أنا أيضا لا أملك إلا أن أفعل مثلما فعل الكاتب الكبير د.يوسف إدريس في روايته الرائعة والمروعة »نيويورك 80« وأصنع من كفي كأسا يملأ ذقني وأحدق في أبعد نقطة في الكون وأقول: متي يا إلهي تعطي بعض الرجال شجاعة بعض البغايا!! جاءت هذه العبارة الصارخة كرد فعل علي ما قالته الطبيبة النفسية د.باميلا جراهام معالجة نفسية وحاملة دكتوراه في ثقافة الجنس البشري وتعمل في مستشفي سنترال بارك كواحد من أكبر مستشفيات أمريكا، وتحترف البغاء، وتقول أنا ممن يسمونهم المومسات »Girl Call«! لتبدأ حوارية كاشفة صارخة توجه فيها الكلام للدكتور الكاتب القادم من العالم الثالث بكل وساوسه ومتاعبه وثقافته وعقده ومعتقداته وقد احتج عليها مشمئزا ومستنكرا أنها دكتورة مثقفة وتبيع جسدها، لماذا يسمي كل شيء هنا باسمه تماما وعلي حقيقته؟ ألا يخجلون؟ علي أية حال نحن أكثر أدبا، سموه نفاقاً أو ادعاء ولكنه أرحم من الحقيقة الصارخة، والأسماء التي بالضبط علي مسماها، مومس! الكلمة بشعة بأية لغة تقال حتي لو كانت الفرنسية، ومومس سارتر »الفاضلة« مومس! وإليكم مومس يوسف إدريس، سمها ما شئت. هي: أنت كاتب وقطعا تعمل في مؤسسة، وتعيش في مجتمع يعولك، ويدفع لك أجرك، فتخضع لسطوته، هل تقول الحقيقة، كل ما تعتقد أنه الحقيقة لهذا المجتمع، أم تقول أشياء وتخفي أشياء؟ أليست هذه مومسة؟ المحامي الذي يترافع عن إنسان يعلم تماما أنه سارق أو قاتل لينال أجره وأتعابه ماذا تسمي هذا؟ السياسي الذي يعرف أنه يبيع بلده أو يغمض عينا عن مصالحها ماذا تسميه؟ القاضي،التاجر، الزوجة التي لا تطيق رؤية زوجها وتتأوه حبا حين يلمسها، الابن الذي يكره أباه ويحييه كل صباح: هاللو دادي! ماذا تسمي كل هذا؟ ماذا تسمي العلماء الذين يخترعون قنابل الفناء، والسياسيين الذين يخوضون الحروب،و المثقفين والكتاب الذين يعرفون الحقيقة ويخافون الجهر بها؟ أليس كل هذا مومسة؟ كلكم.. كلهن بغايا، وبأجر فاحش مدفوع، أنا أنظف قذرة أنظف منكم كلكم، أنا لا أقول أنا مدام فلان أو صديقة علان أو أرملة تلتان، أنا نظيفة أقولها لك وللجميع: أنا مومس، وبقولي هذا علي الملأ أصبح أنظف منكم جميعاً. فأنا لا أكذب عليكم ولا علي نفسي. وأنتم الكذابون والكذب أخدش للشرف من النفاق. إنه المومسة فعلا، وما أفعله مومسة ولكني نظيفة أنا نظيفة أقولها لك وللجميع: أنا مومس، وبقولي هذا علي الملأ أصبح أنظف منكم جميعا فأنا لا أكذب عليكم ولا علي نفسي، أنا الوحيدة التي بخطيئة وأنتم فقط قذاف الأحجار! لابد أنك الآن مثلي ومثل يوسف إدريس، انقضت علي عقولنا هذه الحقيقة الصارخة بسرعة البرق، ولابد أن الغضب يتفجر بداخلك وتملأ وجهك علامات شتي، عيناك في محجريهما، ولكن بالتأكيد زاويتاهما في وضع المسقط الرأسي حيث الحدقة إلي أعلي، ولابد أنك كمن أصبح يري بياض عينيه!. ويا أيها الملأ: هل من لحظة شجاعة ولو مؤقتة؟ لننتزع الأقنعة التي من كثرة الالتصاق فتتت وجوهنا، مثلما يتفتت الوطن العزيز »عيني عينك«؟ كلهم يسرقون البلد، ووالد وما ولد، ولا يسألون المحروسة الموؤدة: بأي ذنب تقتل كل يوم! كلهم.. كلهم .. لا أستثني منهم أحدا!! نفسي الأمارة بالشعر إلهي.. إن وجهي قد تغرب عن هويتي التي فضت براءتها الليالي والتجارب، بين منصور ومهزوم ومكسور، ومكلوم، ومعصوب، ومغضوب عليه ومنه ومغتصب ، وبين وبين. إلهي .. إن وجهي أدمن الزيف المعتق بين أقنعتي التي التصقت بأوردتي وقد هلكت بها نفسي وقد ضجت بها ذاتي فكان هبوط أشرعتي وكان سقوط أجنحتي.....!