشكل رئيسي في الأزمة الاقتصادية العالمية وتداعياتها الرهيبة والمستمرة حتي اليوم. النبوءة الجديدة للمنجّم الأكاديمي »جيرالد سيلانتا« قرأت ملخصها أمس علي موقع الإذاعة الهولندية الذي يدعو مسلمي أوروبا إلي:[حزم حقائبهم توقعاً لعودتهم إلي البلاد التي أتوا منها لأن أوروبا لم تعد آمنة بالنسبة لهم. فالذي كان مستبعداً منذ عشرين عاماً أصبح منتظراً في الغد القريب]. وتضيف النبوءة مؤكدة: [ قريباً سيجمع الشارع الأوروبي علي تحميل المقيمين المسلمين مسئولية كل مشاكل، وأزمات، ومتاعب، القارة الأوروبية بدءاً بارتفاع نسبة البطالة، مروراً علي انتشار الجرائم، وانتهاءً برمي النفايات في الشوارع، وبالتالي فإن الحل الوحيد في رأي »سيلانتا« هو طرد المسلمين من القارة]. و المُنجّم الأكاديمي لا يكتفي بإطلاق نبوءته علي المشاع، وإنما يحدد توقيتاتها بين عامي 2012 و2016، علي ضوء تحليلاته لما يتابعه أولاً بأول من [صعود للتيارات السياسية اليمينية في الدول الغربية التي تصرخ ليل نهار بأن المسلمين سيدمرون الدول والثقافة الغربية الحديثة. وأبرز أمثلة علي هذا الصعود نراه حالياً في السويد، الدنمارك، هولندا، فرنسا، ألمانيا، بلجيكا، إيطاليا، وسويسرا]. ومن الخطوط العريضة للنبوءة، ينتقل صاحبها إلي تفاصيلها من خلال »سيناريو« علي طريقة السينما الأمريكية تبدأ مشاهده بتداعيات الركود الاقتصادي الناري، يعقبه تآكل القيم الديمقراطية، مما يشجع السياسيين اليمينيين الشعبويين علي إقامة نظام قانوني مزدوج يضمن الحقوق الكاملة للمواطنين الأصليين، ويحدد قائمة الممنوعات للمواطنين ذوي الأصول الأجنبية.. بداية بالقرار الذي تطبقه فرنسا حالياً بمنع ارتداء النقاب. تري ما هو رد فعل ملايين المواطنين المسلمين الأوروبيين فور سماعهم بتلك النبوءة؟ هل سيحزمون حقائبهم ويعودون إلي بلادهم من تلقاء أنفسهم دون انتظار قرار الطرد؟ أم سيعطي بعضهم إن لم يكن معظمهم آذانهم للمتطرفين من شيوخهم الذين ينادون علي »الجهاد« ضد »الكفار« من شارع إلي شارع.. ومن بيت إلي بيت؟! وهناك رد فعل ثالث، عقلاني، طرحه مفكرون إسلاميون مثل: »راشد الغنوشي«، التونسي الجنسية والمقيم منذ سنوات في بريطانيا ويؤكد أن المسلمين قادرون علي العيش كمواطنين في الدول الغربية، وعليهم التمسك والالتزام بقوانينها. إبراهيم سعده [email protected]