بالماضي القريب عندما كان توجه الدولة في عصر ما سمي بالاشتراكية المصرية فقد سيطر القطاع العام الصناعي منه والتجاري علي مقاليد الأمور الإنتاجية بعد أن أضفي عليها صبغة سياسية ليست من صلبها وسمي هذا بمجتمع الكفاية والعدل مسقطاً لكل حسابات الدولة وآليات المنافسة والتفوق من حساباته ، فإتسمت الجودة بمفهومها السياسي الاقتصادي آنذاك بالجودة الحمائية أي التفنن في وضع العراقيل أمام السوق المفتوح سواء بعناصره الداخلية وعناصره الخارجية ممثلاً في المستورد من السلع وبذا فقد غدا واضع المواصفات القياسية ومشرعها إنما هو الصانع نفسه والذي يضع تلك المواصفات القياسية مفصلة عليه وعلي محدوديته في التطور وقبول التحدي وبمنأي عن أية طموحات تصديرية تكون معبراً له في الانفتاح علي العالم فجاءت تلك المواصفات القياسية مقصورة علي الهدف منها وفي ذلك إهدار كبير لمنظومة الجودة بمفهومها الشامخ كأداة صانعة للتغيير لا ينقطع رحاها عن الدوران وبذا اتسمت منظومة الجودة بالأمس القريب برحي يعلو صخبها ولكنه صخب بلا طحين. ومضت تلك المرحلة بما لها وما عليها من دعم وقتي للاقتصاد الوطني في صورة احتكارات اقتصادية محلية وما شابه ذلك من انعزال عن منظومة المواصفات والجودة العالمية وتراجع لأهمية التطوير الصناعي لانتفاء الغرض منه في ظل حماية جمركية ومواصفات قياسية منحازة للداخل لنجد أنفسنا في المرحلة التالية التي بدأت مع عصر الرئيس الراحل أنور السادات دخولاً لعصر الرئيس مبارك حيث أعلن عن سياسة الباب المفتوح كمقدمة لعصر الانفتاح بما يحويه ذلك من تحديات تطل برأسها ، إذ أن الانفتاح في مفهومه الاقتصادي هو أن يطل الاقتصاد الداخلي علي الخارجي ليستشرف منه فرصا لتطوير حاضره ومستقبله وهو أمر يعني في ذات الوقت أن الاقتصاد الخارجي له الحق في أن يطل علي الاقتصاد الداخلي مستشرفاً نفس الطموحات ولكن في الاتجاه المعاكس . ومن هنا بدأ عهد جديد من الحوار وتبادل المفاهيم فسمعنا مترادفات لم نكن نسمعها من قبل مثل العوائق الجمركية أي عوائق التعريفة والعوائق غير الجمركية التي من أهمها شهادات المنشأ والمواصفات القياسية حبذا الملزم منها. والمعروف أن المواصفات القياسية المتعارف عليها تقع بين ستة إلي سبعة آلاف مواصفة قياسية يعتبر الملزم منها 2500 مواصفة بمعني أن المواصفات الملزمة لا يجوز طرح منتجات تابعة لها دون أن تستوفي مطابقتها والتفتيش عليها وإعطاءها شهادات بإجازة جودتها وتسمي بالمواصفات الملزمة والتي يصدر بشأنها قرار وزاري يجعل منها كوداً لا يجوز التسامح فيه أما باقي المواصفات فتعتبر مواصفات استرشادية لا يجوز الإلزام بها. مثال ذلك المواصفات التي تحكم منتجات السيراميك - الزجاج - المنتجات الجلدية - المنتجات النسيجية والخشبية وما إلي ذلك واقتصرت المواصفات الملزمة علي سلع الأمن والأمان مثل أوعية الضغط - أنابيب البوتاجاز - خزانات الوقود - السيارات ناقلات الغازات المسالة والسوائل الملتهبة وما يمس صحة الإنسان من غذاء ودواء . ومع بداية عصر السادات كانت المواصفات القياسية المصرية مقصورة علي ثلاثة آلاف مواصفة الملزم منها حوالي 2000 مواصفة تشمل أغلب الصناعات التي ينتجها القطاع العام الصناعي.